د.ديمة طهبوب
لا يكاد يوم يمضي في الصحافة البريطانية الرصينة والشعبية إلا وأخبار العائلة المالكة تتصدر الصفحات، لدرجة أن استطلاعا بين أن الملكة اليزابيث هي من أكثر النساء المحبوبات في بريطانيا، ولكن الأخبار التي تناولت بقية العائلة المالكة على مدى سنين كانت تركز على الحالة العاطفية لهم، وحتى بعد انقضاء فضائح الأميرة ديانا استمر التحقيق في موتها يحتل قلب الصحافة البريطانية، ويبدو أن الشعب البريطاني لدرجة ولعه بها حرص أن تحل محلها ديانا أخرى يرشحها الشعب، لتدخل أحضان الأسرة المالكة، وهذه لم تكن سوى كيت ميدلتون صديقة الأمير وليم ابن الأمير تشارلز وديانا، وأحد المرشحين لولاية العهد، وقد حرصت وسائل الإعلام على نقل تطورات العلاقة بالصوت والصورة في مراحلها المختلفة والمتقلبة كأجواء بريطانيا، بين شد وجذب، ولقاء وفراق، والجمهور ينتظر كل يوم خبرا وموقفا جديدا، على طريقة نزع أوراق الورد، للاختيار بين أحبك ولا أحبك، أريدك ولا أريدك.
ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه، فديانا الجديدة لا تلقى التأييد من العائلة المالكة، حتى إنها انفصلت مرارا ورسميا عن الأمير وليم، وآخرها كان بعد اجتماع للأمير وليم بجديه الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا وزوجها، ووالده الأمير تشارلز، والذي تسرب عنه رفض الكبار لاختيار وليم؛ لأن كيت ميدلتون (وللمصادفة فإن اسم العائلة يوحي بمعنى الشيء المتوسط) لا تتناسب مع مقام العائلة المالكة، ولأن بإمكان وليم الذي ما زال شابا أن يتعرف على فتاة أفضل دون عجلة، أما المحللون فقد قالوا إن السبب وراء رفض كيت هو عدم رغبة الملكة وابنها بتكرار مأساة ديانا باختيار فتاة من عامة الشعب ترفض الدخول في بيت الطاعة الملكي. وقد كتب تيم هامس في جريدة التايمز أن تصرف الأمير وليم لم يكن مفاجئا على الإطلاق، فكما هو وريث لعرش بريطانيا فهو أيضا وريث لتاريخ من الأجداد، معروفين بعلاقاتهم النسوية المتشعبة قبل وأثناء وبعد الزواج، وأورد في مقالته بعنوان "تاريخ مضطرب في البحث عن رفيقة" أن الملك جورج الثالث أصدر عام 1772 قانونا للزيجات الملكية يمنح من خلاله صلاحيات للملك أو الملكة بمنع أي فرد من أفراد العائلة المالكة من إتمام زواج لا يحصل على الموافقة الملكية، وذكر أن هذا القانون جاء كخطوة من الملك جورج لتقييد تصرفات أخويه وليم وهنري، فالأول اتهم بالزنى (عندما كان الزنى تهمة في بريطانيا) ثم تزوج من آن هيتون التي وصفتها كتب التاريخ بأنها كانت زوجة للكثيرين، إلى جانب زوجها، أما الأمير هنري فقد تزوج سرا بعيدا عن أعين أخيه الملك، الذي فضح الأمر بعد أن حملت زوجته، ويتابع الكاتب أن الملك جورج نفسه اضطر إلى ترك عشيقته سارة لينوكس لكي يعتلي عرش بريطانيا، واضطر للزواج الرسمي استجابة لمتطلبات المُلك من سيدة انتقاها لتناسب مقام العرش والعائلة المالكة.
ويعرض المقال أن التاريخ يسجل أن كثيرا من أمراء التاج البريطاني تزوجوا إما بممثلات أو نساء أجنبيات.
