أماني محمد ناصر
العنف هو وسيلة لإلغاء الآخر. ويصبح العنف بهذا المعنى شكلاً من أشكال الاستبداد وتهميشاً للآخر وإلغاء دوره أو إلغاءه مستنداً في ذلك إلى ضروب الاستغلال والظلم والعدوان والحرمان والطغيان والتهميش والفقر وعدم المساواة.
وإنّ مشكلة العنف عموماً والعنف ضدّ الأطفال خصوصاً ترتدي أهمية بالغة التعقيد في المجتمع المعاصر، وهي متعددة الجوانب والوجوه، بدءاً بالعنف المدرسي والمجتمعي حتى الأسري كونه أساساً مرتبطاً بالعوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع.
إنّ الكتابة عن العنف ضد الأطفال هي مهمة صعبة لأنها تطال الفئة التي دأبنا على اعتبارها وتسميتها "البريئة" والتي نخشى أن نرى بعيونها نظرات الاتهام موجهة إلينا على العنف اليومي الذي نمارسه ضدها نحن الكبار، ولأنّ هذه العبارة أو المصطلح من جانب آخر استخدم بالعديد من المعاني المختلفة جداً.
إنّ العنف الذي تقوم به الأسرة(أب كان أو أم أو الاثنان معاً) هو عنف سلطة وتسلط له جذوره الراسخة في نظام القيم والمعتقدات والمصالح والنفوس المريضة عند الكبار.
وهكذا فإنّ جذور الاستبداد بتناقض أبدي مع العلاقة بالحرية ورفض العنف والاعتراف بالآخر والقبول به وإعطاء الأطفال فسحة كافية متساوية مع الكبار في ممارسة حقوقهم وواجباتهم من خلال الحرية والحب والديمقراطية المستندة إلى المشاركة والمساواة وعدم التمييز. فالحب تسامياً في لقاء الآخر والعنف وسيلة لإلغاء الآخر والديمقراطية هي الوجه المعاكس للاستبداد والتسلط.
فالعنف ضد الأطفال هو استبداد وإلغاء الآخر(الطفل) والديمقراطية هي مشاركة ومساواة واعتراف بالآخر(الطفل) بغض النظر عن إمكانياته وقدراته وطاقاته أو جنسه أو لونه أو دينه.
وطبقاً لتعريف الأمم المتحدة للعنف فإنّ العنف هو أي فعل أو تهديد بفعل يؤدي إلى إحداث أذى جسدي أو نفسي أو جنسي أو يحد من حرية الطفل بسبب كونه طفلاً تحت الوصاية(الوالدان أو الوصي) أو الدفع به إلى أي من صور المختلفة للاستغلال.
تبين من جميع الدراسات التي تجريها الدول العربية على ظاهرة العنف الأسري في مجتمعاتها أن الزوجة هي الضحية الأولى وأن الزوج بالتالي هو المعتدي الأول.
وعلى سبيل المثال، تصل نسبة الزوج المعتدي في المجتمع المصري الى 9.71 في المئة حسب دراسة أجراها المركز القومي للبحوث في مصر. ويمارس الرجل عادة حقه في توقيع العنف على المرأة أكانت زوجة أو أماً أو ابنة أو أختاً. وتبلغ نسبة الآباء الذين يمارسون العنف في مصر حسب الدراسة السابقة 6.42 في المئة، فيما تبلغ نسبة الأخ المعتدي نحو 37%.. أما في السعودية، فدلت الدراسات أن 90 في المئة من مرتكبي حوادث العنف الأسري هم من الذكور، وأن أكثر من 50 في المئة من الحالات تخص الزوج ضد زوجته.
وهناك أنواع رئيسية للاعتداء على الأطفال، منها:
1 – استغلال جسدي:
أفعال جسدية تسبب جروح جسدية للأطفال .
2 – استغلال جنسي :
توريط الأطفال بنشاطات جنسية لتزويد امتيازات جنسية للحصول على فوائد مالية للمعتدي .
واحتوائها على أهداف جنسية . ( الدعارة _ أفلام ومجلات داعية للإثارة الجنسية أو أفعال هدفها الإثارة الجنسية ) .
3 – الاعتداء النفسي والعاطفي :
أفعال تسبب مشاكل سلوكية ، معرفية ، فعالية ، أو أي اضطرابات عقلية .
4 – الإهمال:
الفشل عن تزويد احتياجات الرعاية المناسبة .
