سكينة زلال

الطفل البشري بصفة عامة كائن يولد ضعيفا وبحاجة ماسة إلى الرعلية النفسية والجسمية التي تتجلى أولا في إشباع حاجياته الأساسية، أي حاجات تؤمن له النمو والإستمرار ومن أهم الحاجيات التي يجب توفراها للأطفال تتمثل أساسا في المآكل والسكن والحماية الطبية من الأمراض والحاجة إلى توفير الحب والدفــىء الأســـــــــري.
وباعتبــار الطفولة تشكل اليوم أحد أهم الموضوعــات التي تشغل اهتمام الفكر العالمي المعاصر، والطـفل يمثـــل المركز أو النواة التي من خلالها يحقق المجتمع طموحـاته وأهدافه في التنمية المستقبليــة. وطفـــل الشـــارع هو كل طفل ليس له أي ارتباط أسري واتخاذه للشارع مــأوى له ومجالا لكسب قوته اليومــــي، والملاحظ أن المجتمع يعلم بأطفــال الشوارع الذين لا يتجاوز عمرهم سبعــة أو ثمانية سنـوات يعيـشون وضعية صعبة بعدما تم التخلي عنهم وهم في أمس الحاجة إلى الرعاية والتربية والتنشئة الإجتماعية السليمة وتأمين الإحتياجات الأساسية كالمآكل والملبس وكل الضروريات زيادة على حرمانهم من الحب والطمأنينة والتقدير من طرف الأسرة.
إذن فماهي الأسباب التي تؤدي بهؤلاء الأطفال إلى الخروج إلى الشارع؟ وما الأعمال الممارسة من طرفهم؟ وما المشاكل والمخاطر التي يتعرض لها هؤلاء؟
تعد أبرز العوامل والأسباب التي ساهمت في حدوث الظاهرة أي ظاهرة "أطفال الشوارع" وانتشارها، حيث سيتم التركيز على بعض الأوضاع كالوضع الإجتماعي للأسرة وكذا الوضع الإقتصادي ثم الثقافي زيادة على الوضع العقلاني والتفاعلي للأسرة.
ففيما يتعلق بالجانب الإجتماعي أو نوعيته المحيط الإجتماعي الذي نشأ فيه هؤلاء الأطفال قبل مغادرتهم الأسرة، وهذا المحيط يشكل مجالا اجتماعيا وهذا المحيط الإجتماعي يلعب دورا أساسيا في عملية التنشئة الإجتماعية للطفل، بإعتباره يشكل نموذجا اجتماعيا. وبالتالي فالوضع الإجتماعي يقوم بسلبهم من الحرية والقدرة على التعبير عن ذواتهم، وخنق فيهم صوت الإرادة الحرة والقدرة على الاختيار.
يمكننا إدراك أن سلوك هؤلاء الأطفال في مختلف مظاهره ليس سوى أسلوب من أساليب التعبير عن الذات، وتحدي السلطة في مختلف مظاهرها، لأن معظم هؤلاء الأطفال يعيشون في أوساط اجتماعية ذات وضعية سوسيوثقافية منحطة أو أسر مفككة أو أن بعض هؤلاء الأطفال يعيشون مهملين أو مهجورين يعيشون مشردين معتمدين على وسائلهم الخاصة. كما نجد أن بعض النماذج من الأطفال يعيشون في الأحياء الهامشية كمدن التصدير أو الأكواخ أو تتكدس مع أسرهم في حجرات ضيقة. مما يصرفهم باستمرار إلى الشارع، واعتباره مجال نشاطهم الأساسي بالرغم من المخاطر المحيط به، لكنه يظل مجال تحر ومغامراتهم وهي الشغب والعدوان كوسيلة وحيدة للدفاع عن الذت وحمايتها وأداة للتعبير عن معاناتهم من اضطهاد واحباط وسوء المعاملة من الغير، بالإضافة إلى هذا نجد أغلبية هؤلاء الأطفال ينتمون إلى أسرة كبيرة الحجم حيث لا يتجاوز عدد أطفالها من 4 إلى 8 شخص في كل أسرة، وبالتلي فكلما زاد عدد الأسرة قل المستوى الرعاية والعناية بهم، وثقافتهم كما سبق الذكر لا يتنابس مع حجم الأسرة وبما أنهم يقطنون في أكواخ أو مسكن غير لائقة معنى ذلك عدم توفر الكهرباء والماء والمرافق أو مرفق صحي وفي غالب الأحيان تتواجد هذه المساكن في ضواحي المدن وذلك نتيجة لعدة أسباب ومن أهمها الفقر والبطالة والهجرة من البادية إلى المدينة للبحث عن عمل، وبالتالي فهذه العوامل تنعكس سلبا على الأطفال الذين يصبحون عرضة للشارع وبالتالي يكون مصيرهم هو الضياع والإنحراف.
