حسام مقلد- لها أون لاين
من المصطلحات الهلامية المُضلِّلَة التي شاع استخدامها في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بقضايا المرأة والأسرة ومجمل القضايا الاجتماعية بصفة عامة، مصطلح «جندر» GENDER الذي بدأ ظهوره في ثمانينيات القرن العشرين (عام 1988) في قاموس الحركات النسوية في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم انتقل إلى أوروبا، وأصبح هذا المصطلح متداولا بقوة منذ عام 1994م خلال مؤتمر السكان الذي عقد في القاهرة آنذاك. ثم استخدم بقوة أكبر في وثيقة بكين عام 1995م، وقد ساعد على الترويج له مؤتمرات الأمم المتحدة المتعاقبة ووثائقها الكثيرة المتنوعة.
وكلمة «جندر» Gender كلمة إنجليزية مشتقة من أصل لاتيني، وتعني لغوياً Genus أي (الجنس من حيث الذكورة والأنوثة). لكن مفهوم الجندر مراوغ وفضفاض، وقد أثار الكثير من الجدل بشأن الأهداف الحقيقية من ورائه!!
وتُعرّف منظمة الصحة العالمية الـ»جندر» بأنه الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات اجتماعية مركبة لا علاقة لها بالاختلافات العضوية والجسدية، بمعنى أن اختلاف الرجل والمرأة البيولوجي لا علاقة له باختيار النشاط الجنسي الذي يمارسه كل منهما (وفي ذلك قطعا دعوة صريحة لممارسة الشذوذ الجنسي).
وتعرّف الموسوعة البريطانية الـ»جندر» بأنه: شعور الإنسان بنفسه كذكر أو كأنثى، ومن ثم فإذا قام الرجل بوظيفة الأنثى أو قامت الأنثى بوظيفة الذكر؛ فإنه لن يكون هنالك ذكر أو أنثى، وإنما سيكون هنالك «نوع» أي «جندر».
وهكذا نجد أن مصطلح «جندر» ارتبط منذ نشأته بحركات تحرير المرأة، ومن ثمّ فهو مصطلح خاص بالمرأة أكثر من الرجل، وهدفه الإناث أكثر من الذكور، وغايته القصوى تحقيق ما يسمونه بـ«النزعة الأنثوية» في مواجهة «المجتمع الذكوري». وهذا التنميط الاجتماعي الجديد، مرتبط بالعولمة الاجتماعية التي تريد إرساء قيم ومفاهيم اجتماعية جديدة في سياق عولمة المجتمعات البشرية، ونسف ما تعارفت عليه الإنسانية طوال آلاف السنين من مفاهيم وقيم أكدتها الأديان، ورسختها الطبيعة البشرية.
إذن؛ هم يريدون أن تصبح كلمة «جندر» بدلاً من الرجل والمرأة، وكلمة «الشريك» بدلاً من الزوج، وكلمة «الشراكة» و»الاقتران» بدلاً من الزواج والأسرة.
ومن أهم الأفكار التي ينادي بها مفهوم «الجندر» التشكيك في صحة الدين ـ لاسيما الدين الإسلامي ـ عن طريق بث الشبهات مثل: إن الإسلام سبب في عدم المساواة بين الرجل والمرأة في أمور عدة: كالقوامة، والميراث، والشهادة أمام القضاء والحجاب، وأن الإسلام يبيح ويسمح بتعدد الزوجات، ويمنع تعدد الأزواج...!!
وأهم الآليات التي تتغلغل بها مفاهيم الـ»جندر» السامة في المجتمعات العربية والإسلامية الاتفاقيات الصادرة عن المؤتمرات الدولية، وهذه الآلية الدولية لها طابع الإلزام للحكومات العربية والإسلامية، فما وقعت عليه من اتفاقيات أمر ملزم لها، وقد يتبع عدم تنفيذها ممارسة كثير من الضغوط السياسية والاقتصادية.
وعلى سبيل المثال؛ أنه في مؤتمر روما الخاص بإنشاء المحكمة الدولية عام 1998م تم التأكيد على أن كل تفرقة على أساس الـ»جندر» تشكل جريمة ضد الإنسانية يجب أن يعاقب مرتكبها بعقاب رادع...!!
ولتسويق المصطلح وفرضه في المجتمعات كافة، دعا مؤتمر لاهاي عام 1999م إلى إنشاء جهاز خاص في كل مدرسة في دول العالم؛ لتحطيم الصورة التقليدية.
