دعاء وسارة بانتظار انتهاء الصلاة لبدء عملية التسول
إبراهيم يونس
إنهم ابناء القسوة والفقر والتفكك الاسري.ربما فاجأك احدهم عند احدى الاشارات الضوئية، متوسلا إليك ان تشتري علبة مناديل ورقية مما لديه.
وربما صادفت احدهم في مواقف احد الاسواق الشعبية، وهو يقتحم عزلتك ليعرض عليك بإلحاح ممجوج، عطورا رخيصة او إكسسوارات لسيارتك.
ولم يعد غريبا ان يواجهك احدهم ايضا مادّا يده إليك، متسولا عطفك، إزاء الانكسار البادي في نظرة عينيه، والبؤس المرتسم على قسمات وجهه.
إنهم فئة من الصغار الذين اجبرتهم ظروفهم وظروف ذويهم القاسية على نزول الشوارع ومحاولة كسب ما يساهم في انتشال اسرهم من مستنقع الضياع.
منهم من ترك المدرسة حين وجد العمل في مطعم او ورشة او مخزن ملاذا له من مد يد التسول الى الغير. ومنهم من وجد في التسول حيلة بعدما أعيته الحيل للحصول على ما يعيل اسرته التي بلا عائل.
القبس تسلط الضوء على ظاهرة هؤلاء الصغار، على القسوة، التي راحت تنتشر في الكويت، وهي الدولة المشهورة بمد يد الخير الى ابعد أصقاع المعمورة، ووصلت مساعداتها الخيرية الى المحتاجين في آخر الأرض.
بسام شيشان.. عفريت «البراغي»!
لم يتجاوز عمر بسام شيشان، الذي صادفناه في إحدى ورش إصلاح السيارات بمنطقة جليب الشيوخ 16 سنة، لكن عمره العملي يبدو طويلا، يقول بسام، أستطيع أن أفك ماكينة السيارة بالقطعة و«البرغي»، وأقوم بتغيير اجزاء الماكينة الداخلية والتعرف على مكان العطل الموجود بها.
الدهشة التي اصابتنا من كلام بسام وثقته بنفسه، دفعتنا الى سؤاله عن تاريخ انتسابه للمهنة، فرد بأنه يعمل منذ أربع سنوات.
أنت صغير على هذا العمل.. ما الذي دفعك اليه؟
يرد بسام بتأثر: توفي أبي في حادث سير، فوجدت نفسي مسؤولا عن اسرة مكونة من 5 افراد، لذلك قررت الاعتماد على نفسي، رافضا عمل والدتي في اي مهنة للإنفاق علينا، رغبة مني في حمايتها وحماية اخوتي الصغار والحفاظ عليهم.
بسام وياسين.. بائعا السعادة لأقرانهما
تبدو المناسبات كالأعياد فرصة رائعة لدى اولئك الأطفال الذين يتميزون بالذكاء وخفة الحركة والبحث عن مصادر للرزق.
من هؤلاء الأطفال بسام الذي صادفناه يبيع لعباً للأطفال على شارع الخليج.
لم يكن يقوى على حمل اللعب الصغيرة التي تبدو على شكل نجوم مضيئة لها عصا صغيرة، حيث تشكل منظراً أخاذاً في الظلام، وتدخل البهجة والسرور إلى نفوس الأطفال الصغار، وتشد انتباههم ويتلهفون عليها، مما يدفع أولياء أمورهم لشرائها ارضاء لهم ولاسعادهم.
بسام صاحب الجسد النحيل لا يتعدى 13 سنة، ينتقل بين السيارات حاملاً بيديه بضاعته، فهو يغالب حركة السيارات، وكأنه يصارع الامواج، فملامح وجهه تبعث في نفس كل من يراه الرغبة في الشراء منه، فهو حسن الوجه والهندام، ويملك حنكة في اقناع الزبون.
أما زميله ياسين فلم يرد على اسئلتنا الا بعد أن اشترينا منه نجمتين.
يقول ياسين: أعيش مع أسرتي المكونة من 12 شخصاً، 8 بنات، و4 أولاد، والدي مقعد، ولا يقدر على العمل، أنا أعمل مثل اخوتي الكبار للمساعدة في الأسرة.
