دمشق - مجرم تسيطر عليه شهوات حيوانية، يستغل براءة طفل يلهو في الشارع عائد من مدرسته أو في حديقة بالقرب من منزله أو يشتري بعض الحاجيات ..يستدرجه عن طريق إغرائه بلعبة أو هدية أو حتى قطعة حلوى ، إلى أحد المباني المهجورة أو سطح بناء أو في زقاق شارع مظلم و يفرغ شهوته به بعد أن يصم أذنيه عن صوت بكاء واستغاثات الطفل بعملية مشينة تنتهي بإيذاء الطفل جسديا و نفسيا ،هذا وإن بقي على قيد الحياة ..؟ باختصار إنها ظاهرة اغتصاب الأطفال والتي كثيرا ً ما تحدث دون أن نعلم بها ، فهي خلف الستار،ويتكتم عنها العديد من الناس خوفا من العار الذي قد يلحق بهم عند علم المحيط بالحادثة ،ولكن عندما يكون الضحايا أطفالا في عمر الورود يصبح التستر على هذه الحالات عارا و تقديم الشكوى بشأنها هو الفعل الصحيح لحماية براءة الأطفال.
فمؤخرا ازدادت حالات اغتصاب الأطفال ليس عددا فقط ،بل وحشية وبشاعة أيضا ً،فالمجرم المقدم على اغتصاب طفل بريء يجرّد نفسه من المشاعر الإنسانية ليصبح وحشا بكل ما للكلمة من معنى ،ويشبع رغباته بطريقة تنافي الدين والأخلاق و بشكل يرفضه كل آدمي ذو ضمير ليرضي شذوذه الجنسي و مرضه النفسي.
إن مختلف المحافظات السورية ، وإن تفاوتت الإحصاءات ، تخفي قصصا لاغتصاب طفل أو طفلة تبعث الألم في النفوس وتدفع للمطالبة بشدة بإنزال أقسى العقوبات بحق مغتصبي الطفولة البريئة …
خولة الطفلة ذات الخمس سنوات أصبح الجميع على دراية بقصتها المحزنة والذئاب البشرية الذين قاموا بدفنها في التراب خلف صالة العرس بعد ان قاموا باغتصابها بالتناوب دون أي رحمة.
محمد.ز طفل بعمر التسع سنوات تأخر عن العودة إلى منزله بعد المدرسة أربع ساعات وبعد عودته إلى المنزل و هو بحالة مضطربة تبيّن أن ثلاث مراهقين أغروه بإمكانية لعبه معهم وأخذوه إلى سطح بناء حيث قاموا معه بالفعل المنافي للحشمة .
مريم.ش طفلة في الرابعة من عمرها استدرجها شاب إلى داخل المحل الذي يعمل به بعد أن أعطاها حلوى حيث أنزل غلق محله و عمل على اغتصابها
أنس .د طفل بعمر العشر سنوات شاهده مجموعة من الشبان حين خروجه إلى السمّان لشراء بعض الأغراض بناء على طلب أمه فتجمعوا حوله وأمسكوه وأغلقوا فمه ثم أخذوه إلى بستان قريب من منزله حيث قاموا باغتصابه .
و غيرها من القصص التي تثير الاشمئزاز و الألم فما ذنب الطفل الصغير الذي يقع فريسة شهوات حيوان آدمي ،دون أن يعلم ما يحدث ودون دراية بحجم المشكلة التي وقع فيها وأن أي طفل مثله معرّض لأن يكون الضحية التالية في حال الاستمرار بالاستهتار بهذه القضية و السماح لهؤلاء الوحوش بأذية الأطفال ضحية تلو الأخرى.
الاغتصاب يعني العنف قطعا وآثاره قد لا تزول ….
هذا ما أكدته دكتورة منال دغمان الأخصائية بالطب الشرعي في دمشق حيث قالت:”هناك اغتصاب طفل و اغتصاب طفلة ،اغتصاب الطفل هو الفعل المنافي للحشمة قد يؤدي لحدوث تمزقات شديدة و تحتاج للمشفى ،اغتصاب الطفلة يؤدي إلى حدوث تمزقات مختلفة ،تمزق غشاء البكارة والمنطقة المحيطة به و ذلك حسب شدة العنف.