أما الملك جورج السادس فقد عاش حياة الخطيئة على حد تعبير الكاتب مع الممثلة برديتا روبنسون، ثم انتقل منها إلى الليدي ملبورن زوجة اللورد ملبورن، ثم منها إلى سيدة كاثوليكية، مخالفا بذلك تعاليم الكنيسة الإنجيلية التي تقضي بضرورة الزواج بامرأة تتبع المذهب الإنجليي، ووافق على تركها بناء على صفقة مع البرلمان وافق البرلمان من خلالها على تسديد ديونه الطائلة بحساب ذلك الزمن، والبالغة 650000 ألف باوند . أما شقيق الملك وليم السادس فقد عاش مع ممثلة معروفة باسم السيدة جوردن مدة عشرين عاما دون زواج، أنجب منها خلالها عشرة أطفال، ومن ذريته رئيس حزب المحافظين ديفيد كاميرون. أما الملك إدوارد السابع فكان على علاقة ببائعة هوى، وقد سارعت أمه إلى تزويجه من ألكسندرا، وهي أميرة من الدنمارك، إلا أن وعود الزواج التي قطعها لها بالوفاء والاحترام لم تحل بينه وبين استئناف حياة اللهو التي كان يعيشها قبل الزواج، والتمتع بالممثلات وزوجات رجال بلاطه. وللمصادفة فان إحدى خليلاته وهي أليس كيبل، هي احدى جدات كاميلا باركر بولز زوجة الأمير تشارلز، وقد ذكرت كاميلا هذه المعلومة للأمير تشارلز عندما التقيا لأول مرة، ربما في محاولة لإنعاش الذاكرة، وإحياء الماضي وتجديده في الحاضر، الأمر الذي كان وتحقق.
ويستمر المقال في سرد تاريخ طويل للعائلة المالكة يؤكد تعدد العشيقات والعشاق في بعض الفترات التي انغمس فيها بعض الأمراء بعلاقات شاذة كالأمير ألبرت فكتور، ابن الملك إدوارد الذي مات بسبب كثرة الأمراض الجنسية التي استفحلت في جسده.
ولهذا يبدو أن الأمير وليم مؤصل من الطرفين، وريث أمه وأبيه، أمه التي عرف عنها كذلك تعدد علاقاتها أثناء زواجها بالأمير تشارلز، والتي كان آخرها بعد طلاقها وقبل مماتها مع المليونير المصري عماد الفايد.
وفيما دون ذلك من التفسيرات العديدة التي أحاطت بالخبر، لم يعلق أحد على الامتهان التي تعرضت له كيت ميدلتون لمدة سنوات كصديقة أو عشيقة للأمير وليم!!! والسؤال هنا: تحت أي قانون لحرية المرأة يمكن أن يفسر هذا الاستخدام الليلي والنهاري للجسد والنفس والمشاعر، الذي انتهى إلى سراب بقيعة ؟؟؟ تحت أي مسمى من أسماء الحب يمكن أن ينظر للعلاقة التي كانت بينهما؟؟ هل كانت ميدلتون فأرة تجارب، أم حصانا للسباق يطلق عليه صاحبه رصاصة الرحمة متى تقرر أنه لا ينفع؟ انتظرت جاك سترو المنافح عن حرية المرأة البريطانية الذي تصدى لنقاب المسلمات البريطانيات بحجة أنه يحدد الحرية ويضعف الشخصية، أن ينبري للدفاع عن كيت ميدلتون ومثيلاتها من اللواتي يتسلى بهن الرجال ثم يتركونهن على قارعة الطريق لا نظيفات، ولا عشيقات، ولا زوجات، أليس هذا الاستهلاك العاطفي والجسدي لمدة سنوات جريمة تحطم المرأة؟؟
أما رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير فقد صرح حينها بأنهما ما زالا يافعين، والمستقبل أمامهما، ولكن ماذا عن الضريبة التي دفعتها ميدلتون وغيرها من النساء اللواتي يبذلن الغالي من أجل الرخيص؟؟
هذه الثقافة بإطلاق العلاقات بين الجنسين، هي نفسها التي يروج لها في بلادنا كضرورة من ضرورات الحرية والانطلاق والانعتاق من قيود الماضي، الثقافة التي تريد أن تصبح نساء العرب العفيفات ككيت ميدلتون وغيرها، بضاعة لمن أراد أن يشتري، بضاعة ترد إذا لم تناسب أو إذا توقفت الحاجة إليها.
سيبقى على جبين مثل هؤلاء النساء وأجسادهن ومشاعرهن آثار الاستغلال والتلاعب، آثار لا تمحى مهما تنقلن وعاشرن وصادقن.
الجواب في القصة أن التاريخ يعيد نفسه، وأن العرق دساس، وأن الابن سر أبيه.
أما الجواب في العبرة لمن يعتبر من النساء والمجتمعات أن السعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ بنفسه، وأن التقليد دون فهم أو حاجة ليس إلا تحضيرا للخسران في يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، وفصيلته التي تؤويه.

 

جريدة السبيل

JoomShaper