أصبحت سلوكيّات الطفل أشبه بتلفزيون الواقع الذي لا يخلو من المشاكل والمشاغبات، ما يجعل حياة الأهل صعبة ومريرة. ما الطريقة المناسبة للتعامل مع الطفل المشاغب؟ التشدّد أم التفهّم أم التساهل؟ تتعلّق طريقة التنشئة في هذا الإطار بشخصية الأب والأم اللذين قد يخشيان ممارسة سلطتهما على الطفل. لكن عليهما إدراك أنّ رفض مطالبه ونزواته جزءٌ من التربية السليمة.
لا ينبغي أن ننسى أهمية وجود الوالدين في حياة الطفل. حين يتطلّب الوضع اتّخاذ قرار صارم ورفض نزوات الطفل المدلّل، لا بدّ من أن يوحّد الوالدان موقفهما كي يفرضا سلطتهما بقوّة عليه. أما في حال غياب أحد الوالدين بداعي الوفاة أو الطلاق، فعلى الشخص المسؤول عن تربية الطفل أن يسيطر على الوضع بنفسه، وتحديداً في مرحلة الطفولة المبكرة. لكن تكمن المشكلة في مسألة التناغم بين مختلف مدارس تربية الأطفال، إذ تتعدد النظريات في هذا المجال. بالتالي، تقضي الخطوة الأولى باتفاق الأهل على طريقة التربية المناسبة وإدراك أهمية قول «لا» في وجه الطفل المتمرّد!
مواجهة الرفض
تساهم كلمة «لا» التي يسمعها الطفل في مواقف معيّنة في بناء شخصيّته. يدرك الجميع تقريباً أنّ معارضة نزوات الطفل حين يكون في سن الثالثة تسمح لهذا الأخير بإثبات شخصيّته تجاه أهله. وبغضّ النظر عن نوع الشخصية التي تتكوّن، تبقى هذه المرحلة مهمّة نفسياً بالنسبة إلى الطفل. تشكّل كلمة «لا» إذاً جزءاً من بناء الشخصية منذ سنّ مبكرة. لكن نلاحظ غالباً، أنّ الأهل يجدون صعوبة في تلفّظ هذه الكلمة الصغيرة خوفاً من جرح مشاعر الطفل أو إثارة استيائه أو نشوء صراع بين الطرفين... إنها مشكلة كبيرة بالنسبة إلى الأهالي الذين يندمون لاحقاً على عدم إقدامهم على التعبير عما يشعرون به أو التصرّف على سجيّتهم، ما قد يؤدي إلى نشوء سوء تفاهم حادّ.
تغلّب على الخوف
في الأحوال كافة، حتى لو كنت من النوع الذي يخشى رفض مطالب الشخص الآخر، فعلى الأقل تغلّب على ذلك الخوف في التعامل مع طفلك. إنه أمر جوهريّ لضمان حُسن تربيته وانخراطه في المجتمع وبناء شخصيّته الفردية الخاصة. لا نفع من إنكار المشكلة وادعاء أن أسرتك لن تواجه الصراعات مطلقاً، فالصراع هو جزء لا يتجزّأ من الحياة ولا بدّ من التعامل معه بالشكل السليم. قد يذهب الطفل إلى حدّ إثارة المشاكل بنفسه كي يُثبت شخصيّته، وهذا الأمر لا يدعو الى القلق أبداً.
لكن يجب التنبّه إلى عدم التطرّف في المواقف، سواء من ناحية التشدّد أو التساهل مع الطفل. فقد ظهرت نظريات غير مقنعة اعتبرت أنّ منع الطفل عن بعض الأمور يسيء إليه وأنّ أفضل ما يجب فعله هو الحرص على عدم التعرّض لمشاعره. سرعان ما تبيّن أنّ الأطفال الذين يربّون بهذه الطريقة يُضطرون في مرحلة متقدّمة من حياتهم إلى التعامل مع الممنوعات المستجدّة في حياتهم الاجتماعية، فيكون الأمر أصعب بالنسبة إليهم. في المقابل، لا يجب المبالغة في التشدّد مع الطفل من خلال رفض كلّ ما يطلبه (العلم، المعرفة، النزهات...)، علماً أنّ الرفض يطاول الفتيات أكثر من الفتيان في هذا المجال.
كلمة يصعب قولها
لا بدّ من الرجوع إلى نمط التربية الطبيعي والمتوازن المبنيّ على تلقين الطفل القيم الصحيحة. لكن من الملاحظ أنّ الأهل أصبحوا يواجهون صعوبة أكبر في قول كلمة «لا» لأطفالهم. لكن يشدّد أطباء النفس على ضرورة رسم الحدود لأنّ الطفل يستكشف تدريجاً معالم محيطه من دون أن يضع حدوداً لنفسه لأنه يشعر بأنّ العالم مُلكٌ له. من واجب الأهل إذاً أن يحدّدوا له ما هو مسموح وما هو ممنوع. من السهل تحذير الطفل من لمس الأسلاك الكهربائية مثلاً لأنها مسألة تتعلّق بسلامته. حين يكبر الطفل أكثر، يجب رسم الحدود له في ما يخصّ مسائل عدّة كالغذاء وموعد النوم، فضلاً عن اللعب والواجبات المنزلية.
