سهير بشناق
لم يحتاج الامر لاكثر من دقائق من نظرالمعلمة الى رسمة «احمد» في الصف الاول ابتدائي لتدرك ما يعانيه هذا الطفل من شعور بالحزن والاحباط.
فقد طلبت المعلمة من الطلاب ان يرسموا اي شيء يجول في خواطرهم او يحلموا بزيارته او تحقيقه، كاسلوب اتبعته المعلمة لتنشيط اذهان طلابها وادارة حوار فيما بينهم عن الاشياء التي يشعرون بها بعيدا عن اجواء الدراسة التي تعتبر انها ترهق اذهان طلابها الصغار.
وقالت المعلمة التي فضلت عدم الاشارة لاسمها الى (الراي) استوقفتني رسمة احمد التي كانت عبارة عن شجرة وعليها عصافير وعصفور واحد يبكي ورسم ايضا قمرا بدلا من الشمس ولون رسمته باللون الاسود، وقالت المعلمة لدى سؤال الطفل عن سبب بكاء العصفور والظلام الذي يحيط به فاجابها: العصفور تركته امه وهو لا يحب الشمس وباقي العصافير مبسوطة». وعلمت المعلمة (احدى المدارس الخاصة) ان احمد يشعر بالحزن لانه يعيش بلا ام، بسبب انفصالها عن والده قبل شهور ولا يسمح لها برؤيته.
الاب بعد حديث المعلمة معه عن حالة ابنه طلب منها بعدم الحديث مع طفله عن والدته خاصة وانه ينوي الزواج من جديد ويؤهل طفله لتقبل زوجته الجديدة ؟
وقالت المعلمة ان احمد اصبح يعيش حالة نفسية سيئة فهو يتبول على نفسه ويرفض اللعب مع زملائه وقد تراجع تحصيله الاكاديمي بشكل ملحوظ بعد ان كان من الطلاب المتميزين خلال العام الدراسي.
واكدت ان الاطفال في هذا العمر يتاثرون بشكل كبير بما يحدث معهم ويظهر هذا الامر من خلال سلوكياتهم مشيرة الى انها تحاول بين فترة واخرى ان تنتهج مثل هذه الاساليب مع طلابها لتحاول اكتشاف ماذا يشعرون ويحاولون التعبير عن انفسهم من خلال رسوماتهم او الحديث عما يجول بخواطرهم.
وترى المعلمة ان احمد قد اخبرها بانه يشتاق لوالدته كثيرا وانها اجمل واروع ام في الدنيا ؟
وبينت المعلمة بان رسومات الاطفال نقلت حقيقية ما يعيشونه من فرح او حزن او ضغوطات نفسية قد لا نتوقف كثيرا امامها معتبرين ان الاطفال لا يتاثرون كثيرا بما يحدث في اسرهم.
مشيرة الى ان بعض الاطفال رسموا رجل يضرب امراة وامهات يبكين في حين ان اطفال اخرين رسموا رسومات تعكس تميزا واضحا في معاملة اسرهم لهم فاحدى الرسمات كانت لطفل يلعب والطفل الاخر يبكي حيث عبر الطالب عن شعوره بالتميز بان الطفل الذي يلعب بالصورة والديه يحبونه والطفل الذي يبكي لا يحبونه لانه «يغلبهم» ويرغبون بالتخلص منه ؟
وتشدد اخصائية تربوية سها عبد الهادي على اهمية تعبير الاطفال عن انفسهم من خلال الرسم او من خلال اللعب الذي يعكس حقيقية ما يفكرون به وما يعيشونه
واضافت: ان الطفل يتاثر بكل ما يدور من حوله سواء كان سلبي او ايجابي لكنه قد لا يستطيع التعبير عن ذلك مباشرة انما يظهر تاثيره من خلال اساليب اخرى احيانا تكون سلوكيات مرضية واحيانا اخرى تكون سلوكيات عدوانية او انطوائية بحيث يرفض الطفل التفاعل مع من حوله ويعيش في عالمه الخاص به.
واكدت عبد الهادي على اهمية متابعة هؤلاء الاطفال الذين يتاثرون بما يحدث في اسرهم فطلاق الوالدين وغياب دور الام بشكل خاص عن حياة الاطفال يعتبر احدى الامور الهامة والتي تؤثر بشكل كبير على حياة الطفل وسلوكه.