فالاغتصاب يعني الممارسة العنيفة فهو ليس علاقة طبيعية و ليس جماعا طبيعيا و إنما إجباريا إما تحت التهديد أو باستعمال وسائل العنف والتخويف”.
و أضافت الدكتورة منال “إن آثار الاغتصاب إذا كانت عنيفة جدا قد لا تزول أبدا وذلك حسب شدة العنف ،فإذا كانت شديدة فإن آثار الاغتصاب تحتاج لفترة طويلة حتى تزول حتى مع إجراء العمليات الترميمية العلاجية التجميلية وقد تسبب ندوبا و اختلاطات أخرى تبقى مدى الحياة .
وفي حال تعرض الطفل أو الطفلة للاغتصاب من أكثر من شخص في الوقت نفسه فإن آثار الاغتصاب تكون أسوأ فهي لا تسبب فقط أذية جسدية قصيرة أو طويلة المدى ،فقد تؤدي أيضا إلى وفاة الطفل أو الطفلة بسبب العنف و النزف والصدمة الألمية المرافقة لعملية الاغتصاب” .
إن الأعضاء التناسلية للطفل أو الطفلة صغيرة ,غير ناضجة وغير مرنة و هذا ما يسبب التمزقات و تزداد الأذية كلما ازداد العنف ،فالاغتصاب ليس كلمة عادية هو فعل ينتهي قطعا بالأذية الجسدية والنفسية .
و تضيف الدكتورة منال دغمان:”إن حالات الاغتصاب المفحوصة من قبل الطبابة الشرعية ليست كثيرة وذلك ليس بسبب قلتها بل بسبب التعتيم حولها تبعا للظروف الاجتماعية و قد لا تفحص إلا الحالات الشديدة في المشافي”.
حب الغلمان يكون نتيجة الميول الجنسية الشاذة و الكبت الجنسي ..
يرى الدكتور حنا خوري أستاذ الطب النفسي في جامعة دمشق “أن الغريزة الجنسية لبعض الأشخاص تتجه نحو الأطفال و هو ما يعرف ب “حب الغلمان” وفقا للمفهوم الطبي ،فهم يميلون إلى الأطفال في سن صغيرة أو قبل سن البلوغ ذكورا كانوا أم إناثا و تكون لهؤلاء قدرة على التقرب من الأطفال بحيث يستطيعون إغوائهم وجذبهم إلى حيث يريدون دون أن يعرف الطفل أنه واقع في مشكلة والطفل أو الطفلة يشجع الشخص حين يتقرب منه ويذهب معه حيث يريد.
هؤلاء الأشخاص ميولهم الجنسية تكون شاذة منذ البدء أو يعانون من الكبت الجنسي الذي يدفعهم إلى مثل هذه الأفعال والأشخاص الذين يتناوبون على اغتصاب طفلة أو طفل في نفس الوقت فهم بتركيبتهم الجنسية ميالون إلى الاغتصاب أو حب اغتصاب الغلمان أو للرغبة في التجربة و الطيش وحالة من عدم التوازن بسبب تناول بعض المشروبات المذهبة للعقل” .
وفي رأي الدكتور حنا خوري “إن هناك بعض الأسباب التي تؤدي إلى زيادة حالات اغتصاب الأطفال كالتواصل, فاليوم أصبحت المعلومات متاحة سواء الجنسية أو غير الجنسية فهي إما تفرض فرضا عن طريق القنوات الإباحية أو حتى غير الإباحية أو قد يتعرض لها الشخص عن طريق وسائل أخرى ,كما أن الهجرة الداخلية التي تسمح بدخول الغرباء إلى البلدة أو الحارة هي سببا آخر فقد يقوم هؤلاء باستدراج الطفل إلى أماكن بعيدة أو إلى مكان مهجور دون أن يدري و دون ان يعرفه أحد.