ويتفق الباحثون الاجتماعيون والنفسيون على وجود عوامل متشابكة لتبرير حدوث العنف الأسري نحو الطفل، ومنها: العوامل الاجتماعية (كالخلافات بين الأبوين وارتفاع عدد أفراد الأسرة وشيوع النموذج الأبوي المتسلط...)، والعوامل الاقتصادية (كالفقر وبطالة رب الأسرة...)، والعوامل القانونية (كتدني الوضع القانوني للمرأة والطفل، وانعدام الأهلية القانونية...)، والعوامل السياسية، والعوامل النفسية (كعدوانية الأطفال أنفسهم وإعاقتهم الذهنية والعقلية وتأخرهم الدراسي...)، ووسائل الإعلام (التي تنشر حالات العنف في المجتمع عن طريق التقليد أو النمذجة...).
زيادة كمية وكيفية!
وعن أسباب انتشار جرائم العنف الأسري توضح الدكتورة "عزة عزت" صاحبة الدراسات المتخصصة في تحليل الشخصية المصرية والعربية وأستاذة الصحافة والإعلام: لقد زاد العنف الأسري -ضد الأطفال والنساء بشكل خاص- من الناحيتين الكمية والكيفية معًا، بمعنى ازدياد معدلات جرائم العنف الأسري المسجلة رسميًّا من ناحية، وتحول طبيعة الجرائم الأسرية لتكون أكثر عنفًا مما سبق من ناحية أخرى. وقد تحدث هذه الجرائم -التي تصل أحيانًا إلى القتل- لأتفه الأسباب على المستوى الظاهري، ولكنها تعكس في حقيقة الأمر مناخًا اجتماعيًّا متوترًا تتعدد فيه الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، ومصادر الاستفزازات التي تحاصر الأفراد وتدفعهم إلى الغضب والإقدام على العنف وارتكاب الجرائم. ويعود هذا التحول نحو العنف في الأساس إلى الازدحام المجتمعي الشديد (الاختناق)، وإلى مرحلة التغريب التي بدأت مع الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات من القرن الماضي، إضافة إلى الانفتاح الجديد على العالم عبر الفضائيات والإنترنت ووسائل الإعلام العصرية.
أما الدكتور نبيل السمالوطي أستاذ الاجتماع بجامعة الأزهر فيرى في دراسة له أن هناك علاقة وثيقة بين ممارسات العنف ضد الأطفال وبين المشكلات الاجتماعية والأزمات الأخلاقية التي تعاني منها بعض الشعوب والمجتمعات العربية، مثل مشكلة الأمية الهجائية والثقافية والدينية والفكرية، وتعاطي المخدرات والمسكرات، والبطالة، ومشكلات الشباب، وغيرها من مظاهر التخلف.
تعريف العنف الأسري:
العنف الأسري هو كل استخدام للقوه بطريقة غير شرعية من قبل شخص بالغ في العائلة ضد أفراد آخرين من هذه العائلة .
من هو المعرض للاعتداء ؟
يمكن لأي كان أن يصبح ضحية للعنف العائلي ولكن النساء والأطفال هم ضحاياه المألوفة وفي البيوت التي تحتوي نساء أو أطفال نجد انهم يتعرضان معا للضرب من قبل الشخص نفسه رجل البيت .
غالبا ما يقوم الرجل بالاعتداء على المرأة فتستخدم العنف كدفاع عن النفس وتبين الدراسات في أمريكا أن 95 % من حالات العنف العائلي بين البالغين يرتكبها الرجل ضد المرأة .
ويعد الاعتداء على الأطفال وإهمالهم مشكلة خطيرة ويقدر الخبراء أن مليونين إلي أربعة ملايين طفل في الولايات المتحدة يتعرضون للاعتداء كل سنة ، وكما يقتل آلاف الأطفال على يد أحد والديهم أو مربيهم كل عام ويبعد عشرات الآلاف من الأطفال كل سنة عن أسرهم التي ولدوا فيها ليعيشوا في بيوت الرعاية .
أن المعاناة الناتجة عن العنف الأسري الواقع على الأطفال ( مزدوجة ) فبالإضافة إلى معاناة الأطفال أنفسهم بسبب الاعتداء والإهمال ، فهناك الكثير من الآفات الاجتماعية التي تنتج عن الاعتداء _ فأغلبية السجناء البالغين والأشخاص الذين يمارسون العنف أو يعتدون جنسيا على أطفالهم هم ممن تعرضوا للاعتداء والإهمال في طفولتهم .
من يعتدي على الأطفال؟
70 % من الاعتداءات على الأطفال يرتكبها رجل البيت .
50 _ 70 % من الرجال الذين يعتدون على نسائهم يعتدون على أطفالهم .
70 % من النساء اللائي يتعرضون للاعتداء يعلن أن المعتدي يعتدي على أطفالهم أيضا .
تقريبا ما يعادل 60 % من جميع حالات الأطفال المستغلين وجد جرح في الرأس أو الرقبة ولذلك من حسن الحظ أن أطباء الأسنان قد يلاحظون مثل هذه العلامات الجسدية إذا كان هذا الطبيب لديه معرفة على ما إذا يجب أن يدقق النظر.
