توصف قصة الأطفال البريطانيين الذين أُرسلوا الى استراليا بأنها تاريخ من الأكاذيب والخداع والقسوة واللامبالاة والإهمال الرسميين.
وقبل أن يتم شحنهم الى استراليا التي كانت احدى البلدان البعيدة التابعة للامبراطورية البريطانية قيل للكثيرين منهم إن آباءهم قد لقوا حتفهم، وإن الحياة التي تنتظرهم في استراليا أكثر وفرة ورخاء.
وقدد تم ترحيل معظم هؤلاء الأطفال من دون موافقة والديهم. وبشكل عام، أدخل في روع الأمهات والآباء أن أولادهم قد تم تبنيهم في مناطق أخرى من بريطانيا.
ولدى وصولهم الى استراليا كانت السياسة المتبعة هي فصل الإخوة عن الاخوات.
وانتهى المطاف بكثير من الأطفال داخل معسكرات للعمل، حيث تعرضوا لاعتداءات جسدية ونفسية وجنسية في كثير من الأحيان.
في شهادته أمام لجنة برلمانية بريطانية في أواخر التسعينيات، تحدث أحد هؤلاء الفتيان عما تعرض له من اعتداءات اجرامية على أيدي قساوسة كاثوليك في تاردون الواقعة في غرب أستراليا.
وقال هذا الشخص إن عددا من الاخوة المسيحيين تنافسوا فيما بينهم على من الذي يمكنه أن يغتصبه 100 مرة أولا.
لقد كانوا معجبين بعينيه الزرقاوين، لذا فقد أخذ يضربهما مرارا وتكرارا على أمل أن يتغير لونهما.
وقد رأى البرلمانيون في ذلك الوقت أن مصطلح "الاعتداء الجنسي" يبدو غير كاف بالمرة في حالة هذا الشخص نظرا للتجربة المروعة التي تعرض لها.
اعتذار وطني
اليوم الاثنين يقدم رئيس الوزراء الاسترالي كيفن رود اعتذارا وطنيا إلى مجموعة تعرف باسم "الاستراليين المنسيين".
وبذلك ، فإنه سوف يعترف، نيابة عن الحكومة الاسترالية، باستمرار معاناة حوالي 500 ألف شخص كانوا محتجزين في دور الأيتام أو دور الأطفال بين عامي 1930 و 1970.
في الوقت نفسه، سيقدم رود اعتذارا لنحو 7 آلاف طفل من المهاجرين من بريطانيا والذين لا يزالون يعيشون في أستراليا ولكن بعد أن أصبحوا "منبوذين من الإمبراطورية".
وكانت الحكومة الاسترالية تنظر اليهم على أنهم من المهاجرين المثاليين، وكان الشعار الشهير في ذلك الوقت يقول "الطفل هو أفضل المهاجرين".
لقد كانت الحكومة البريطانية تنظر إليهم باعتبار أنهم يشكلون عبئا على الدولة، ولذا كانت تشعر بالسعادة لرحيلهم.
في "المنفى"
أرسلت ساندرا أنكر الى "استراليا" في عام 1950 وهي في السادسة من عمرها لكن الكلمة التي تفضل استخدامها هي "المنفى".
وكانت تعتقد انه سيتم ارسالها الى افريقيا، كجزء من مغامرة افريقية في الغابات، لكنها انتهت في ملبورن.
تقول ساندرا: "لقد أمضيت سنوات في انتظار أن يدرك شخص ما أن هناك خطأ قد ارتكب.
وتبكي ساندرا وهي تتحدث وتقول إنها حرمت من الطفولة ومن الوطن.
وتمضي قائلة: "لقد استغرق الأمر سنوات وسنوات من البؤس دون أن نعرف من أين جئنا، ولماذا حرمنا من حقنا في أن نكون بريطانيين".
وتواصل: "كانت حقا تجربة رهيبة، لا أتمنى أن يتعرض لها أي إنسان.. إننا بحاجة إلى أن نستقبل بترحاب في وطننا".
ومثل معظم المهاجرين البريطانيين هنا، تقول إنها تشعر بالغضب لأن الحكومة الاسترالية قررت تقديم اعتذار وطني، قبل ان تفعل الحكومة البريطانية ذلك.
خزي
ستحضر مرجريت همفريس الاعتذار الوطني العلني الذي سيقام في كانبيرا. وكانت قد أسست مركزا في نوتنجهام شاير عام 1987 للعمل على تعقب أسر الأطفال الذي أرسلوا في الماضي إلى استراليا.
وفي عام 1992، وتقديرا لعملها في هذا المجال منحتها الحكومة الاسترالية "وسام استراليا" الذي يعد أعلى تقدير مدني في البلاد. أما في بريطانيا فلم يعترف أحد بما تقوم به.
وهي تقول باستياء إن "الحكومة الاسترالية تقدم اعتذارا في حين لم تفعل الحكومة البريطانية شيئا".
وقبل حفل الاعتذار الوطني، اتصلت الحكومة الاسترالية بنحو 400 مهاجرا من الأطفال البريطانيين لكي تأخذ رأيهم في كيفية اقامة الحفل. وقد طالبوا جميعا بضرورة أن يأتي الاعتذار الاسترالي مصحوبا باعتذار بريطاني.
وتمضي مرجريت متساءلة: "ماذا عن موقف جوردون براون؟.. إنه أمر مثير للتقزز. لقد تخلوا عنا. هناك شعور هائل هنا بأن جوردون براون قد تخلى عنا".
قبل الاعتذار الذي سيقدم يوم الاثنين في أستراليا قالت مصادر في الحكومة البريطانية لبي بي سي ان "داونينج ستريت" يتشاور حاليا مع مجموعات من الأطفال المهاجرين بغية تقديم نوع من الاعتذار في المستقبل.
وحتى الآن، مولت الحكومة البريطانية برنامج للسفر يتيح للأطفال المهاجرين البريطانيين زيارة أسرهم إلا أن مركز رعاية المهاجرين يشكو من أن الحكومة البريطانية تمول زيارة واحدة فقط، ومن أن هناك الكثير جدا من القيود المفروضة على نظام التئام الشمل.
وقد ساعدت الحكومة أيضا في تمويل مركز الأطفال المهاجرين لمدة الـ15 سنة الماضية.
ويرى هارولد هيج، أمين الرابطة الدولية للأطفال المهاجرين أن ما فعلته الحكومة البريطانية ليس كافيا على الاطلاق.
وهو يشعر بالاستياء الشديد من كون الاعتذار الاسترالي جاء قبل أي اعتذار بريطاني.
قبل يوم الاعتذار الوطني في استراليا أصدرت وزارة الصحة البريطانية بيانا قالت فيه "إن نظام الأطفال المهاجرين كان خاطئا" وهو نفس موقف الحكومة منذ عام 1998.
وكانت الحكومة البريطانية قد اعلنت انها تدرس الآثار المترتبة على الاعتذار الاسترالي
موقع عالم بلا حدود