ارتمت بعض الأنظمة العربية بعد إخراج الاحتلال فترة طويلة من الزمن في أحضان مناهج أرضية، وأعجبت بتجارب بشرية، واستبعدت المنهج الرباني، وسخرت من القوانين القرآنية ووصمتها بالرجعية؛ وهذا كان بسبب أن المحتل لم يخرج من بلد إلا بعد أن نهب خيراته، وسلب ثرواته وترك فيه حكومة موالية له أو لغيره من الأقطاب الأرضية، أو القوى الكبرى؛ حتى تستمر المؤامرة، وتنتفع هذه الدول الكبرى بهذا الضياع.
وقد تنافست بعض هذه الأنظمة في تقليد المنهج الشيوعي الملحد، وبعضها تمسك بالسير على النظام الرأسمالي الغربي.
وأثبتت الأيام، وخلصت التجارب إلى أن كل من سار على منهج بشري مستمد من دولة كبرى؛ أو حضارة عظمى؛ فشل في تحقيق أي نجاح في جميع مجالات الحياة؛ وأكدت الحروب التي خاضها المسلمون مع الكيان الصهيوني، أنه عندما توكلنا على الاتحاد السوفيتي البائد لم نجن إلا الهزائم المستمرة والنكبات المتكررة.
ولما توجهت الأنظمة العربية المنكسرة ـ بعد الهزيمة النكراء ـ إلى المنهج الرباني، وتمسكت بنسب يسيرة من الهدي القرآني؛ فعلمت أن النصر من عند الله، وأن الله تعالى ينصر من ينصره،؛ حتى لو كانت فئة قليلة مؤمنة؛ وأن من يتوكل على الله فهو حسبه، وأن من يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب؛ وجدنا نتائج باهرة وانتصارات ظافرة.
ولكن الذي حدث بعد نشوة الانتصار الارتماء من جديد في أحضان التجارب الأرضية، والالتفاف حول القواعد القرآنية؛ والتوجه للتمسك بمناهج بشرية؛ بزعم أنها حققت تقدما في بعض المجالات الاقتصادية، أو العلمية، أو لأن الدول الكبرى ربطت الأنظمة باتفاقات، وخدعتها بتقديم بعض المساعدات، أو توزيع بعض الهبات، أو أنها ستدعمها وتساندها وتحل لها المشكلات!
وأثبتت الدراسات الموضوعية الحيادية أن هذه المساعدات خادعة، وتلك المعونات كذوبة وتكلف من يأخذها نفقات عديدة أكثر من ثمنها؛ وتتحول لكابوس مستمر؛ إضافة إلى أن هذه المعونات ترتبط بمجموعة كبيرة من الشروط والامتيازات، وبعض الشحنات الغذائية أو الدوائية أثبتت التحقيقات أنها ملوثة بمواد ضارة، ومطعمة بفيروسات فتاكة تصيب من يأكلها بأمراض بدنية وذهنية يظهر أثرها بعد فترة من الزمان.
و هناك تجارب عديدة من دول شرقية كثيرة، آمنت بقوة مبادئها، ورفعة حضارتها، وتمسكت بمنهجها ولم ترتم في أحضان أحد؛ فحققت نجاحات، ونحن ما زلنا ننعم بالفشل.
فكم من حضارات سادت ثم بادت، حينما لم تحافظ على أصالتها واستعارت قيما مخالفة لمنهجها، فضاعت هويتها، وذلت بعد عز، وتفرقت بعد قوة.
فهل تستيقظ أمتنا، وينهض المصلحون، للوقوف أمام من يريد تغيير مناهجنا، ويقولون كفى تقليدا للأوربيين، و يوجهون دعوة مخلصة للأمة لتتمسك بمبادئها، و تحافظ على أصولها، وتسير على قيمها الربانية، وتقدم منهجها القرآني على غيره، في جميع المجالات الحياة، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، ولا تستعير التجارب الفاشلة، أو تتمسك بمنهج بشري ينجح حقبة من الزمن، ثم يفشل، وتؤكد ذلك التجارب الحياتية أو الأزمات المالية المتكررة أو الكوارث المتنوعة؛ والتي ينبغي أن تجعلنا نتمسك بما عندنا من منهج شامل متكامل ارتضاه الله لنا، وهو يؤكد أننا ننتفع ونستفيد بتجارب الآخرين لكن دون تغيير الثوابت، أو رفض الأصول، أو تغيير القيم أو هدم المبادئ.
لها أون لاين