|إشراف فرحان الفحيمان|
كتبت بشاير عبدالله
قد لا تكون الظاهرة جديدة كليا غير انها جديرة بالاهتمام والتفاعل.
التحرش الجنسي لدى الأطفال موضوع تحت المعاينة. قد يستخف البعض به، وقد يأخذه آخرون على غير محمل الجد، لكن استشاريا في العلاج النفسي يؤكد ان الظاهرة آخذة في النمو... فليقرع الجرس.
«أبلة ريلج حلوة» عبارة ساقها طفل في إحدى رياض الأطفال، ويده تتلمس ساق معلمته صعودا، عبارة جديرة بالدراسة. ومشاهدة ام لابنها الصغير محاولا التحرش بشقيقته الأصغر أمر لا بد من الوقوف عنده. وضبط معلمة لصغيرين في إحدى الغرف أحدهما يطلب من الآخر أن يلمس جسده بطريقة جنسية موضوع قابل للنقاش والخوض فيه.
غير ان المهم في الموضوع أيضا هو تبرير ولي أمر الطفل المعجب بساق معلمته بأن ما قام به ابنه أمر عادي، جواب غير عادي يشرع النافذة على غير سؤال برسم الإجابة. تقول «أمل» المدرسة في إحدى الرياض «كنت أجلس في غرفة المدرسات في الروضة التي أعمل بها، أحاول الاستمتاع باستراحة قصيرة وهادئة قبل أن تبدأ ساعات الدوام المدرسي من جديد. وفي هذه الأثناء وبينما أنا مستلقية على أحد المقاعد المنبسطة ومغمضة عيني، أحسست بيد تلمس قدمي بطريقة حسية بحتة،وتمر على ساقي. أصبت بالذعر للحظة واستعرضت في ذهني كافة الاحتمالات الممكنة لهوية الشخص الذي انتهك حرمة جسدي بهذه الصورة المفاجئة والمخيفة، وبحركة سريعة نفضت اليد عن قدمي وشخصت ببصري باتجاه صاحبها وهنا كانت الصدمة... المنتهك لحرمة جسدي هو أحد الأطفال (عيالي) في الصف الذي أشرف عليه».
تتابع «سريعاً جلست باعتدال وطلبت منه أن يجلس بجواري وبدأت أحدثه... أحمد ليش سويت جذي؟» فأجاب... أبلة ريلج حلوة»!
واستطردت «أصبت بالفزع وأمضيت أسابيع في البحث عن أسباب محتملة لسلوك هذا الطفل. وأخيراً وبعد عناء شديد تمكنت من مقابلة الوالد الذي كان دائم التحجج بانشغاله. جلست أتحدث إليه بنبرة جادة وعقل قلق باحث عن العلاج وتوقعت أن تتلاقى أفكاري وقلقي مع نظير لها عند الوالد، ولكن جاءتني الصدمة الثانية وهي ردة فعل الوالد الذي قابل الأمر بهدوء وباستهزاء وقال (عادي الولد قاعد يلعب وأنت المفروض ما تخذين الموضوع بجدية، يعني هالياهل شنو راح يسوي؟)».
أضافت «تساءلت حينها متابعة عن نوع البيئة التي يعيش فيها الطفل والتي لا يرى الوالد فيها مشكلة في ما حدث. وبعد بحث وأسئلة كثيرة عرفت من الطفل أن الوالد اعتاد منذ فترة على جعله يشاركه مشاهدة الأفلام ذات المحتوى الجنسي الصريح، ويبرر الوالد ذلك بأنه يريد لولده أن يكون رجلاً بملامح ذكورة قوية وألا يكون خجولا»!
«نورة» أم لطفل في الثامنة تقول «ولدي (عمر) لديه شخصية هادئة وبعيدة عن الشغب الطفولي الذي يميز الأطفال في عمره، فهو خجول إلى أبعد الحدود خاصة عندما يتعامل مع غير أفراد أسرته. ولا يستطيع التعامل مع الأطفال (المتنمرين) في مدرسته الذين يكبرونه سنا ويفوقونه في القوة البدنية».
أضافت «منذ أسبوع تقريباً بدأت ألاحظ بعض التصرفات غير الطبيعية يقوم بها مع شقيقته الأصغر سنا منه، وسلوكيات جسدية تتسم بالعنف والسيطرة. وفي أحد الأيام وقعت عيني عليه محاولاً احتجازها في زاوية من البيت فأصابني الفزع وبقيت طوال الليل استجوبه لأتمكن من معرفة الطريقة التي التقط بها هذه الأفعال التي لا تتناسب نهائياً مع مرحلته العمرية. وعرفت من خلال حديثي معه أن أحد الأطفال في المدرسة يقوم بهذه السلوكيات معه، وأن ابني يقوم بها مع شقيقته كنوع من التقليد للصبي (المتنمر) الذي يفرض قوته الجسدية على زملائه».
