ترجمة: يوسف وهباني
باتت ظاهرة الأبناء غير الشرعيين؛ من أخطر الظواهر التي تقلق البشرية وتقض مضجعهم، قد يظن البعض أنها لا تشكل نسبة كبيرة، لكنها في الغرب تحديدا تشكل نسبة هائلة من البشر، ففي فرنسا وحدها أكثر من أربعة مليون من البشر مجهولي النسب، بحسب إحصائية صدرت من وزارة الصحة الفرنسية عام 2007 م، وقس عليها بقية الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، وبقية دول العالم بنسب متفاوتة.


يخرج الابن غير الشرعي للحياة مضطهدا من أعز الناس لديه، ومحروم من العاطفة والحنان، يدفع ثمن خطأ غيره، وبدلا من أن تتوجه نظرة المجتمعات المتحضرة لأبويه بالسخط والغضب على شناعة فعلهما؛ فإنهم ينظرون لهذا الضيف القادم نظرة ليس فيها أدنى درجات الترحيب!  ويبدأ مشواره حياته وسط هذا الجو المشحون بالتعبير عن الرفض والاحتقار والكراهية، فيجد نفسه إما ملقى على أحد أرصفة الشوارع، أو موضوعا بأحد صناديق القمامة، أو مرمي على عتبة أحد أبواب المنازل.
فإذا سنحت له فرصة الحياة ولم تنهشه الحيوانات الضالة؛ أو تخطفه إحدى العصابات التي تتاجر به لتبيعه بثمن بخس، أو تربيه ليس حبا فيه ولا شفقة عليه؛ وإنما  لتستخدمه في تجارة المخدرات، أو الدعارة أو بيع أعضائه البشرية!

فلو حالفه الحظ ونجا من هذا كله، فإنه إما أن يعيش في أحد الملاجئ الخاصة بالأطفال اللقطاء، أو تأخذه إحدى العائلات ليعيش معها، ولكن مهما كان هؤلاء المشرفون على الأطفال اللقطاء في الملاجئ أو هذه العائلات فلن يكونوا مثل والديه! ولن يستطيعوا أن يخرجوهم للمجتمع أطفالا أسوياء من الناحية النفسية والتربوية؛ لأنهم يفتقدون  للعاطفة الجياشة التي تنبع من  القلوب، ويدركها الطفل جيدا، مما ينعكس إيجابا على مشاعره وسلوكه ونظرته للحياة والمجتمع من حوله.

لم تصبح هذه الظاهرة بهذا الحجم الكارثي إلا في عصرنا الحديث، الذي تبوأت فيه أوربا وأمريكا درجة كبيرة من الحضارة والرقي،  ففي القرون الوسطي كانت المدارس بأوربا غير مختلطة وخصوصا " المتوسطة والثانوية "، وهذا يفسر لنا لماذا لم تطفُ هذه الكارثة على السطح، إلا في العصر الحاضر.
ففي مطلع القرن التاسع عشر بدأت المدنية الحديثة في ممارسة الاختلاط، بكل انفلات وبلا ضوابط، ولا قيود ولا مراعاة لسن الشباب الذي يكون في أوج  شهوتهم الجنسية.
ونسبة لسهولة الاتصال؛ وفي كل مكان، وفي كل المجالات: فقد استسهلوا اللقاءات والمعاشرة، وصارت العملية سهلة ولا ضرورة للتكاليف وبناء منزل وتجهيز المال والأثاث لبناء عش الزوجية.
وكما لعش الزوجية تكاليف أخرى منها رعاية الأطفال، والعناية بهم، ومن ثم المسؤولية التي تقع علي عاتق الزوج مدى الحياة، فما دام الأمر سهلا ومتيسرا وبأقل تكاليف ممكنة فلماذا يرهق الشباب أنفسهم؟؟

لذا تصاعدت أعداد الأبناء غير الشرعيين؛ وبلغت نحو ثلث أعداد الأبناء المولودين بأوربا في عام 1983م، ونسبة 75%منهم كانوا من فتيات أقل من تسعة عشر عاما.
ففي فرنسا على سبيل المثال: حيث تنشط وزارة الصحة في عمل إحصائيات دقيقة لكل المواليد بكل المستشفيات الفرنسية، ولقد جاء في محاضرها: أن عدد الأطفال غير الشرعيين الذين ولدوا في عام 1965 قد بلغ نحو 40 طفلا من كل ألف طفل يولد بفرنسا!  أما في عام 2003  م فقد ازدادت النسبة لتصل لنحو 47طفلا من كل ألف طفل يولد بصورة شرعية، فالنسبة في ازدياد وهذا يقلق المجتمع الأوربي بشدة.

