شباب الدستور - منال القطاونة
 لا شك ان آفة عمالة الأطفال لا زالت قضية مجتمع مقلقة ومتزايدة قد تبدأ بالتفكك الأسري والاجتماعي والدوافع الاقتصادية والفقر والجهل والبطالة والظروف المعيشية القاسية وكذلك الانحراف والجنوح والتسرب المدرسي يشكلان عوامل رئيسية لعمالة الأطفال.
 أن "آثار هذه الظاهرة ستكون أكثر وضوحاً بمرور الأيام والسنوات وستكشف لنا عن الوجه الآخر لها".

 عمل الأطفال ليس مجرد ظاهرة اجتماعية نراها ، وإنما هي كارثة حقيقية مؤسفة ، لما لها من انعكاسات وآثار سلبية سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو النفسي للطفل والمجتمع.  هناك مئات المئات من الأطفال تركوا مقاعد الدراسة وتوجهوا إلى مهن عديدة متحملين قسوة الحياة همومها ومن أجل لقمة العيش التي يخطئ من يظن بأنها سهلة المنال ليمارسوا الأعمال الشاقة بأجور ربما يكون أقل مما هو متوقع وضمن ظروف عمل قاسية بل ومتوحشة.

 من المحزن والمؤسف جداً أن ترى طفلا غضًا قد طغت ملامح الإجهاد على وجهه وانطبعت صورة الإحباط على قسماته ، ناهيك عن ما يحمله من مظاهر السخط والتمرد على مجتمعه وجماعته ، فتتساءل حينها: ما الذي دفع هذا المسكين الصغير إلى هذا الواقع المرير ، فعمل الأطفال يشكل بيئة خصبة للانحراف ، وإنشاء جيل عالة على المجتمع مما يؤدي إلى اختلالات في المجتمع وقيم الأسرة ، لا سيما أن وجود الطفل في ميدان العمل ليشارك في إعالة الأسرة التي تصارع الفقر تحرم الطفل الحق في التعليم والصحة والراحة واللعب مع العلم أن عمل الأطفال يزيد من "فقر الأسرة" لأنه يحرم من فرصة التعليم المناسبة التي قد تخلق له فرصة عمل أفضل في المستقبل.

فالفقر والحاجة والحرمان يدفعان الطفل إلى العمل للحصول على النقود التي ستحسن دخل الأسرة إذ أن العديد من الأسر تعتمد على مدخول أطفالها إما لأن الأب لا يستطيع العمل أو لأن مدخول الأسرة لا يكفي لسد حاجاتها.

 ولكن ارى ان الفقر ليس وحده هو الدافع وراء نزول الأطفال للشوارع وسوق العمل ، فالجهل أيضاً عامل هام جداً ، جهل الأسر بما يحتاجه الطفل من حقوق اجتماعية ونفسية خاصة فى سنوات طفولته الأولى التي تعد من أهم المراحل الحياتية بالنسبة اليه.

 عمل الأطفال دون السن القانونية يشكل انتهاكا وامتهانا صريحا لحقوق الطفل وفقدانا لأدنى حقوقه ، بالإضافة إلى استغلاله جسديا وماديا من قبل محترفين يستثمرون بؤسهم بصورة واضحة ، فالطفولة مرحلة هامة من مراحل نمو الإنسان ، وهي بحاجة ماسة إلى العناية والرعاية والتربية والتأديب وليس إلى الإهمال والشقاء فعمالة الأطفال بقدر سعة انتشارها وبقدر تنامي واتساع القلق العالمي من وجودها وتغلغلها في واقع مجتمعاتنا العربية ، حيث بلغت عمالة الأطفال في العالم العربي حوالي 13 مليون طفل.

 أجساد ناحلة ، وعيون هزمها الفقر ، وكسرتها الحاجة ، ولعل الأمر البارز في هذا الشأن هو أن هؤلاء الأطفال ظاهرون ونشاهدهم كل يوم وهم منهمكون في أعمال ميكانيك السيارات ، وبيع السلع في الشوارع وجمع النفايات ، وورش الحدادة والدهان ومواقع البناء والمهن الحرفية والصناعية.

 وما يعنيه وجود أطفال في هذه المواقع من خطر حقيقي على صحتهم وحياتهم ونفسياتهم خاصة أنهم في أعمار لا يزالون فيها بحاجة إلى الغذاء واللعب والتوجيه والعيش في أجواء أسرية آمنة لكي يتحقق نموهم بشكل سليم ضمن متابعة الأهل ولا نتركهم للعمل في أعمال ووظائف مرهقة خطرة ضارة بالصحة وفوق طاقتهم ومقدرتهم وفي ظل غياب أدنى مستلزمات السلامة المهنية كما يحدث في المصانع الكيمائية ضمن ساعات عمل طويلة وبأجور قليلة دون تأمينات اجتماعية للطفل العامل إلى جانب الظروف المحيطة ببيئة الأطفال تخالف أحكام الاتفاقيات الدولية.

 فالخلاص من هذه المشكلة واجب وطني انساني كبير يقع على عاتق المجتمع بأكمله وليس جهة واحدة بحد ذاتها ، من هنا يجب أن تنبع وظيفة الجهات المعنية في حشد الطاقات الوطنية والحكومية ووضع برنامج لمسح وطني شامل في المملكة لدراسة عدد الأطفال العاملين وحالاتهم ، وعمل حلقات عمل حول المشكلة مع متخصصين ، وإجراء الدراسة الإحصائية والاجتماعية والخروج بتوجيهات للمسؤولين ووضع استراتيجيات لسحب هؤلاء الأطفال من سوق العمل ، وتكثيف الزيارات التفتيشية من فرق وزارة العمل للمواقع والأماكن المحتملة لعمل الأطفال ، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحل هذه الآفة المستشرية والمقلقة ووضع تشريعات واستراتيجيات وقوانين لضبط عمالة الأطفال بدءا من وزارة التنمية الاجتماعية والمركز الوطني لحقوق الإنسان ووزارة التربية والتعليم في رصد حالات التسرب من المدارس وتجفيف منابعها.

 وختاماً ، الواجب يحتم علينا احتواء تلك الظاهرة والتي تمثل علامة فارقة لا تمّت الى الحياة والإنسانية بصلة. ويجب أن تتوحد جميع الجهود ضمن كادر واحد يضمن عدم تشتت الجهد وبشكل يلبي الطموح في سرعة معالجة هذه الظاهرة ولا ننسى أن الانحراف والجرائم والجنايات والانتحار ترتكب من قبل أطفال جانحين متسربين من المدارس وهم يشكلون خطورة على المجتمع. ولا بد من الإسراع لوضع إستراتيجية وطنية تمثل إرادة وطنية لاستئصال هذه الظاهرة وتوفر إرادة حقيقية لتحويل كل الخطط والطموحات إلى أفعال.

 إن على المنظمات والمؤسسات غير الحكومية القيام بدور رديف لا يقل أهمية عن دور المؤسسات الحكومية المعنية بتطبيق القوانين التي تحد من عمل الأطفال ، من خلال دورها التوعوي والتثقيفي على مستوى المجتمعات المحلية حول الآثار السلبية لعمل الأطفال ليس فقط على الأطفال وأسرهم ، وإنما على المجتمع ككل.

حمى الله أطفالنا من شبح الفقر والحاجة.

 

JoomShaper