الدستور - ماجدة ابوطير
حذرت دراسة اجتماعية أعدها المجلس الوطني لشؤون الأسرة في الأردن حول البرامج الموجهة للأطفال العرب في الفضائيات العربية من أثار العنف المتلفز على شخصياتهم ومستقبلهم وعلى امن واستقرار مجتمعاتهم.وتدعو الدراسة التي نفذتها الباحثتان في وحدة الطفولة التابعة للمجلس أماني تفاحة ولارا حسين إلى إنشاء مؤسسة عربية لإنتاج أفلام كرتون تركز على أمجاد الأمة العربية ومستوحاة من بيئتها معتبرة أن العنف "تجاوز للسوية في السلوك ينعكس سلبا على أمن المجتمعات واستقرار وفرص التنمية والازدهار الاقتصادي".وتاتي أهمية الدراسة انها تنبع من كون الأطفال ركيزة مهمة من ركائز المجتمع ومن ازدياد تأثير وسائل الاعلام على مسيرة حياته موضحتين أن الدراسة شملت عينة تمثل الطلاب والطالبات الدارسين في مدارس حكومية وخاصة وتتراوح أعمارهم بين سبعة وثمانية أعوام.
"الدستور" توجهت لمعرفة اراء الاهالي والاطفال والمختصين بما يتم عرضه على شاشات التلفاز:«تعلمنا القتال»الطفل وسام الحاج علي يرى بان معظم البرامج التي تبث هي برامج تقوم على القتال وبالرغم من سنه الا انه يميز ان هذه البرامج تحث على القتال واكد انه هو واصدقاؤه يحاولون كثيرا تقليد الحركات التي يرونها ولكن لا محال وكثيرا ما يتم الحاق الاذى بهم الناتج عن هذه البرامج ، ويرى ان القتال لم يحصر فقط على الاولاد بل ان هنالك برامج خاصة للفتيات تعلمهم هذه الحركات كـ "الجاسوسات" وهنالك برامج تخص الاولاد كـ" جاكي شان" وغيرها من البرامج التي تعلم اساليب قتالية متعددة ولكنها غير نافعة على حد قوله لانهم لا يستطيعون تطبيقها على ارض الواقع وتلحق الاذى بهم وتشجعهم على القتال.«اكتساب اللغة العربية الفصحى»وتؤكد ام رياض وهي ام لاربعة اطفال ان برامج التلفاز الموجهة للاطفال مضرة اكثر من منفعتها وذلك لانها تكسب الاطفال العديد من التوجهات والسلوكيات التي لاحظتها على اطفالي واصبحت اراقبهم في رؤيتهم لتلك البرامج ، فقد لاحظت في الاوانة الاخيرة ان اطفالي اصبحوا يسألونني العديد من الاسئلة الخارجة عن عاداتنا وتقاليدنا ، الا ان هنالك قنوات تعزز التوجه الاسلامي للاطفال باساليب محببة وتؤكد على القيم الاسلامية وتوصل العديد من الرسائل باساليب رائعة كالاناشيد والمسابقات ومن الامور التي لفتت انتباهي اكتساب ابنائي اللغة العربية الفصحى وتداولهم فيما بينهم ، فقد شعرت بالسعادة عندما سمعت ابنائي يتحاورون باللغة العربية الفصحى .«برامج مغايرة لثقافتنا»وتبين ام جنى رايها بهذه البرامج: لقد تعددت قنوات الاطفال وتعددت بالتالي الرسائل التي تحملها وهنا يكمن تحرك الاهالي اولا في مراقبة ابنائهم لنوعية البرامج التي يرونها وفي ضبط عدد الساعات التي يجلسها الطفل لمشاهدة التلفاز ، فما الاحظه في هذه الفترة ان الاطفال ازدادت متابعتهم للتلفاز واصبح هنالك عزلة جزئية بينهم وبين اهاليهم بسبب اهمال الاهالي وانشغالهم باعمالهم والمتعة والتنوع الذي يقدمه التلفاز ان اكثر ما يخيفني ان هذه البرامج ليست من انتاج اردني او حتى عربي وبالتالي فهي مغايرة لثقافتنا ، اذا ان معظم البرامج هي من انتاج صيني او امريكي او غيرها من الدول المغايرة بثقافتها عنا.