أبوظبي (الاتحاد) ـ تحفل الأعوام الستة التي تمر بين السادسة والثانية عشرة من العمر بالأهداف التي يريد الطفل أن يحققها لنفسه، في محاولته الجادة أن يتعرف على ما هو خارج الأسرة وأن يرتبط بصداقات مع من هم في مثل عمره وأن يستند منهم تقاليده الخاصة، والتأكيد على استقلاله عن الأسرة، والرغبة في أن يكتسب المهارة العلمية والعملية والفنية التي تؤكد له أنه فرد مستقل قادر على الحياة في المجتمع. ولذلك نجده يميل إلى ترتيب ما يخصه ونجده صارماً في تطبيق القواعد الاجتماعية ونجده صاحب ضمير متزمتاً في بعض الأحيان .
ويعاني الأمهات والآباء من محاولة الطفل أن يبدو إنساناً مستقلاً. إنه يحاول أن يؤكد دائماً أنه يميز بمفرده بين ما هو صحيح وبين ما هو خطأ. وهو يحاول دائماً أن ينال إعجاب المجتمع وحبه. والآباء والأمهات لا يعاشرون الأبناء طوال اليوم. إن هناك مجتمعاً يرتبط به الأبناء ومن هذا المجتمع يختار الطفل لنفسه ألوان السلوك التي يفضلها، إنه يتعلم من أبناء الحي ومن أصدقاء المدرسة ومن المدرسين ومن قواعد الدين الذي ينتمي إليه. ويبدو ضمير الطفل في هذه الفترة صارماً للغاية. إنها فترة تكون غاية في الحيوية بالنسبة للضمير رغم أن الآباء والأمهات لا يشعرون بذلك. إن تمرد الطفل ومناقشاته لأوامر الأسرة تكون دائماً في مسائل بسيطة كالنظافة والقيام بالواجب المدرسي، وحسن التصرف مع الآخرين. لكن الحقيقة هي أن الطفل في هذه المرحلة يبذل جهداً خارقاً مع نفسه ليراقب نفسه بشيء من الحزم.
إنه يحاول أن يفهم قوانين المجتمع. وتبدو هذه العملية شاقة بالنسبة للابن خصوصاً أنه يقوم بها في اللحظات نفسها التي يقرر فيها الاعتماد على نفسه وعدم الرضوخ بالنسبة لأسرته. إن هناك ألماً نفسياً بالنسبة للطفل وهو يعلن استقلاله النفسي عن أسرته. وهناك ألم نفسي آخر عند الوالدين عندما يجدان الابن كثير المناقشة، يتمادى في عصيان التعليمات، يتعمد إثارة أعصاب الأب والأم. ولا مفر أمام أي أسرة من هذا الأسلوب الذي يعامل به الطفل الأب والأم.
تفاجأ الأسرة بأن الطفل يقضي معظم الوقت مع الأصدقاء في ركوب الدراجات أو لعب الكرة ويهمل من نظافته ولا يحترم مواعيد الطعام وتمتلئ كلماته بلهجة التحدي ويحاول أن يكون له مكانه الخاص في المنزل. ويحاول طوال الوقت أن يؤكد أنه إنسان مستقل. لكن ما إن يمرض أحد الوالدين حتى تلحظ القلق والهم قد زادا عند الطفل، ويحاول أن يفعل كل ما يمكنه لمساعدة الأب أم الأم.
إن الطفل في هذه الفترة من العمر يكون غاية في الحساسية وغاية في الرغبة في مناقشة أي أمر سواء كان جاداً أم تافهاً. ويجب على الأب أن يبتسم هو والأم وأن يفهم الاثنان أن الابن يحاول أن يعلن عن وجوده الخاص. فالابتسامة ضرورية حتى لا ينفجر الوالدان من فرط التوتر. إن الأب والأم أحياناً يحاولان حل مشكلات الابن في هذه الفترة من العمر بالصبر أو بدفن الرأس في الرمال والتغاضي عن سلوك الابن، وليس هذا هو الأسلوب الصحيح. إن الصبر أو التغاضي يؤذي الطفل نفسه. ويشعر الطفل في أعماقه بأنه في حاجة إلى رعاية الأسرة ورقابتها بل ويشعر أن الأب والأم مطالبان بالتدخل كي لا يتجاوز حدوده. وذلك لأن الطفل الذي لا يجد من يوقفه عند حده يحاول المزيد من إثارة الوالدين إلى الدرجة التي يمكن أن يفقد الأب معها أعصابه أو تفقد الأم أعصابها. إن على الوالدين أن يوقفا الطفل عند حده لإرضائه هو نفسياً لأن اللوم هنا يؤدي وظيفة هامة بالنسبة للطفل. إنه دليل اهتمام ودليل توجيه. فالطفل في هذه الفترة يملك ضميراً حساساً ويتقبل التوجيه من أعماقه. ويشعر أنه لابد أن يجد من يقول له هذا خطأ. وأن يقول له ذلك بلهجة حاسمة وهو في حاجة إلى من يحزم الأمر معه ويطالبه أن يقوم بواجبه المدرسي وأن يحترم نظام المنزل وأن يكون مهذباً مع الآخرين وأن يحرص على نظافته. إن الرقابة والتنبيه واللوم هي واجبات أساسية بالنسبة للأهل ولا يجب أن يتغاضى أحد عن أي سلوك غير مهذب للابن. إن الابن سيحاول دائماً أن يجذب الانتباه بالمزيد من الانتباه إليه وسيحاول أنه يؤكد للأسرة أنه في حاجة إلى من يراقبه وسيحاول إثارة الأبوين بكل الوسائل. وفي النهاية سيواجه الأبوان ثورة نفسية عارمة على الطفل صنعها الطفل نفسه بهدف الحلول محل اهتمام الأسرة ورقابتها.