يرتكز بناء الشخصية عادةً، على اتّباع اندفاعات ورغبات داخلية يسعى الطفل إلى تحقيقها من دون التساؤل عن العواقب. يدرك الراشدون عدم إمكان تلبية جميع رغباتهم، وهذا أمر لا يطرح لهم أي مشكلة لأنهم قد تعلّموا منذ الطفولة أنّ هذا الأمر جزءٌ من واقع الحياة. سيشعر الطفل الذي لا يعرف معنى الخيبة بالتعاسة، إذ سرعان ما سيضطرّ إلى مواجهة الواقع الصعب. ومن المعروف أنّ التعلّم في الصِّغر يكون أسهل بكثير.
على صعيدٍ آخر، لا يجد الطفل أي مشكلة في إطاعة الأوامر. يتّضح ذلك حين يرغب في إرضاء أهله، فيطيعهم لإظهار مدى لطفه وفهمه النظام التربوي الصحيح.
أهمية فرض السلطة
لا تزال سلطة الأهل عاملاً أساسياً في تربية الأطفال. وهي، إذا مورست بالشكل الصحيح، تدلّ على الحب والاحترام تجاه أفراد الأسرة والمحيط عموماً. يحتلّ هذا المحيط أهميّة كبرى كونه يحمي الطفل الذي يضع كامل ثقته في الراشدين الذين يعرفون أكثر منه ما يفيده وما يضرّه.
في المقابل، قد تتّخذ السلطة أحياناً بُعداً سلبيّاً، لأنّ الأهل يجدون صعوبة في ممارستها بشكل واضح أو يحمّلون الطفل الذنب عن غير قصد. لذا يجب تجنّب استعمال عبارات مثل «إفعل ذلك إرضاءً لي»، ما يعني أنّ الطفل غير ملزَم بفعل ما طُلب منه إذا لم يشأ إرضاء أهله؛ أو عبارة «إفعل ذلك وإلا ستندم»، ففي هذه الحالة لا ينفع التهديد إلا على المدى القصير، ويطيع الطفل الأوامر من باب الخوف لا أكثر.
العقوبة... حلّ أم مشكلة؟
إذا لم ينفع الرفض، لا بدّ من اللجوء إلى فرض عقوبة حين لا تكون سلطة الأهل كافية ويرفض الطفل الحدود المفروضة عليه. في الحالة المثالية، من الأفضل عدم اللجوء إلى العقوبة، لكن من غير الطبيعي ألا يواجه الأهل أي مشكلة تستلزم معاقبة طفلهم. نادراً ما يكتفي الطفل بإطاعة الأوامر ببساطة، وبالتالي لا مفرّ من العقوبة أحياناً. يجب أن يشعر الطفل بأنّ الممنوع ليس مجرّد كلام عابر، بل أمر واقعي وملموس. يميل بعض الأطفال إلى لوم نفسه على خطأ معيّن، لذا تأتي العقوبة لتكون بمثابة اعتراف بالخطأ، ما يسمح له بتخطّي المشكلة.
لا يحبّ الأهل معاقبة أولادهم، ويتجنّبون غالباً هذه الطريقة لأنهم يفّضلون طبعاً رؤية طفلهم مبتسماً لا متجهّماً. لكن يجب أن يدركوا أنّه لا يحبّ رؤيتهم غاضبين منه، لأنه يخشى بدوره تخييب أملهم.
لا شكّ في أنّ العقوبة يجب أن تناسب سنّ الطفل وأن تكون منطقية كمنعه من القيام بنشاطات ترفيهيّة يحبّها. إحدى أكثر العقوبات شيوعاً راهناً: حرمان الطفل من مشاهدة التلفزيون أو ألعاب الفيديو. بإمكان الوالدين التداول في طبيعة العقوبة التي يجب فرضها واتخاذ القرار المناسب معاً.
طريق مسدود...
إذا عجز الأهل عن التعامل مع طفلهم، يمكنهم اللجوء إلى اختصاصيين في مجال تربية الأطفال. لا يؤدي هؤلاء دور الأهل، بل يحلّلون بطريقة موضوعية أصل المشكلة القائمة ويساعدونهم على حلّها.
في نهاية المطاف، يصعب حلّ جميع المشاكل على أكمل وجه. لذا على الأهل أن يتعلّموا كيفية السيطرة على الوضع بأفضل طريقة ممكنة، وأن يتذكّروا سلوكياتهم في السن نفسها!
نزوات الطفل... كيف تسيطران عليها؟
- التفاصيل