مركز رعاية ضحايا التفكك الأسري
المؤكد أن هؤلاء الأبناء هم ضحايا الفقر والتفكك الأسري، ولا يوجد في البلاد أي جهة أو مركز متخصص للتعامل مع مثل هذه الحالات أو رعايتها.
مراد علم دار
الأسرة حلمي الضائع
يعمل مراد علم دار في ورشة لميكانيكا السيارات في جليب الشيوخ تجاور ورشة بسام شيشان الذي يحب مراد أن يناديه ب «المعلم بسام». مراد الذي لم يتجاوز عمره 14 عاما، بدا لافتا ارتباطه ببسام، ويقول: تبادل منفعة، فهو يقرب بيني وبين الزبون، ويفيدني كثيرا، وأحيانا احتاج إليه بحكم الخبرة، فهو يقنع الزبون بأن هذا العطل لا يدخل في اختصاصه وانما في اختصاصي انا.
سألنا مراد عن ظروف عمله فرد بتلعثم: أبي كان يقود شاحنة ويسافر إلى العراق بحماية الأميركان، ولكن ذات مرة تعرض لإطلاق نار في العراق وتوفي هناك.
وعن وقت دوامه يقول مراد: يبدأ الدوام في حوالى الساعة 9 صباحا وينتهي في الثامنة مساء، وإذا كان هناك زبائن قد يمتد حتى العاشرة ما عدا يوم الجمعة فهو نصف يوم من الرابعة حتى التاسعة، وكذلك يوم الخميس يتم غلق الورشة مبكرا في حوالى الساعة 8 مساء.
أين تعيش وتسكن؟ يجيب مراد: أنام في غرفة أعلى هذه الورشة مع عديد من الأطفال العاملين في الورش المجاورة، وأتناول الطعام في أغلب الاحيان مع بسام من المطاعم القريبة او البقالات، فأكلنا كله يعتمد على المطاعم.
وماذا عن أسرتك؟
يرد مراد بمرارة: ليس لدي أسرة، فأنا اعتمد على نفسي، فأمي تزوجت بعد موت أبي، واستطعت العمل في هذه الورشة بمساعدة أحد أعمامي.
دعاء.. وسارة
براءة الطفولة تصلح للتسول؟!
يشكل التسول ـ أو «الطرارة» باللهجة الكويتية ـ ظاهرة غريبة على المجتمع الكويتي، الذي يتميز بتكافله اجتماعيا، وحبه لعمل الخير.
وتتجلى الظاهرة أكثر ما تتجلى في ايام الاعياد الدينية وخلال شهر رمضان الكريم، حيث يصل الامر بهؤلاء المتسولين الى طرق ابواب منزلك، ومطاردتك في الاسواق وامام المساجد.
واللافت في الامر انك تصادف اطفالا صغارا وهم يقومون بالتسول، الامر الذي يفتح الباب امام مزيد من الاسئلة، عمن يحرك هؤلاء الاطفال، وينتهك براءتهم.
في عيد الأضحى الماضي صادفتنا الطفلة دعاء التي كانت تمارس التسول صبيحة العيد، رغم ان عمرها لا يتجاوز 9 سنوات.
دعاء لا تذهب الى المدرسة ـ كما تقول ـ وهي تقوم بالتسول لتساعد امها التي راحت تطلب منها ذلك بعد الطلاق من والدها.
دعاء كانت خائفة ومرتبكة ومستعجلة، حيث رفضت الإجابة عن بقية الأسئلة، ربما لضيق الوقت، فصلاة العيد أوشكت على الانتهاء، وهي تريد ان تكون جاهزة لاستقبال الناس لدى خروجهم من المسجد، حيث يكون هذا الوقت هو الأنسب في التسول.
أما سارة، التي يلامس عمرها 13 عاما، فتقول:
أعيش مع أسرتي، أبي رجل كبير، وأمي مريضة، ضعيفة البصر، وأكبر إخوتي الذكور يبلغ 11 عاما ويعمل في توصيل الطلبات للمنازل بإحدى البقالات.
سارة تقول:
أنا لا آخذ شيئا من أحد غصبا عنه، فأنا في هذا العيد لا أطلب سوى عيدية.
أطفال الشوارع: ضحايا القسوة والفقر.. والتفكّك الأُسري
- التفاصيل