«هنالك ايجابيات وسلبيات»وتضيف نبال مريان مديرة مدرسة المزار الثانوية للبنات اثار هذه البرامج من الناحية التربوية: تحقق برامج الاطفال التلفزيونية أهدافا تربوية متعددة تجعل منها ضرورة في بعض الاحيان إذا أخذ بعين الاعتبار استقطاب ايجابياتها و تقليص سلبياتها و ذلك من خلال المتابعة النوعية و الكمية من قبل المربين وخاصة في ظل الزخم الاعلامي و التنافسي الكبير ووجود بعض القنوات الفضائية التي لا تحمل الا اهدافا جوفاء لا بل تشكل مضيعة للوقت وتبديدا لجهود المربين و غيرها من القنوات التي لا تتناسب مع المراحل النمائية للأطفال . من الآثار السلبية لبعض برامج الاطفال نمذجة و تقليد بعض الشخصيات التي لا تخلو من السلوكيات غير المرغوبة مثل العدوان و العنف و استخدام اساليب خيالية و غير حقيقية لحل المشكلات لا بل ان بعضها قد يؤثر على السلامة العامة للاطفال عند تقليد بعض هذه النماذج ، و خاصة أن الكثير من برامج الاطفال تركز على موضوعات الدفاع عن النفس و الحل الخيالي للمشكلات الامر الذي قد يولد العنف لدى الاطفال عند تعاملهم مع أقرانهم في الوقت الذي تركز فيه المؤسسات على توفير البيئة الامنة الخالية من العنف ، و قد يشعر بعضهم بخيبة الامل عند اخفاقهم بحل مشكلاتهم نظرا لعدم وجود الحلول السريعة كما يشاهدونها في بعض البرامج ، الا أن الحديث عن برامج الاطفال لا يكتمل الاعند الحديث عن ايجابياتها المتعددة عندما تقترن بالتنظيم و الضبط من قبل المربين و من هذه الايجابيات تنمية الخيال العلمي و زيادة المعرفة في العديد من الموضوعات العلمية و الثقافية منها أو اللغوية بالاضافة الى الاطلاع على ثقافات جديدة و تنمية سلوكيات مرغوبة عند الاطفال مثل ثقافة الحوار و طريقة التعامل مع الوالدين و احترام الاخرين . و لا بد هنا من التركيز على دور هذه البرامج في تنمية القدرات اللغوية لدى ابائنا سواء في النطق السليم والقراءة أو الكتابة ، كما أن الكثير من برامج الاطفال تستخدم لغة الضاد باللغة الفصحى وليس باللغة المحكية و هذا ما يؤكد اكبر ايجابياتها الامر الذي يخلق ثقافة عربية موحدة مشتركة في ظل العولمة و الانتشار الكبير للفضائيات.«الرقابة مهمة»وتؤكد الدراسة التي قام بها المجلس الوطني لشؤون الاسرة أن مشاهدة الأطفال لبرامج التلفزيون لفترات غير محددة ودون رقابة وانتقائية "تفرز سلوكيات أبرزها السلبية والأنانية وعدم التعاون مع الآخرين وعدم الإحساس بمشاعرهم بل والسخرية منهم إلى جانب التقليد الأعمى للآخرين في الملبس والمأكل والمشرب والسلوك الاجتماعي وتطوير نمط حياة استهلاكي".كما تؤدي مشاهدة الأطفال برامج التلفزيون بإفراط ودون ضوابط إلى تأثيرات سلبية عليهم تتمثل بالعجز عن ضبط النفس واللجوء إلى العنف بدل التفاوض والافتقار إلى الأمان والشعور الدائم بالخوف والقلق وترسيخ صور نمطية في عقل الطفل حول المرأة والرجل والمسنين والطفل وأصحاب المهن والمسؤولين ورجال الأمن وغيرهم إضافة إلى قتل روح الإنتاج والإبداع لدى الأطفال. لكن الدراسة لا تغفل أثار التلفزيون الايجابية على الأطفال باعتباره "ثنائي التأثير" فهو من جهة أخرى يحفز الطفل إلى ادراك مفاهيمه وتصوراته وطموحاته ويعزز لديه قيم الاستقلال في الرأي والرغبة في الحوار والميل إلى التفكير النقدي وانتهاز فرص التعلم الذاتي كما يوسع مدارك الطفل وينمي خياله ويرفع مستواه الثقافي والعلمي.