محمد الساعد
السماء لا تمطر ذهباً»... كلمة أطلقها وزير الشؤون الاجتماعية، بعد افتتاحه معرضاً للحرف اليدوية في جدة الأسبوع الماضي، بالتأكيد السماء لا تمطر ذهباً، ليت الوزارة تمطر ذهباً وعملاً ومعونات وخدمات ورعاية لا تنتهي، وليتك أيها الوزير لم تقلها. في الحقيقة ليس المهم تلك الحكمة الذهبية التي أطلقها «الوزير»، بل المهم دلالاتها، والأهم من ذلك كله لمَنْ وجه الوزير كلامه «الذهبي»؟ لقد وجهه لأكثر من 150 ألف امرأة مطلقة ومعنفة ومهجورة في المملكة - بحسب ما صرح به الوزير نفسه - أكد فيه أيضاً أن الإنسان المجتهد عليه أن يكسب رزقه من عرق جبينه «يقصد هنا بالطبع النساء اللاتي يقعن في عين اهتمام وزارة الشؤون الاجتماعية».
بالتأكيد هكذا تصريح وبهذه القوة كان يقصد منه الوزير تحفيز النساء ودفعهن نحو اقتحام سوق العمل، وعدم انتظار الفرص الوظيفية، وكذلك عدم توقع هطول السماء بالذهب، أو حتى في أدناها المعونات الاجتماعية المقبلة من الوزارة أو من الجمعيات الخيرية. وللحقيقة أيضاً فإن التصريح «القنبلة» كان يمكن أن يكون عادياً جداً لو كان وجهه لمجتمع «الذكور في المملكة»، فالأبواب - كل الأبواب - مشرعة أمامهم للعمل، أو على الأقل ضمن ظروف وفرص معقولة، لكن أهميته ومفاجأته أتت من كونه موجهاً لأكثر الفئات الاجتماعية «محاصرة» وأقلها قدرة على الحركة، كنتيجة طبيعية للظروف الاجتماعية والقانونية المعقدة المحيطة بعمل المرأة، إضافة إلى أن بيئة العمل التي تواجهها المرأة في المدن الكبرى في المملكة هي بيئة خانقة ومحدودة ومتعثرة، فما بالنا وأولئك النساء يتوزعن على كل مدن وهجر وقرى المملكة، وبالتالي يصبح تصريحاً غير منطقي بل يضاف للتصاريح الاستهلاكية التي مللنا من تكرارها ونجد صعوبة في التعامل معها. هكذا تصريح يمكن أن يطلق عليه تصريح العام، فلو كان هناك مسابقة لأهم واغرب تصريح طوال العام، فأنا متأكد أن ليس هناك من «يبزه» مهما خطر على بالنا.
ايها الوزير لو كانت تلك المعنفة «المكسورة» أو المطلقة في بلدة صغيرة في عمق المملكة، وترزح تلك البلدة تحت وطأة فقر المعرفة، وفقر التجارة، وبعد التنمية، فماذا تفعل تلك السيدة المكسورة غير انتظار هطول المعونات، وقد حرمت من النزول للمزرعة، حينما كانت المرأة شريكة في الحقل والحصاد، وحرمت من بيع أشغالها، وحرفها اليدوية في سوق بلدتها الصغيرة بحجة «الحشمة» وعلو قامة «العزل الاجتماعي» في المنزل والشارع والسوق، وتشجيع الذكورة وتجريم الأنوثة. فهل كان الوزير يتصور أن أولئك النسوة يجلسن في بيوتهن «على افتراض أن لديهن بيوتاً» حباً وطرباً في الجلوس، وأنهن في أثناء ذلك الفراغ القاتل الذي تسببن فيه لأنفسهن كسلاً وبطراً، أصبحن ينتظرن فروع الوزارة والجمعيات المنضوية تحت لوائها، كي تهطل سماؤها ذهباً، وأن الوقت المتبقي بعد ذلك الانتظار الممل يصرفنه في تقليم الأظافر وتنظيف البشرة.سأقول بالنيابة عنهن: افتحوا لهن أبواب العمل ودافعوا عن حقهن بالعمل في المحال التجارية والأسواق والمتنزهات، أو على الأقل وفروا لهن الوظائف التي تحمي كرامتهن وتعف حياتهن، قبل أن تعاتبوهن. ولو كنت في مكان المسؤول عنهن في الوزارة لتألمت كثيراً لحال هؤلاء المعنفات اللاتي ضاقت بهن سبل الحياة، إذ لا مجتمع يتسامح، ولا أرض تقبل العمل، ولا يجدن في زوايا الشوارع لقمة العيش الكريمة، ولبادرت لإنشاء مشروع وطني لتوظيفهن، حتى لو بالتعاون مع «طوب الأرض» بدلاً من انتظار ذهب السماء الذي «ذهب مع الريح».
دار الحياة