عبد الله الشعيبي
أي مشروع نجاح على مستوى التنمية البشرية في مختلف المجالات ، يبدأ بشكل أساسيّ من منظومة الإعداد الجيّد للطفل، إذ إن الكيفيّة التي من خلالها يتمّ إعداده بتوازن يتناسب مع طبيعة المرحلة التي سيكونها وهو في سنّ العمل ، أي بعد ما يقرب من الـ 15 عاما تقريبا ، سيكون مردودها إيجابيّا على معدّلات الإنتاج الوظيفي ، سواء أكان الأداء في القطاع الحكوميّ أو الخاصّ.
إعداد الطفل لا يتأتّى من خلال وضع البرامج ذات الحسّ التوعويّ فقط ، وبخاصّة إذا كان الطفل ينتمي إلى أسرة ذات وضع ماليّ غير مستقرّ ، أي متذبذب وليس له حفاظ على مستوى ثابت في تفاصيل الحياة الاجتماعيّة التي تدعم الاستقرار في الهيكليّة الأسريّة ، وهي أساسيّة لتنشئة الطفل بصورة متوازنة بين ما يحتاجه من تفاصيل حياة من ناحية ، وما يدفعه إلى تأصيل قيم الاستقلاليّة الذاتية في التحصيل الحياتيّ والمعرفيّ والدراسيّ من ناحية أخرى .
إذا جاز فعل ذلك فإن أولى المؤشّرات التي ينبغي التعامل معها هي مؤشّرات الدخل الأسريّ ، فلكل أسرة دخل ماليّ في كل شهر ، يزيد وينقص ، وليس ثابتا ، اللهم إلا الأسر ذات الاستقرار المالي سلفا، أو أسر الضمان الاجتماعي، التي تتكيّف وفقا لمنظور ذلك الراتب، ونضيف إليها الأسر التي تحصل على راتب تقاعديّ للمعيل أو ورثته ، عدا عن ذلك فإن المؤشّر ليس مستقرّا .
مسألة أخرى مهمّة أيضا ، وهي أفراد الأسرة الواحدة ، ففي الوقت الذي يتمّ فيه إعداد الطفل في مؤسسات التعليم بشكل جيّد من خلال اتفاقات بين جهات معنيّة بتحقيق المعادلة النموذجية لحقوق الطفل ، فإن الكيفية العدليّة داخل المنزل الواحد ، أي في الأسرة الواحدة ، من الضروري أن تكون لـ (الرعاية الوالديّة) محفّز غير المحفّز الاجتماعي الشفوي الذي يصبّ في دائرة التثقيف الفرديّ للمعيل ، وهي مرتبطة بالدخل أيضا ، إذ لا يمكن أن ينجح برنامج الإعداد للطفل ، وبخاصة طفل الأطراف في الولايات البعيدة عن المركز ، لا يمكن أن تكون النتائج مثمّنة ومتوافقة مع الطموح الذي يرسمه برنامج الإعداد التراكميّ لـ الطفل ، فظهوره في بيئة لديها عناصر محبّطة على مستوى التوظيف على سبيل المثال ، سيكون له تأثير سلبي في خوف الطفل ذاته من المستقبل ، بخاصّة إذا نما الوعي بأن الجهات التي تقوم بالتعاطي مع التوظيف واحدة ، بحكم منهجيّة ومركزيّة منظومة العمل والتوظيف في البلد ، وهذه كلها عوامل يمكنها أن تساعد على خلخلة الفعل المُراد الوصول إليه وتحقيقه من واقع مستقبل الإنتاج في سوق العمل المحلّيّ .
النافذة المهمّة هنا هي الكيفية التي يمكن أن يكون الطفل جزءا فاعلا ومشاركا في الكيفية التي تؤهّل الأسرة لكي تساعده في إنماء خياراته المستقبليّة ، الخيارات التي يمكن أن يصطدم بها ، عندما يجدها مختلفة أو مغايرة عن الخيارات التي تطرحها الأسرة ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر : القراءة الحرة عندما تتعارض مع طبيعة المهمات الاجتماعية للأطفال القادرين على مشاركة أهليهم في تفاصيل الحياة اليومية ، كما يحصل في البيئات الزراعية مثلا ، فالأطفال هناك جزء من العمليّة الإنتاجية ، وهذا يمكن أن يكون له دور في تأخير الإعداد المطلوب بشكل منظّم وفقا للخطة الموضوعة ، كما هي لدى وزارة التنمية الاجتماعية .
الطفل مشروع جدُّ مُجدٍ إذا تمّ النظر إليه بعين الاعتبار من الزاوية الاستثمارية المستقبليّة ، لأن العدد الذي ستصل إليه كمّيّة شريحة الأطفال التي وصلت إلى مرحلة الدبلوم العام ، وبالتالي ستدخل إلى منظومة الدراسة الجامعيّة الأكاديمية ، أو بحسب ميولها ستذهب إلى البعثات الخارجيّة أو الكليات أو المعاهد ، ستكون ذات مردود على الميزانية العامّة للدولة ، وهي توجّه استشرافيّ ، إن نجح البرنامج في إحداث تراكم إيجابيّ ، فإن معدلات الإنتاج في مختلف المجالات سوف تكون ذات فاعلية استثنائية على المدى الطويل .
الطفل أوّلاً
- التفاصيل