بغداد - خلود العامري
بالكاد تمكن اسعد غالب من استعادة طفله المخطوف، فقد أمسكت احدى نقاط التفتيش بالصغير مكمماً في الصندوق الخلفي لإحدى السيارات التي حاولت تهريبه الى مدينة البصرة وبيعه هناك قبل ستة اشهر.
قصة اسعد وطفله المخطوف بدأت حين خرج الصغير محمد لشراء علبة شوكولا من دكان صغير في الشارع المجاور، فتوقفت سيارة مسرعة وخرج منها شخصان عملا على إدخاله بسرعة فائقة إلى السيارة، قبل ان تنطلق بعيداً، بحسب ما روى بعض المارة لوالد الطفل المخطوف الذي اسرع بدوره الى ابلاغ الشرطة للعثور عليه.
فالأب الذي استنتج الموقف سريعاً، ادرك ان ابنه سيُهرب و «يباع» خارج البلاد، مثلما حدث لاطفال آخرين سمع الكثير عن قصصهم، او يُستغلّ وتباع اعضاؤه الى جهات طبية.
ويقول اسعد إن من حسن حظه انه كان لديه قريب يعمل في مركز امني، ساعده على إبلاغ جميع نقاط التفتيش في المحافظات الوسطى والجنوبية. ووزع عليها مواصفات محمد وملابسه.
وقد ابلغ بعد اسبوعين بالامساك بعصابة تتكون من ثلاثة اشخاص، حاولت تجاوز احدى نقاط التفتيش عند مدخل مدينة الناصرية، «حيث عثروا على محمد مقيداً في صندوق السيارة».
ويذكر ابو محمد ان الطفل روى لاحقاً حكايات وتفاصيل عن البيت القروي الذي كان يقيم فيه قبل ان تقرر العصابة نقله الى مكان آخر، وانه كان يسمعهم يتحدثون عن أشخاص في البصرة وعن أوامر بتوجيه «الشحنة الى هناك لترحيلها»، كما قال الولد لأبيه.
وقد أخبره ان العصابة انطلقت به الى منزل قروي يجهل مكانه، حيث بقي أياماً عدة، وكانوا يجلبون له الطعام بشكل منتظم، ويحاولون كسب وده، كي لا يثير المتاعب اثناء وجوده هناك.
وبعد اقل من اسبوعين، قررت العصابة نقل محمد الى البصرة، بعدما اطمأنت إلى أن الطريق سالكة. فقررت ان تنقله في رحلة طويلة وقفت خلالها للاستراحة، قبل ان تنطلق السيارة مجدداً وتعثر عليه القوات الامنية مقيداً في الصندوق الخلفي للسيارة.
وذكر الطفل لوالده انه سمع صوت الجندي وهو يطلب من احدهم فتح الصندوق الخلفي، فحاول الأخير ممازحة الجندي علّه يعدل عن طلبه، لكن الأخير أصر على فتح الصندوق. وعندما بان الصغير، فر الخاطفون وأطلق عناصر الأمن النار نحوهم.
وطبقاً لما رواه محمد الذي يعيش مع والدته وشقيقه الاصغر في عمان منذ ستة اشهر، فإن العصابة هيأت الصندوق ليكون مكاناً مريحاً له، حيث وضعت فيه فراشاً صغيراً يتّسع لطفل، وغطّته جيداً للحمايه من البرد، علماً أن الاختطاف حصل في بداية فصل الشتاء.
اما الاب الذي سارع الى تصفية اعماله في العراق فسيغادر هو الآخر للحاق بعائلته في الأردن «لنتمكن من العيش بسلام»، كما يقول.
قصة محمد واحدة من قصص كثيرة لأطفال مخطوفين في العراق، يختفون من الشوارع بعد عودتهم من المدرسة، او اثناء خروجهم لشراء حاجات من المحال المجاورة، وتقضي عائلاتهم اسابيع طويلة بحثاً عنهم وقد لا تجدهم ابداً.
ودفعت عودة ظاهرة اختطاف الاطفال وبيعهم الى الواجهة في العراق، الكثير من العائلات الى اصطحاب اطفالهم الى المدارس ومنها. وتطلب عائلات اخرى من اولادهم ألاّ يتنقلوا بمفردهم، وتحضهم على العودة من المدرسة بصبحة مجموعة من الاصدقاء.
منذ اكثر من عامين نشطت ظاهرة بيع الاطفال المخطوفين الى عصابات خاصة تهرّبهم الى دول اخرى وتبيعهم هناك. وكان اشهرها حادثة تهريب اكثر من 60 طفلاً عراقياً من طريق المغرب الى اسبانيا قبل نحو عام، حين وجهت السفارة العراقية في اسبانيا كتاباً الى الحكومة العراقية طالبتها فيه بالتحرك سريعاً لايقاف هذه الظاهرة. وبالفعل، شكّلت، حينذاك، لجنة خاصة لمتابعة الموضوع، لكن عمل اللجنة توقف بعد شهرين من تشكيلها من دون التوصل الى نتيجة نهائية. اما التحرك الآخر للحكومة العراقية، في هذا الصدد، فيتمثل في اصدار قانون جديد للجوازات للحد من تهريب الاطفال المخطوفين يمنح بموجبه الطفل العراقي جوازاً مستقلاً عن والديه حتى لو لم يتجاوز عمره اليوم.
ويقول كريم حمزة، المتخصص في علم الاجتماع في جامعة بغداد والباحث في مجال مشاكل الطفولة واطفال الشوارع، إن الوضع الاقتصادي لبعض العائلات المشردة يدفعها في بعض الاحيان الى بيع اطفالهم، مذكّراً بقصة المرأة التي باعت اثنين من اطفالها واحتفظت بالأربعة الآخرين، وحين اكتشفت السلطات امرها، قالت إنها ارملة ولا تملك ما تعيل به اطفالها بعدما تخلى عنها الجميع فاضطرت الى بيع اثنين منهم لتعيل البقية.
ويرى حمزة ان ظاهرة بيع الاطفال تندرج ضمن مظاهر العبودية الجديدة وعودة الرق، اذ يستخدم غالبية الاطفال المباعين كيد عاملة رخيصة للعمل في المزارع والمصانع، حيث اشار تقرير الامم المتحدة الأخير الى وجود 250 الف طفل في قارة آسيا وحدها يعملون كرقيق.
دار الحياة