تضيف نورة «لم أتمكن من النوم ليلتها، ومع حلول الصباح ذهبت مسرعة لمقابلة مديرة المدرسة وشرح الأمر لها فاستجابت فوراً لطلبي باستدعاء ولي أمر الطالب ومناقشته في سلوك الابن.
حضرت والدة الطفل، والمدهش أنها لم تعتذر عن سلوك ابنها واستمرت في إنكار احتمال وقوع تلك التصرفات منه، وقالت إن ولدها يتصف بقوة الشخصية ويحب اللعب العنيف فقط لا غير. ودللت على ذلك بكونه يفضل الألعاب الالكترونية والأفلام العنيفة، وانها اعتادت أن تشتريها له بنفسها دون أن تطلع بدقة على محتواها».
واختتمت نورة حديثها بقولها إنها «عندما رأت المستوى المتدني لوعي والدة الطفل وسوء تعاملها مع سلوكيات ابنها علمت أن لا فائدة ترجى من الاستمرار في مناقشتها، وفضلت نقل ابنها إلى مدرسة أخرى لتبتعد به عن تلك التجربة السيئة بأكملها».
أما فاطمة المعلمة الأخرى في إحدى رياض الأطفال فتحكي واقعة شاهدتها وتقول «في يوم من الأيام افتقدت وجود طفلين من الفصل الذي أشرف عليه وبعد بحث وجدت أحد الطفلين الذي يتصف سلوكه بالعنف يحتجز آخر في زاوية من إحدى الغرف ويطلب منه أن يلمس جسده. هنا أصبت بالفزع، ودون أن أشعر صرخت فيهما في غضب فابتعدا عن بعضهما، ثم اصطحبتهما إلى غرفة المدرسات وجلست أتحدث إليهما، فوجدت أن الطفل المعتدى عليه لم يفهم ما يجري نهائياً وكان ينفذ ما طلبه منه الطفل المعتدي. لذلك طلبت الانفراد به وتركت الآخر يذهب إلى الفصل وقد قررت أن أؤجل حديثي معه لحين انتهائي من التحدث مع المعتدي».
تضيف «الغريب في الأمر أن الطفل الذي طلب ملامسته جنسياً تصرف بلا مبالاة تجاه الموضوع ولم يشعر بأي خوف يذكر حتى إنه تعامل مع أسئلتي ببساطة وكانت إجاباته تدور حول كلمة (عادي) مع أنني تعاملت معه بحزم وأوضحت موقفي الغاضب، وكنت صارمة معه إلى أبعد الحدود، ما جعلني أشعر بجدية الموقف فطلبت مقابلة والديه».
تتابع فاطمة «بعد جلسة مطولة مع والديه ومعه تمكنا من معرفة سبب هذه السلوكيات وهو أن الطفل كان يتعرض لطلبات الملامسة هذه من أحد أقربائه الأكبر منه سنا دون علم من أحد فأراد أن يجرب السلوك ذاته مع طفل آخر في الروضة وكان ما كان».

رأي استشاري نفسي: مشكلة واضحة وآخذة في النمو

يقول استشاري العلاج النفسي الدكتور محمود عيد «إن ممارسة الأطفال لسلوكيات ذات طبيعة جنسية مشكلة واضحة وآخذة في النمو في حياتنا اليوم، وإنه لمس تمدد هذه المشكلة من خلال عمله».
ويضيف قائلاً «إن الممارسات ذات الطبيعة الجنسية التي يمكن أن يقوم بها الطفل تختلف بحسب مرحلته العمرية. ففي الخمس سنوات الأولى من عمره قد تصدر منه ممارسات استكشافية، بمعنى أنه يسعى إلى معرفة بعض الأمور مثل طبيعة الأعضاء الجنسية لدى غيره من الأطفال أو الكبار، أو التعامل مع هذه الأعضاء بشكل أو بآخر مثل رؤيتها وتفحصها. وفي المرحلة الأكبر عمراً في سن السادسة إلى الثامنة فإن السلوك الجنسي قد يظهر في نمط لعب الأطفال، بمعنى أن يكون السلوك الجنسي متضمناً في داخل الألعاب التي يمارسها الأطفال أحياناً بشكل فردي وأحياناً أخرى بشكل جماعي. والهدف من إدخال عنصر الجنس في الألعاب هنا هو اختبار الملامسات والأحاسيس ذات الطبيعة الجنسية من خلال وضعها في سياق طبيعي في هذه المرحلة مثل سياق اللعب».
