د. رشاد لاشين
من الطبيعي أن يتعلق الطفل بأمه، وهذا التعلق مطلوب ومفيد تربويًّا، ولكن يجب أن يكون هذا التعلق في إطاره الطبيعي وبشكلٍ معتدل، فضعف التعلق يؤدي إلى الجفاف وينتج عنه الكثير من المشكلات، ويؤدي إلى الفشل التربوي، وكذلك زيادة التعلق والالتصاق ينتج عنه ضعف الشخصية والكثير من المشكلات أيضًا؛ لذا وجب أن نوضِّح للوالدين حدود الطبيعي وغير الطبيعي بالنسبة للتعلق والانفصال من خلال المراحل الآتية:
1- مرحلة التعلق الفطري الغريزي:
يبدأ من قبل الولادة، وكلما كانت الأم مقبلة على جنينها تحب الحمل، وتوافق عليه، وتحاور جنينها أثناء الحمل كان الطفل متقدمًا في نموه مرتبطًا بأمه، والعكس صحيح الأم التي لم تكن راغبة في الحمل أو حدثت مشكلات بينها وبين زوجها أو طلقت أثناء الحمل، وبالتالي أصبحت كارهةً للحمل كارهةً لجنينها، هذا الكره يتحول إلى كيمياء داخلية تشعر الطفل بالرفض؛ فيولد هذا الطفل وأمه رافضةً له، وهو أيضًا رافض لها، وهذا يتمثل في الواقع في طفل يولد فيُوضع على صدر أمه فيرفض الرضاعة منها، ثم يُوضع هذا الطفل على صدر أي امرأة أخرى فيقبل على الرضاعة بسهولة. يستمر هذا التعلق الفطري الغريزي بعد الولادة، فيرتبط الطفل بأمه من خلال رائحتها وصوتها، رغم أنه لا يعرفها معرفة حقيقية؛ ولذا فهو لا يمانع في أن يُترك في رعاية شخص غريب غيرها، ويفسر البعض ابتسامة الطفل وبكاءه وتحديقه بعين الأم على أنه نوعٌ من الارتباط وتوثيق العلاقة.
2- مرحلة بدء التفاعل الاجتماعي في الفترة من 2- 4 أشهر:
- في الفترة من 40- 60 يومًا من عمر الطفل تبدأ الابتسامة التفاعلية الاجتماعية؛ مما يؤدي إلى حدوث تطور في العلاقة بين الطفل والأم، ويتميز هذا التغير بازدياد مستوى الشعور الوالدي بتبادل المحبة مع الطفل.
عندما يبلغ عمر الطفل أربعة أشهر فإنه يفرخ اجتماعيًّا، أو كما يوصف بـ"الفقس الاجتماعي"، ويبدأ الطفل بالرغبة في التواصل مع المحيطين به، ويحب المداعبة والمناغاة، ويظهر عدم الرضا حينما يترك وحده، ويكون أكثر الناس رعاية له أدَّعى إلى شدة الارتباط به، ولكن دون تمييز للأم عن غيرها، وإذا تم الاهتمام بالتواصل مع الطفل يصبح اجتماعيًّا، وإذا أهمل التواصل مع الطفل قد يصبح انعزاليًّا انزوائيًّا.
- وبعمر 4 أشهر لا يعود الرضيع خلال إرضاعه يركز اهتمامه بشكلٍ كبيرٍ على أمه بل يصبح مشتت الانتباه، فحين يُحمل على ذراعي أمه قد يتحول الرضيع جانبيًّا مفضلاً النظر للخارج.. قد يفسر بعض الآباء هذا التحول عنهم كرفض لهم، ويخشون في سريرتهم أن الرضيع لم يعد يحبهم؛ ولكن الأمر ليس كذلك بل هو تطور في الارتباط بعالم أوسع.
