بسمة عُزبي فريحات
يُعتقد أن دور الأم أكثر أهميّة في حياة الطفل من دور الأب، بينما الواقع يؤكد أن دور الأب يحمل الأهميّة عينها، إذ أن أصول التنشئة السليمة تقتضى وجود الأب والأم أثناء تطوّر الطفل ونموّه، ويتّضح هذا الدور عند غياب الأب حيث يصبح الطفل خارجاً عن السيطرة.
تقع تربية الطفل على مسؤولية الأب والأم معاً، ولا يغنى أحدهما عن الآخر، وإذا تخلّى أحد هذين الطرفين عن مسؤوليته، فإن ميزان المنظومة التربوية سيختلّ بالتأكيد.
وبالنسبة للأب على وجه الخصوص، فإن وجوده له عظيم الأثر في حياة الطفل، علماً أنه لا يقصد بكلمة وجوده أن يراه الطفل فقط بدون أن يكون له أي دور فعّال في تنشئة وتقويم الطفل، ومعاقبته إذا لزم الأمر بالوسائل المشروعة تربويا. ومعلوم أن حنان الأب يجنّب الطفل الشعور بالقلق والخوف، ويزيد من إحساسه بالثقة بالنفس وتقدير الذات ويحدّ من شعوره بالعدائية، ومن خلال التوجيه الأبوي القائم على النصح والإرشاد وتقويم الأخطاء يتكوّن الضمير والمثال الأعلى للطفل.
أما إذا تعرّض الطفل لغياب الأب بشكل دائم، فقد يحدث له إعاقة في النمو الفكري والعقلي والجسمي، خصوصاً إذا كان هذا الحرمان من الأبوة في السنّ التي تتراوح ما بين الثانية والسادسة، وذلك لأن تطور الطفل بشكل سوي وطبيعي يتطلب وجود الأب، فهو الحامي والراعي والمسئول عن توفير الاحتياجات الضرورية للطفل في هذه المرحلة الهامة من حياته.
وللأب دور في تعميق شعور الطفل بجنسه ، إذ يعتمد الطفل على والديه اعتماداً وثيقاً في إدراك الدور الذكري والأنثوي والذي لا يتم سوى من خلال وجود كل من الأب والأم داخل الأسرة.
لذا، يصعب على الطفل رؤية الحياة وفقاً لجنسه في حال غياب الأب، إذ نجد الطفل المحروم من الأب أكثر حساسية في مشاعره، ويتخلّل تصرفاته نوع من التردد والالتباس في تحديد دوره الجنسي.
فالأب يلعب دوراً كبيراً في تشكيل ملامح السلوكيات التي تتناسب مع جنس الطفل، فالطفل الذكر يستمد صفات الذكورة من الأب في ملبسه وطريقة كلامه ومعاملته للآخرين.
ويساهم الأب في تعميق شعور الفتاة بدورها الأنثوي عن طريق معاملته المختلفة لابنته عن إخوتها الذكور وتذكيرها بما يجب وما لا يجب أن تفعله كأنثى، مما يرسخ شعور الأنثى لديها ويدعم تقبلها لذاتها.
ويساعد هذا الأمر على تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي، وهو كفيل بتعليمها ما يجب أن يكون عليه سلوكها مع زوج المستقبل.
وفي حالة غياب الأب بسبب الانفصال عن الأم، وهو ما يحدث شرخاً عميقاً في نفسية الطفل يصعب تفادي سلبياته مدى الحياة، يشعر الطفل أنه فقد أباه الذي يحبه بدون أي ذنب اقترفه، مما يسبب سخطه على الحياة وعلى والده نفسه الذي تخلى عنه، خصوصاً مع زواج الأب مرة أخرى وإنجابه أبناءً يعيشون في كنفه، فتشعل نار الغيرة في قلبه الصغير.
لذا، نجد أن الطفل الذي فقد والده بالطلاق أكثر عدائية وانفعالاً وغضباً، بالمقابل، يحمل الطفل الذي يفقد أباه بسبب الموت حزناً وانكسارا لا يمكن إخفاؤهما، ويميل إلى العزلة ويشعر بالنقص دائماً.
وينصح الاختصاصيون الأم عندما تضطر إلى تحمل مسؤولية تربية الطفل وحدها بدون الأب، أياً كانت الأسباب، بتعويض الطفل قدر الإمكان بشخص آخر كبديل عن الأب.
ويمكن أن يكون هذا الشخص الجد أو الخال أو أحد الأقارب الذي يرتاح إليه الطفل، على أن تحرص على تواجده بقرب الطفل بشكل دائم، مع إدراك هذا الشخص للمسؤولية الملقاة على عاتقه، بحيث يبتعد عن التدليل المفرط للطفل لتعويضه الحرمان الذي تعرض له، وأن تتسم معاملته له بالحب الممزوج بالحزم، حتى يكون صورة القدوة المطلوبة ليتجاوز الطفل هذه الأزمة بسلام.
نرى مما سبق أن حنان الأب يجنّب الطفل الشعور بالقلق والخوف، وأن دور الأب يحمل الأهمية عينها التي تحملها الأم.

JoomShaper