وفيما يتعلق بالوضع الإقتصادي للأسرة، فأطفال الشوارع ينتمون إلى أسر يمكن اعتبارهم من الطبقة الضعيفة وهذه الأخيرة تعاني من ظروف مادية ضعيفة جدا وكذا وضعية اقتصادية غير مستقرة، وهذا له تأثير على التنشأة الإجتماعية للآباء، فهذا الوضع المزري يكون السبب الرئيسي في الانقطاع ومغادرة المدرسة في سن مبكرة وفي حالة إذا كان الطفل يتابع دراسته يدفعه الوضع الذي يعيشه أفراد أسرته إلى الانقطاع عن الدراسة والبحث عن عمل لمساعدة الأسرة وذلك في سن مبكرة إما بالأكراه أو رضا عن النفس، ولكل هذا تأثير كبير على البنية النفسية للآباء، وبالتالي فهذا الوضع يكون هو السبب الرئيسي في كون أن هؤلاء الأطفال يكونون ضحايا أساليب تنشئة اجتماعية صعبة وظروف اقتصادية وثقافية سيئة تحيط بهم مما يعهق لديهم الاحساس بالحرمان والدفع بهم إلى التشرد وبالضبط إلى الشارع.
أما بالنسبة للوضع الثقافي للأسرة وخاصة فيما يتعلق بالمستوى الدراسي للوالدين، والمقصود بذلك أن الوضع الثقافي للأسرة يلعب درو مهم في التنشئة سليمة تجعل الآباء لهم خبرة انطلاقا من خبرتهم بالطرق التربوية التي تساعدهم على فهم أبنائهم وتنمية قدراتهم وتنشئتهم تنشئة سليمة وجيدة، وفي أغلب الأحيان نجد أن فئة كبيرة تعاني من الأمية وخاصة أمهات وآباء أطفال الشوارع، كما يترتب عن هذه الامية انتشار التخلف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وبالتالي فالوضع الثقافي والتعليمي للأسرة يؤثر وبشكل كبير في تنشئة الأطفال وتربيتهم.
وبخصوص الوضع العلائقي والتفاعلي أي النفسي للأسرة والمقصود بذلك مجموع العلاقات السائدة داخل الأسرة وما يطبعها من انسجام وتوافق أو تفكك واضطراب، وتتجلى لنا أن أهمية بنية الأسرة تكمن في الأساس في أن البيئة الأسرية تجعل الطفل يكتسب الحب أو الكراهية والإعتماد على النفس أو الاتكال على الغير، الإجتهاد أو الكسل كما أن اضطراب أو تفكك يصيب بنية الأسرة من طلاق، أو علاقة سيئة داخل الأسرة، أو خصام مستمر بين الوالدين، صراع الإخوة... لا بد وأن يساهم في التأثير على شخصية الطفل وكذا تنشئته الإجتماعية.
وأختم هذه الخاتمة وأقول بأن أهم الأسباب التي تؤدي بالأطفال إلى خروجهم إلى الشارع يكون سببها الرئيسي هو الفقر والاحتياج وطلاق الوالدين وفي أغلب الأحيان النزاعات العائلية أو تخلي الأب أو الأم عن الطفل والتي تعد من بين الأسباب التي ساهمت وبشكل كبير في حدوث هذه الظاهرة، كما أن الأعمال الممارسة من طرف هؤلاء تتجلى في ممارستهم لبيع أكياس البلاستيك ومسح الأحذية وبيع مناديل الكنينكس وممارسة التسةل وبالتالي فهذه الأعمال يمارسها طفل الشارع لكسب قوته اليومي، أما بخصوص الأماكن التي يتردد عليها هؤلاء هي في الأغلب المحطات والسكك الحديدية والمحطات الطرقية والحدائق والأسواق والمتاجر والمقاهي والمطاعم وجوار المساجد، أما المخاطر التي تتهدد هؤلاء أو يتعرض لها باستمرار هي صعوبة العيش وسوء المعاملة والضرب والشتم والتعرض للأمراض والاستغلال الجنسي.

 

دنيا الوطن

JoomShaper