ويتابع الدكتور عيد حديثه قائلاً «أما المرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل حضور الملامح الجنسية في حياة الطفل فهي المرحلة التي تبدأ من عمر الثامنة أو التاسعة فما فوق، وهنا تتداخل مسألة اللعب والاختبار مع نمو الحواس والوظائف الجنسية لدى الطفل. وتبدو هذه المراحل أكثر وضوحاً عند الذكور منها عند الإناث، ذلك لأن نمط ( التنبيه الحسي ) أو استقبال المؤثرات الجنسية لدى الذكر يختلف عنه لدى الأنثى. فالذكر لديه نمط تنبيه خارجي، بمعنى أنه يتفاعل مع الشكل والملمس وتحدث عنده الإثارة، بعكس الأنثى التي تمتلك نمط تنبيه داخلي تحتاج معه إلى فترة أطول ومؤثرات أقوى لتتفاعل مع أي مؤثر جنسي»، وهذه المراحل هي أجزاء موجودة وتعتبر في حدودها الدنيا طبيعية في حياة الطفل، ولكن تبدأ المشكلة عندما يركز الطفل على السلوك الجنسي ويفكر به ويمارسه بشكل متعمد على غيره. هنا توجد مشكلة واضحة».
ويوضح الدكتور عيد ان «كثيرا من الحالات التي يقوم فيها أطفال بالتعدي والتحرش على أطفال آخرين في المدارس أو غيرها تكون ناتجة عن تعرضهم لحالات من الإساءة في المنزل، سواء بتعرضهم لانتهاكات جسدية وجنسية من قبل أشخاص في محيطهم، أو بتعريضهم لمؤثرات غير صحية مثل مشاهدة الأفلام ذات المحتوى الجنسي، أو الألعاب التي تتضمن مشاهد وممارسات جنسية ضمن تفاصيلها».
ويشير كذلك إلى «أسباب أخرى محتملة لظهور سلوكيات جنسية لدى الأطفال مثل حالة ما اسماه بـ (الحرمان الاجتماعي) وهو ظاهرة موجودة في المجتمعات المحافظة بشدة وتمنع هذه الحالة التفاعل التلقائي بين الجنسين في إطار سليم اجتماعياً. وحالة التفاعل هذه ضرورية جداً في كافة مراحل نمو الإنسان ومنذ الطفولة المبكرة. فإن نشأ الطفل في بيئة اجتماعية تبعده عن التفاعل مع الآخر سواء من باب الانغلاق الاجتماعي أو الحماية الزائدة، فإن ذلك يمكن أن يشكل ضغطاً عليه يجعله يبحث عن سلوك لتسكين ضغطه مثل الممارسات ذات الطبيعة الجنسية. والحل هنا وبحسب الرأي العلاجي أن يتعرض الطفل منذ مرحلة مبكرة إلى خبرة الاختلاط والاندماج اجتماعياً وحياتياً مع أشخاص من أعمار مختلفة ومن الجنسين حرصاً على مستواه النفسي والاجتماعي».
وفي ما يتعلق بحاجتنا إلى عملية «تثقيف جنسي» أو إيصال معلومات وحقائق جنسية معينة إلى الأطفال والناشئين يقول الدكتور عيد إن «هذا أمر أساسي في كل مراحل العملية التربوية والتعليمية، سواء في المدرسة أو في المنزل، حيث الأسرة وهي الحاضنة الأولى للطفل. فمن الخطأ أن يتم زجر الطفل إذا طرح سؤالاً متعلقاً بالنواحي الجنسية، سواء ما يتعلق بالأعضاء الجنسية أو بعملية التكاثر مثلاً».
ويضيف قائلاً «في المرحلة ما قبل سن الـ11 تقريباً يتم إيصال معلومات محددة بسيطة في إطار علمي وتربوي إلى الطفل، ذلك لأن الطفل إذا لم يحصل على معلوماته من مصدر مطمئن كالمدرس أو أحد الوالدين يبدأ في البحث عنها من مصادر أخرى مثل أقرانه أو من هم أكبر منه سنا في محيطه. وهذا من شأنه أن يعرضه لفرص أكثر في الحصول على معلومات خاطئة قد تكون مؤذية له. وأما بعد سن 11 وحتى 14 عاما فهنا تبدأ عملية التثقيف الجنسي الكاملة والسليمة والتي يطلع خلالها الطفل على الأمور الأساسية والمهمة في ما يتعلق بالجنس».
ويختتم بتأكيد «أهمية التعامل السريع والفاعل مع السلوكيات الجنسية التي تصدر من أطفال، وعدم التهاون في النظر إليها أو اعتبارها أمراً عارضاً وبسيطاً. فهذه السلوكيات يمكن أن تنمو في المستقبل لتتحول إلى ميول جنسية مثلية لدى الطفل المعتدى عليه، أو ميول إلى العنف والاضطراب لدى الطفل المعتدي».

JoomShaper