هاشم سلامة
ظلّت المرأة الاوروبية لسنوات طويلة تطالب بحقها في التمتع بالعمل في الوظائف والمهن المختلفة، حتى أُتيح لها ذلك، فاقتحمت كافة مجالات العمل، وبذلك تضاعفت الاعباء الملقاة على عاتقها، حتى اصبحت تتأثر واجباتها المنزلية تجاه اطفالها، بالرغم من ان مطالبتها بالسماح للعمل كانت ليس من اجل مصلحة اسرتها واطفالها وانما من اجل اثبات ذاتها وتحقيق الرغبة في المساواة مع الرجل.
اما في المجتمعات الشرقية فكان الامر يختلف تماما، إذ ان الخطر الحقيقي من خروج المرأة للعمل سيؤدي الى تهديد كيان الاسرة وسلامة الاطفال ورعايتهم، وفي كلا الحالتين فإن تزايد واجبات المرأة الوظيفية والمنزلية إنما ينعكس سلبا على الاطفال فينتقص من رعاية الاطفال نفسيا. ويقول خبراء علم النفس الأُسري ان اطفال الامهات العاملات اقل تكيفا من الناحية النفسية من الاطفال ابناء ربات البيوت المتفرغات لبيوتهن، وقد دلت البحوث العقلية ان الطفل الصغير ليس في حاجة الى اشباع حاجته من المأكل والمشرب والملبس بطريقة ميكانيكية صماء، وإنما يحتاج بان يرافق هذه الحاجات شعور بالحب والدفء والحنان والمشاركة الوجدانية من خلال اشباع هذه الدوافع، وبهذا الصدد فقد اثبتت التجارب الاجتماعية ان اطفال الملاجئ والمدارس الداخلية هم ايضا اقل تكيفا ممن يحظون بالعناية المباشرة من قبل امهاتهم.
وتشير نتائج الاحصاءات العالمية ان نسبة انحراف وشذوذ اطفال الاسر الراقية اكثر من نسبته في الاسر المتواضعة، بالرغم من ارتفاع مستوى المعيشة لدى الاسر الراقية.. ويكمن السبب في ابتعاد الام عن اولادها لسبب او لاخر.
ومن حيث انعكاسات نفسية المرأة العاملة على طفلها فان بعض الامهات العاملات بما يتكبدنه من اعباء في العمل والمواصلات يجعلهن مرهقات الجسد والاعصاب، وسريعات التوتر والثوران في وجه الاطفال عند العودة الى المنزل، مما يترك بصمات مؤثرة على شخصياتهم، فهذا الطفل غض التفكير والعقل يقف عاجزا امام امه الثائرة، فيكبت ذلك التأثير في نفسه طيلة طفولته وربما ينفجر في سن المراهقة والشباب فيصبح عدوانيا شرس التصرف، اذن ماذا تفعل الام؟
إن مثل هذه الظاهرة الخطيرة المتمثلة باهمال الطفولة ينبغي ان توليها الام الاهتمام والحذر الشديدين بحيث تخصص وقتا كافيا لابنائها بعد العمل.. وعليها ان تُجدول وتنظم اوقات ما بعد العمل، بحيث يكون نصفها لراحتها، والنصف الاخر للاطفال، حتى يشعر الاطفال بان امهم العاملة هذه انما هي تتعب لتجلب لهم المال لتحسين وضعهم المعيشي وبنفس الوقت لا تحرمهم من تواصلها معهم بعد العمل مما سيخلق لديهم مشاعر بالتماس العذر لثورتها وتوترها احيانا.. وقد يسلكون سلوكا حميدا يتمثل في مساعدتها بالمطبخ او غسل الاواني.. مُقدرين لها هذا الجهد المزدوج بالعمل والمنزل.. كما انهم سيساهمون في كسبها لبعض ساحات الراحة بعد العمل خصوصا اذا عرفوا ان هنالك وقتا مخصصا لهم. بهذا تستقيم الامور ويتوفر التناغم بين حالة العمل وحالة الامومة.‏


JoomShaper