كما دعا المؤتمر الحكومات إلى سن قوانين جديدة تتناسب مع حقوق المراهقين والشباب دون التفرقة بين ذكر أو أنثى...!!
ويرى كثير من خبراء علم النفس وعلم الاجتماع أن مفهوم «جندر» يسعى فيما يسعى إلى إلغاء دور الأب ورفض الأسرة والزواج، وملكية المرأة لنفسها، وهي دعوة صريحة للإباحية ورفض الإنجاب وإباحة الإجهاض والشذوذ الجنسي. لكن للتمويه فإن مصطلح «جندر» في العالم العربي والإسلامي يُروّج له على أنه مجرد دعوة إلى إعطاء المرأة حقوقها ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات الاجتماعية والإنسانية دون مساس بالقيم والأخلاق.
ولا يمكن فصل مفهوم الـ»جندر» الذي يحاول مروّجوه تمريره وترسيخه في عقول أبنائنا عن هذه العولمة الاجتماعية، وإن كان الـ»جندر» واحداً من المحاولات التي تتعدد أشكالها ومسمياتها لتدمير الأسرة المسلمة. وفي الحقيقة فإن مصطلح «جندر» مصطلح هلامي مطاط، وهو ليس إلاّ أداة لتمرير أهداف شديدة الخطورة على الأسرة، وإن كان يتم تمريره تحت عباءة وثائق ومؤتمرات الأمم المتحدة التي وقّعت عليها أغلب الدول العربية والإسلامية، بحيث باتت أمراً ملزماً.
في الواقع؛ شهدت العقود القليلة الماضية في معظم دول العالم شن هجمات قاسية ضد الأسرة، وكانت أشد الهجمات ضراوة على الأسرة في العالم العربي والإسلامي، حيث عُقدت بشكل مريب مؤتمرات متتالية كرست لمناقشة قضايا المرأة والأسرة، في محاولة لصنع واقع جديد للأسرة المسلمة، اللبنة الأولى في بناء المجتمع المسلم؛ بغية تمرير ما يسمى بتحرير المرأة، والعمل على مساواتها بالرجل، وغير ذلك من المفاهيم الخادعة المضللة. وهذه الهجمة الشرسة تشكل في النهاية رغبة عارمة لدى أصحابها؛ من أجل إحداث عولمة حقيقية للقيم الاجتماعية بأسرها، واستبدال قيم غريبة خبيثة وملوثة ـ مهما ادعوا فيها من نقاءـ بقيمنا الاجتماعية والأسرية المبنية على أخلاق الإسلام وقيمه ومثالياته.
ومن المحزن والمؤسف حقا ما نراه من خنوع وخضوع الحكومات العربية والإسلامية للإملاءات الغربية والدولية في هذا المجال، وانسياقها وراء الحملة الشرسة على الأسرة المسلمة بما تضمنه من أخلاق وقيم تحث على العفة والفضيلة.. وإن ما نراه في معظم الدول العربية الآن من انجرار نحو العولمة الاجتماعية ينذر بأوخم العواقب على المدى المتوسط والمدى البعيد؛ حيث تبذل جهود حثيثة لتغيير البيئة الاجتماعية الراسخة في المجتمعات العربية والإسلامية ومنظوماتها القيمية المستمدة من الإسلام والمستقرة منذ قرون.
هذا.. وإن كانت تلك الجهود تسير ببطء وتدرج لعدم لفت الانتباه وإثارة ردود فعل مضادة؛ إلا أن هدفها النهائي هو اجتثاث الهوية العربية الإسلامية، والسعي إلى مسخ هذه الشعوب وذوبانها في العولمة الاجتماعية والثقافية التي تجري على قدم وساق..
وليس من المستغرب بعد ذلك في ظل كل هذه الحروب المستعرة على الأسرة المسلمة أن تتفاقم المشاكل الاجتماعية والأسرية كالعنوسة والطلاق والإجهاض، وكل مظاهر التفسخ الخلقي والتفكك الأسري، والعنف المجتمعي والعنف الأسري بكل أشكاله.
فهذه الظواهر إفراز طبيعي لثقافة الـ»جندر» والعولمة الاجتماعية.. فهل يفيق حكامنا وعلماؤنا ومثقفونا قبل فوات الأوان؟!
ثقافة الـ«جندر» وذوبان الهوية!
- التفاصيل