منى أبوحمور

عمان- واجهت هانيا محمد، حالة من الفوضى تمثلت في احتجاجات واعتراضات متكررة من أبنائها ورفضهم للذهاب إلى المدرسة، وذلك بعد يومين فقط من بدء العام الدراسي الجديد، حينما انتقلوا إلى صفوفهم الجديدة.

 شعور بالامتعاض سيطر على طفل هانيا، البالغ من العمر 8 سنوات، بعد انتقاله إلى الصف الثالث. فقد شعر بخيبة أمل عندما اكتشف أنه لم يعد في ذات الشعبة مع صديقه المقرب، الذي كان رفيقه وملازما له منذ مرحلة رياض الأطفال.

 

شعر الطفل بحالة غريبة بعد عودته إلى البيت، وغربة داخل الغرفة الصفية وكأنه في مدرسة جديدة. كما عبر عن قلقه المتكرر قائلاً إنه سيبقى وحده في الصف إذا لم يتم نقله إلى صف صديقه.

لم تأخذ هانيا الموضوع على محمل الجد في اليوم الأول من الدوام، معتقدة أن ابنها يبالغ وسيكون علاقات جديدة في اليوم التالي. ومع ذلك، استمر ابنها في البكاء والصراخ يوميا، ورفض الذهاب إلى المدرسة، مما دفعه للضغط على والدته لنقله إلى صف صديقه.

ليست هانيا وحدها من تقف حائرة أمام رغبة ابنها في الانتقال لينضم إلى صف صديقه وبين مصلحته في البقاء في هذه غرفة صفية مختلفة فيها عدد أقل من الطلاب.

يواجه العديد من أولياء الأمور، مع بداية العام الدراسي الجديد، الكثير من المشاكل والضغوطات التي يسببها أبناؤهم، خاصة عندما ينتقلون إلى شعبة جديدة لا يوجد فيها أحد من أصدقائهم أو صديقاتهم القدامى.

وهو ما تؤكده ليلى الديات التي تحاول منذ ثلاثة أيام نقل ابنتها إلى شعبة أخرى فقط حتى تكون مع صديقاتها التي وبحسب تعبير ابنتها "لا أستطيع أن أستمتع بالمدرسة بدونهم".

حاولت ليلى التواصل مع المدرسة مرارا لنقل ابنتها إلى الصف الثامن، إلا أن مديرة المدرسة أوضحت أن نظام توزيع الصفوف لا يسمح بذلك. وأشارت إلى أن الطالبات والمعلمات يشكلن في النهاية أسرة واحدة، وعلى الطالبات تقبل الانتقال والتوزيع خلال الدراسة.

وتتفق ليلى مع ما تقوله مديرة المدرسة إلا أن إلحاح ابنتها يتسبب لها في قلق وتوتر كبيرين حتى أنها لم تعد قادرة على الذهاب للعمل بسبب رفض ابنتها الذهاب إلى المدرسة إلى حين حل مشكلتها.

ربما تكون وجهة نظر الطلاب مختلفة بعض الشيء، فهم يرون أن راحتهم النفسية وبقائهم ضمن أصدقاء ومجتمع اعتادوا عليه يجعل حياتهم الدراسية أسهل. وهذا تماما ما تفكر به الطالبة شهد حازم في الصف التاسع.

تعتقد شهد أن انفصالها عن صديقتها المقربة سيكون سببا في تراجعها أكاديميا،  فلم يعد لديها الرغبة في الدراسة والتحضير أو حتى المشاركة في الأنشطة اليومية التي اعتادت أن تتشارك بها مع صديقتها المقربة.

ويبدأ الصراع لدى شهد بين صفها الذي فيه مجموعة من المعلمات المميزات وبين صف آخر توجد فيه صديقتها المقربة، فتتضارب الرغبة مع مصلحتها الدراسية، كما ترى هي.

فيما تصف خديجة الخليلي هذه المشكلة بأنها مستمرة مع بداية كل عام دراسي جديد، الأمر الذي يشكل قلقا وتوترا كبيرين لدى الكثير من أولياء الأمور الذين ينشغلون بداية كل عام بهذا الأمر.

وتجد أن على المدرسة أن تقوم بتوعية الطلبة وإرشادهم بأن استمرار بقائهم في مجتمع صفي واحد ليس جيدا، والطبيعي أن ينتقلوا إلى صفوف جديدة، وأن يتعرفوا على طلاب جدد وكذلك المعلمات.