ويؤكد الدكتور أن آثار الاغتصاب سيئة على الطفل فالطفل لا ينسى ،فبعد فترة من الزمن قد يسترجع الأفكار وفي مراحل متقدمة قد يشتكي مما حدث فالطفل عندما لا يخبر أهله يتأثر أكثر كونه لا يعلم مدى خطورة إخفاء الأمر فيظل ذلك في ذاكرته ويشعره بالذنب و قد يصاب بحالة من الاكتئاب في المستقبل والانهيار العصبي ،وفي الحالات الشديدة التي تحدث عن طريق الاغتصاب العنيف للطفل قد تؤدي إلى حالات ذهانية شديدة أو اضطراب سلوكي أو حتى انطواء الطفل على نفسه بعيدا عن الأهل والمجتمع.
ويضيف الدكتور خوري أنه “لابد من تقديم المعالجة النفسية السلوكية للطفل و وجود طبيب نفسي اختصاصي أطفال يخصص وقتا كبيرا للطفل ويقدم معلومات لأهله عن كيفية التعامل معه ومساعدته للتخلص من هذه الحالة وهذا قد يحتاج إلى وقت طويل تبعا لشدة تأثر الطفل بالحادثة وتأثيرها في نفسيته”.
ضرورة تشديد العقوبة و نشر أسماء المغتصبين ليكون رادعا أدبيا لهم ..
تؤكد المحامية وفاء معلا أن”القانون يعاقب المتحرش جنسيا بطفل بالأشغال الشاقة المؤقتة ودفع تعويض مناسب يحدده القاضي بشرط ان يدّعي ولي الطفل أو من له صلة شرعية عليه ،فوفقا لقانون العقوبات العام من جامع قاصرا لم يتم الخامسة عشرة من عمره عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة تسع سنوات ولا تنقص العقوبة عن خمس عشر سنة اذا كان الولد لم يتم الثانية عشر من عمره.
وفي حال كان المتحرش بالطفل حدث أتم الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشر من عمره فالعقوبة تكون مخففة ويوضع في معهد الأحداث بما لا يزيد عن اثني عشر سنة.
و إذا كان المتحرش بالطفل يعاني من إعاقة عقلية أو مجنون وثبت ذلك بالتقرير الطبي تكون الأسباب مخففة و يوضع في مأوى احترازي إلى أن يتم التأكد من شفاءه.
و تشدد العقوبة في حال كان المعتدين من الأوصياء أو ذوي سلطة معنوية أو قانونية على الطفل حيث تزداد العقوبة من الثلث إلى النصف وأيضا عند تكرار الفعل، وفي حال القتل المتعمد للطفل بعد اغتصابه فإن عقوبته الإعدام.
وفي رأي المحامية معلا أن حالات اغتصاب الأطفال تزداد في البيئة الجاهلة غير الواعية والفاسدة حيث رفاق السوء والتربية السيئة.
وترى المحامية معلا “ان القانون يستطيع أن يحد من جرائم اغتصاب الأطفال عن طريق تشديد العقوبة وعدم إعطاء الأسباب المخففة وعلى الأقل الحكم بالحد الأقصى للعقوبة و أن يتم نشر أسماء المغتصبين ليكون رادعا أدبيا لهم”.
التوعية غائبة و للأهل الدور الأكبر ..
إذا فإن عوامل الكبت النفسي والبيئة المغلقة و الجاهلة كلها عوامل مساهمة في هذا النوع من الجرائم كما أن للأهل الدور الأكبر في تعرض أبناءهم للتحرشات الجنسية،فغياب التوعية والإرشاد من قبل الأهل جزء أساسي من تفاقم المشكلة،فأين الأهل عندما يرسلون طفلهم إلى” البقالية القريبة “من المنزل لشراء بعض الحاجيات ؟و أين الأهل عندما يتركون أطفالهم يلهون بالشارع دون اكتراث بهم؟
تحقيق - عبير محمد
شام برس