هل تكسبه الأم بعطفها وحنانها ولطفها ورقتها، هل تكسبه بحكم الوقت الذي تقضيه مع أطفالها طوال اليوم، فتتغلب بهذه الميزة النسبية على الأب الذي يغيب معظم الوقت ولانشغاله بعمله. ورغم أن المرأة أحياناً تعمل إلا أنها تقضي معظم وقتها في بيتها بجوار أطفالها لتعويضهم، مما يجعلها أكثر قرباً من الطفل، فتستحوذ على قلوبهم وتكسبهم أكثر من أبيهم، هل تستغل الأم هذه الفرصة لتكرّس لطفها لأولادها فيكونون أكثر ولاء لها من أبيهم، وهل حديثها لهم اليومي وقيامها بخدمتهم والعناية بهم سبباً وجيهاً للقرب من الأطفال؟ أم يكسب قلب الأطفال الأب، فبحكم أنه منفق على أولاده -مع أنه في زماننا الحاضر الأمهات هن المنفقات أيضا- وبحكم أنه رجل يملك الميزة النسبية في مجتمع شرقي، فهو يعرف كيف يستغل هذه السلطة لصالحه فيكسب قلب أطفاله ويسخر هذه الميزة له، أم لأنه لا يختلط بهم كثيراً، وهذا يعني أنه لا يرتكب مزيداً من الأخطاء فلا يغضب منه الأطفال، بل لا يرون منه إلا الوجه الحسن فيستغل هذه النقطة ليكرس تلك المحبة، ويترك الصراع لغيره! وهل الرجل يستطيع أن يخلق صورة إيجابية لمحدودية الوقت الذي يمضيه معهم؟
الحقيقة -وفي رأيي- أن المسألة ليست مرتبطة في جنس المستحوذ على قلب الطفل، فليس لأنه ذكر وليس لأنها أنثى، وليس أيضاً وضعه أباً أو أما، فالأنثى وإن كانت لطيفة بطبعها لربما جانبها اللطف مع أطفالها، ولربما أساءت استخدام هذا اللطف في الطرف الآخر فصارت ضعفاً، وأيضاً الأم ليس لأنها أم تستحوذ على قلب الطفل، فهذا ليس مبرراً كافياً ليكون سبباً لاستحواذها على قلب أطفالها وفي نفس الخط، فالرجولة وحدها لا تخلق سبباً للاستحواذ على قلب الطفل وأيضاً ليس كل الآباء لمجرد أنهم آباء يأخذون عقول وقلوب أطفالهم.
إن الحقيقة الأساسية لكسب قلب الطفل هي فهمه والتعامل معه بحكمة متناهية، وإن كانت الظروف الأخرى تؤثر، إلا أن الوالد -سواء أما أو أبا- في كل الحالات له يد طولى في حقيقة جذب طفله إليه: احترامه وتقديره، حسن معاملته، العدل فيما بينه وبين إخوانه، التوازن في حقوقه وواجباته، الاهتمام بتعليمه وأخلاقياته، كل هذه الأشياء تخلق طفلاً محباً لوالديه بغض النظر عن جنس الأب أو الأم، وإن كان شائعاً أن الأبناء يحنون لأمهاتهم أكثر من آبائهم، والبنات تقترب من الآباء أكثر من الأبناء، إلا أن هذه القاعدة أو الكلمة الشائعة تتضاءل أمام الأب أو الأم الذي يسعى لتربية أبنائه تربية حسنة متوازنة ومتعادلة.
ونادراً ما يشغل الأب العاقل أو الأم العاقلة بالهما بأن الأب لكونه أبا يميل الأولاد إليه، أو أن الأم لكونها أما فإن الأطفال يميلون إليها بلا مجهود، بل خلف كل طفل يحب أمه أو أباه أو كلاهما جهد كبير بذله أحدهما أو كلاهما من أجل الابن الهدف وهو الطفل!