اضافة الى العنف الاسري الذي يحدث داخل الاسرة وامام الاطفال يترك اثرا سلبيا عليهم خاصة اذا كانت الام تتعرض للأهانة او الضرب امام اطفالها فيشعرون بالالم النفسي والاحباط وتتولد لديهم مشاعر كراهية للأب وتعاطف مع الام ؟
وبين استاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الخزاعي ان الدراسات اثبتت ان 35 % من الاطفال الذين يقومون بسلوكيات عنف بحياتهم مورس عليهم العنف من قبل اسرهم وان 5% منهم يمارسون العنف اتجاه زملائهم كرد فعل لما تعرضوا اليه خاصة وان المشاكل الاسرية وضرب الاطفال داخل الاسرة وايذائهم تندرج تحت مسمى العنف.
وتؤكد اخصائية تربية طفل الدكتور ميسون عكروش ان «الطلاق تجربة مريرة للوالدين وللأطفال» مشيرة الى ان اثار الطلاق على الاطفال لا ياخذ بعين الاعتبار من قبل الاباء والامهات.
وبينت عكروش ان اثار الطلاق على الاطفال بالدرجة الاولى انه يهدد امنهم واستقرارهم النفسي وهي حاجات اساسية يحتاجها الطفل لينمو نموا صحيا سليما فاذا ما شعر الطفل بان هناك من يهدد امن وجوده فان ذلك يحدث خللاً في نموه الحسي والانفعالي والعقلي مما يؤثر على سلوكه اتجاه المحيطين به بشكل سلبي.
واضافت ان هذه التاثيرات قد تستمر معه في مراحل عمره اللاحقة اضافة الى الاثار النفسية التي تتمثل بالشعور بعدم الامان والغضب والرفض لكل ما يحيط به.
وبينت عكروش ان الانفصال او الطلاق يؤدي الى شعور الاطفال بالغضب من احد الوالدين او كليهما خوفا من ان يشعروا بالوحدة والغربة وعدم الانسجام مع الاسرة الجديدة اذا تزوج احد الوالدين.
واكدت عكروش ان الشيء المؤثر في الطلاق ان الاطفال غالبا ما يعتقدون انهم السبب في حدوث الطلاق وانفصال ابائهم وامهاتهم وتفكك اسرتهم ويعتقدون ان من مسؤولياتهم اعادة شمل الاسرة من جديد حتى لو كان ثمن ذلك التضحية بانفسهم وسعادتهم.
وبينت عكروش ان الدراسات اكدت على ان الاطفال الذين يمرون بتجربة الطلاق هم اكثر عرضة للمشاكل السلوكية واقل فهما للذات مقارنة مع اطفال يعيشون باسر مترابطة اضافة الى ان هؤلاء الاطفال تكون لديهم صعوبات في التكيف الاجتماعي والتحصيل الاكاديمي مبينة ان كثير من الاطفال الذين يودعون في مراكز الاحداث ينتمون لاسر مفككة.
واكدت عكروش ان اثر الطلاق السلبي على الاطفال واقع لا يمكن تجاهله واذا كان لا بد منه فانه يجب ان يتنبهوا الاباء والامهات لحاجة اطفالهم الى الابقاء على علاقتهم معهم خاصة ان الوالدين هم مصدر الامن النفسي لهم ولا بد من العمل على توفير الحماية لهم ورعايتهم كوالدين على الرغم من انتهاء علاقتهم الزوجية وذلك من خلال توفير وقت كافي للجلوس مع اطفالهم باستمرار ومتابعة سلوكيات الاطفال ليشعروا باقل الاضرار الناتجة عن الطلاق.
«احمد» الذي ابعد عن والدته في عمر هو بامس الحاجة لوجودها لجانبه لم يستطع ان يخفي حزنه فالوانه واوراقه كانت شاهدا على ما يشعر به وعن حاجته لوالدته، وهي شاهد ايضا على ان رسومات الاطفال ليست دائمة «خربشات» لامعنى لها بل هي وسائل تعبيرية لمن لا يملكون طرقا اخرى للغضب.

JoomShaper