ولقد بلغت نسبة أعداد الشباب غير المتزوجين في مقاطعة سان فرانسيسكو الأمريكية نحو 83% من عدد الشباب الذين لم يتعد سن الخامسة والعشرين عاما، رغم قدرتهم على الزواج إذ قلت الدافعية نحو الزواج بدرجة كبيرة بهذه المجتمعات.
و لما وجدت المرأة الأوربية نفسها من حالة مريعة؛ لا زواج  ولا أسرة ولا أمان!

مجتمع أشبه بالغابة المتوحشة!  فقد بدأت بعض النساء في التذمر والاحتجاج.
ففي السويد  اجتمعت نحو مئة ألف امرأة، وتظاهرن احتجاجا على هذه الحرية المطلقة، والحالة السيئة التي تعيشها المرأة ببلادهن.
ونظرا للكثرة المتزايدة للأطفال غير الشرعيين؛ فقد نمت طبقة جديدة وكبيرة منهم في أوربا تحمل هذا المسمى!  وأصبحت كل حكومة تعمل على تشكيل هؤلاء الأطفال وفق السياسات التي تنتهجها؛ حيث تعلمهم المقررات التي تتوافق وسياساتها المتبعة؛  فإذا كانت تركن لسياسة الغزو واستعمار العالم: تشكل كل مواد المقررات على هذا المنوال.
وهنالك معلمون لعلم النفس مهمتهم حشو عقول هؤلاء بالسياسات المنتهجة لدولهم؛  لذا صارت الحكومات الغربية تعتمد علي تلك الفئة التي لا تنتمي للمجتمع، وليس لها جذور؛ حتى ترسلها في الحروب الاستعمارية التي تقودها لبث أفكارها وأجندتها الخاصة.
وأحيانا تخطب ودهم؛ لكسب أصواتهم في الانتخابات.  فهم مثلا في أوربا يشكلون أغلب الشواذ الذين يعاقرون الجنس المثلي، وصارت لهم أندية ومحافل، ونالوا اعتراف الدول الغربية، بل و اعترفت بعض الحكومات الغربية بزواجهم المثلي.

ومن هنا نفهم لماذا تلجأ بعض الحكومات الأوربية لإقرار الشذوذ رسميا في بلادهم؛ رغم اصطدامه بأبسط قواعد العقل والمنطق الذي تزهو به أوربا وتفاخر.
ولا عجب بعد ذلك أن يشكل نسبة كبيرة من هؤلاء الأطفال فيما بعد أكثر أعضاء العصابات الخطيرة في العالم، كما استخدمتهم بعض الدول الاستعمارية الكبرى ليكونوا في مقدمة جيوشهم، والباقي منهم يعتبرون وقودا جيدا لساحات السجون والجرائم الخطيرة!
ولا عجب كذلك أن يصدر منهم في المعارك والحروب أبشع الجرائم التي يندى لها جبين البشرية، وما حادثة سجن أبو غريب عن ذاكرة العالم ببعيد!
ومن العجب: أن تجد منهم من استطاع أن يشق طريقه في الحياة، ويحقق نجاحا وإنجازا عجز عن تحقيقه كثير من الأسوياء.
ومن أبرز الذين سطعوا في سماء الرياضة عالميا الملاكم مايك تايسون، الذي نال بطولة العالم في الوزن الثقيل في رياضة الملاكمة، وهو من أصول أفريقية وهو الذي صرح بأنه مجهول النسب لا يعرف أباه.
وحاليا برز اسم" فيليب روزلر " الذي قدم من فيتنام إلى ألمانيا لا يعرف أباه، و تبناه رجل ألماني ورعاه حتى نجح في نيل درجة الدكتوراه  في الطب و صار وزيرا للصحة في الحكومة الألمانية الحالية.

 

 

لها أون لاين

JoomShaper