وهو ما أكدته أسماء الحياري مديرة مدرسة، لافتة إلى أنها في كل بداية عام تقوم خلال الطابور الصباحي بإلقاء كلمة صغيرة للطلبة والطالبات حول التغيرات التي تطرأ بداية العام وتعرف بالمعلمات الجدد والطلبة الذين تم تسجيلهم لأول مرة في المدرسة.

وتلفت الحياري إلى أنها وفي بداية العام الدراسي تلاحظ توافدا كبيرا من أولياء الأمور الذين يعترضون على توزيع أبنائهم في الصفوف ويطالبون بنقل أبنائهم في شعب أصدقائهم. ووفق الحياري أن راحة الطلبة تهم المدرسة، ولكن توزيع الطلبة يتم على أسس ومعايير تعتمد على ضمان تنوع في الصف يعتمد على القدرات الدراسية والتحصيل العلمي، وهو أمر ليس سهلا ويتطلب من الكوادر التعليمية وقتا في التوزيع ومن غير المنطقي أن يتم إعادة التوزيع فقط إنسياقا لرغبة الأبناء.

وتقول الحياري، "بعض الأحيان يتطلب الأمر مزيدا من الحزم من الأهل والمدرسة فمصلحة الأبناء أمانة في رقابنا والأمر لا يتعلق بالعواطف فقط"، لافتة إلى أنها رفضت نقل أي طالب أو طالبة خلال الشهرين الأولين في العام الدراسي وإذا استمر أحد من الطلبة في شكواه حينها سيتم أخذ الأمر على محمل الجد، فلعل بقاءه في الشعبة حقا يؤثر على نفسيته وأدائه.

الاختصاصية التربوية والإرشاد النفسي الدكتورة سعاد غيث تبين أهمية السماح للأبناء للتعبير عن رغبتهم وأفكارهم ومشاعرهم وأن تتاح لهم الفرصة لسماع وجهة نظرهم.

وتلفت إلى أن تعبير الطالب عن رغبته في البقاء مع أصدقائه أو الانتقال إلى صف آخر يتواجدون فيه، أمر طبيعي وعلى الأهل التعطاف معه وتقبل وجهة نظره، مع مراعاة أن ينسجم ذلك مع نظام المدرسة وسياستهم في توزيع الطلبة على الصفوف.

وتقترح غيث على أولياء الأمور التوجه إلى المدرسة في حال كان وقتهم يسمح بذلك والوقوف على الأسباب التي تدفع ابنهم للانتقال إلى شعبة أخرى أو يرغبون بمعلمة أخرى والتقدم بطلب نقله. لكن في حال وجود قيود وشروط معينة لتوزيع الطلاب، مثل سعة الصف وعددهم، وإذا اعتذرت المدرسة أو كان الأمر غير متاح لتلبية رغبة الطفل، فإن هذا الموقف يمكن أن يكون فرصة ثمينة للطفل ليتعلم أن الأمور والمواقف قد تتعارض أحيانًا مع إرادته ورغباته، كما ترى غيث.

وتلفت إلى أن الذكاء في التعامل مع هذه المواقف يكمن في قدرة الأبناء على التكيف مع معطيات الحياة، فيتعلم الطفل درسا مهما، وهو أن العديد من الأحيان تفرض عليهم وقائع وأمورا خارجة عن سيطرتهم، وعليهم أن يتأقلموا معها ويرضوا بها. هذا التكيف يعتبر أمرا صحيا.

وتنوه غيث أن الأصل هو أن يلتزم الطالب بالتعليمات والقوانين لتحقيق المصلحة العامة، التي قد لا يكون الطفل قادرا على فهمها في البداية. يحاول الأهل توصيل هذه الفكرة بطريقة بسيطة توضح أسباب القيود والظروف والاشتراطات التي قد تفرض أحيانا، وكيفية التعامل معها.

وفقا لغيث، إعداد الطفل للحياة لا يعني تلبية جميع احتياجاته أو ضمان سعادته الدائمة. بل هو فرصة للبحث عن ما ستجلبه هذه التجربة الجديدة، مثل التفاعل مع طلاب جدد واختبار علاقات جديدة مع الطلاب والمعلمات أيضا.

يترتب على تغيير الطالب لمجتمع صفه الذي اعتاد عليه، كما تشير غيث، اكتساب تجارب وخبرات جديدة واكتشاف ذاته. فالتواجد في صف لا يحتوي على أصدقائه أو معلمته التي اعتاد عليها قد يتيح له الفرصة لاكتشاف قدراته على التكيف والتعلم، مما قد يكشف جوانب جديدة في شخصيته لم يكن يدركها من قبل.

JoomShaper