3- مرحلة الارتباط المعرفي بالوالدين والتعرف الحقيقي عليها من عمر 6- 8 أشهر:
الارتباط بالأم:
- عند بلوغ الطفل الشهر السادس من عمره، فإنه يعرف أمه جيدًا، ويبدأ الارتباط المعرفي بها، وهذه نقلة جديدة ومهمة في الارتباط والتعلق.
الارتباط بالأب:
- عند بلوغ الطفل الشهر الثامن فإنه يبدأ في التعرف على الأب والارتباط به.
4- مرحلة إدراك ثبات واستمرار الارتباط والتفريق بين الأقرباء والغرباء والخوف منهم في الفترة من 9- 18 شهرًا:
في حوالي الشهر التاسع؛ يتطور لدى الطفل مفهوم (تحقيق ثبات الجسم المادي)، وهو تفهم استمرار وجود الأشياء حتى وإن لم تكن مرئية، وحيث إن الطفل بعمر 4- 7 أشهر كان يبحث عن الكرة التي سقطت بالنظر للأسفل، لكنه يتخلى وبسرعة عن هذا البحث إذا لم يعد يراها، أما حين يفهم مبدأ ثبات الجسم المادي فهو يستمر في البحث، ويجد الأشياء المخبأة تحت قطعة قماش أو خلف ظهر مَن يلعب معه.
يتوافق اكتشاف ثبات الجسم المادي مع تغيرات نوعية في التطور الاجتماعي والتواصل؛ حيث يلاحظ أن الطفل يحاول استكشاف الشخص الغريب، فينظر للخلف والأمام، منقلاً نظره بين الغريب القادم وأمه، كما لو كان يجري مقارنةً بين المعلوم والمجهول، ومن الطبيعي في هذه الفترة أن يبدأ معظم الأطفال- بنسب متفاوتة- بالخوف من الأشخاص الغرباء، وقد يصرخون ويبكون ويحتمون بأمهاتهم رغم أنهم كانوا قبل ذلك يسعدون بالتواصل مع الآخرين دون تفريق بينهم وبين الأم، وفي هذه الفترة يصبح الانفصال عادةً أكثر صعوبة، ويبدأ الأطفال الذين كانوا ينامون ليلاً لأشهر مضت بالاستيقاظ بشكلٍ منتظم، كما لو أنهم يتذكرون أن والديهم ما يزالان في الغرفة المجاورة.
5- مرحلة الارتباط الشديد (أو إقامة العلاقة الودية) في الفترة من 18- 24 شهرًا:
يتعزز جيدًا استمرار وجود الأشياء المادية، ويتوقع الطفل المكان الذي وضع فيه جسم ما ولو لم يكن الجسم مرئيًّا بالنسبة له حين وضعه، يؤدي الاستقلال النسبي للفترة السابقة لدى العديد من الأطفال إلى ازدياد التعلق بعمر حوالي 18 شهرًا.. قد تكون هذه المرحلة المسماة بمرحلة التقارب (أو إقامة العلاقة الودية) كرد فعل للحذر المتزايد؛ لإمكانية الانفصال، ويفيد العديد من الآباء أنهم لا يستطيعون في هذه المرحلة الذهاب إلى أي مكان دون أن يكون برفقتهم طفل صغير متعلق بهم، ويكون الانفصال وقت النوم صعبًا عادةً.
6- مرحلة بدء تكوين العلاقة المزدوجة وفك الالتصاق (من السنتين وما فوق):
مع انتهاء السنة الثانية تزداد قدرة الطفل على الاستقلال وتقبل علاقات جديدة مع أشخاص غير الوالدين، ويقل الالتصاق القوي والارتباط الشديد بالوالدين، ويبدأ الطفل يتفهم العوامل التي تؤثِّر على حضور الأم وغيابها، ويتوقع عودتها؛ وذلك بسبب النمو السريع في المكتسبات الذهنية والنطق، ولهذا السبب تقل مشكلة قلق الانفصال عند الأطفال، ويبدأ الطفل في استخدام حيل ووسائل وإستراتيجيات مبنية أكثر على الحوار والإقناع لإبقاء أمه إلى جانبه.

JoomShaper