موقف الإسلام من العنف الأسري ضد الأطفال:
لو حاولنا استكشاف المنهج الإسلامي في هذا الواقع لرأينا أن الإسلام حين قوم الواقع العائلي وشرع له، نظر إليه من جانبين:
1 ـ إنسانية كل واحد من أفراد الأسرة دون استثناء.
2 ـ أخلاقية التعامل بين هؤلاء الأفراد، سواء في إطار نظرة رب البيت لمن يعول، أو في إطار نظرة هؤلاء نحوه، وطريقة تعاملهم معه، فحاول أن يرسم خطوطاً للتعامل تراعي إنسانية الإنسان فيهم وأخلاقية العلاقة التي تقوم بينهم عاطفياً وسلوكياً، من جهة أخرى.
إنّ الأسرة المبنية على الأسس الصحيحة لتكوين الأسرة الإسلامية لن يحدث فيها العنف، لأن الزوج الموصوف والمتسم بالأخلاق والدين لن تمتد يده إلى زوجته وأبنائه ، وتلك الزوجة التي اختيرت على أساس دينها لن تمتد يدها لتضرب زوجها ولن ينطق لسانها بما يؤذي زوجها ، وسيمنعها حياؤها ودينها من ذلك. قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ) كما قال عليه الصلاة والسلام : ( أيّما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة ).
فقد حمّلنا الإسلام مسؤولية هامة في هذا المجال هي رعاية واقع أطفالنا لإخراجهم للحياة عناصر سليمة صالحة، تخدم الحياة وتبنيها بناء ثابتاً متيناً لا يتزلزل أمام أي عاصفة وطارئ. وهذا يدعونا للتفكير بجدية في طريقة التعامل معهم منذ بداية تحركهم في هذه الحياة فتتعهدهم بالرعاية الكافية لتحويلهم إلى عناصر تبني الحياة، وتتقدم بها نحو الأفضل بالأسلوب الذي أراده الله سبحانه. فنحن إذاً نتحمل مسؤولية صياغة شخصيتهم مستقبلياً، ليتحولوا إلى قوة فاعلة في مجال الإعمار لا بد من اعتماد منهج تربوي مركز لتحقيق هذا الهدف. ولا مجال لالتزام منهج إعطاء الأوامر والتعليمات الملكية لتوجيههم. فذلك وحده لا يعطي أثره الطبيعي المطلوب، ولا سيّما حين يصل الطفل إلى مرحلة من الوعي والتفتح الذهني، لأن الأب(أو الأم) ليس هو العامل الوحيد الذي يؤثر في الطفل، ويصوغ شخصيته ونفسيته ومسلكه، بل هناك عوامل أخرى متعددة، من غرائزه وشهواته ومتطلباته التي تتحكم بواقعه وإرادته وتكوين أهدافه، وكذلك الكلمات والأفكار التي يأخذها عن والديه وعن الناس، وكذلك الزملاء الذين يختلفون في تربيتهم وفكرهم ومزاجهم وما اكتسبوه من عادات وتقاليد وأعراف، ومن المدرسة والشارع والمجتمع إلى غير ذلك مما يعمل في طبع عقلية الطفل وعاداته...
لذلك لا بد للولي من اعتماد منهج متوازن يبدأ من إعطائه المثل الصالح، بتركيزه من خلال النهج الذي يعتمده الولي في الحياة. فلا يمارس بعض الأساليب التي ينهاه عنها حين ينهاه عن الكذب، ويكذب معه، ويمنعه عن الألفاظ الفاحشة البذيئة ويطلقها أمامه، وعن الخيانة ويخون، وعن الظلم ويظلم، وأمثال ذلك مما يرتد سلباً على أسلوب الطفل، فيتحول إلى منافق كبير. ولا بد له أيضاً من التدخل لاختيار الرفقة ليكونوا ممن عاش تربية أخلاقية سليمة، واختيار المدرسة، بل والكلام الذي يلقيه عليه، وما إلى ذلك مما له تأثير كبير في تكوين منهجه وعقليته وتفكيره وأسلوبه. ومن هنا نهى النبي (ص) إحدى النساء عن وعد طفلها بشيء لا تعطيه إياه، لأنها تكون كاذبة وتعلمه الكذب في الوقت ذاته
سلبيات العنف.
بهذا يمكن الوصول بالطفل إلى تربية هادفة، ولا يصح اعتماد أسلوب الضرب والشتم والعنف كأسلوب من أساليب منع الطفل عن عادات معينة، أو أسلوب يتنافى مع المنهج الذي يراد اعتماده.
سيريا نيوز