لا أهدف من خلال هذا المقال الوقوف على المغالطات واللغط الكثير الذي نسمعه و نشاهده و نعيشه في يومياتنا العربية، حتى أصبحنا نتحدث عن أزمة المرأة و محنتها و ظلامتها، بينما الأزمة ذات صلة بمجتمع و بمنظومة ثقافية سائدة بين العرب، ثم إن الاستقراء الكبير و الدقيق لمشاكل اجتماعنا يوحي أن المرأة –الإنسان فرطنا في حقوقها و إنسانيتها –بالأخص-، حتى ظننا أنها عنوان ثانوي في الاجتماع وحاولنا الاحتجاج بلي النصوص بما يتوافق و عصبياتنا البليدة، لكنها في الأصل هي المنطلق و الحاضن الأساسي لنشأة أي مجتمع حضاري و سليم مثلها مثل الرجل...
و المرأة يقرؤها الغالب الأعم في واقعنا العربي قراءة جنسية بعيدة عن نظرة الإسلام لها، فالشباب و الشابات اليوم لو سألناهم عن نظرة الإسلام للمرأة لأحتار الجميع ولو قيل لإنسان مسلم بسيط تحدث لنا عن المرأة في الإسلام، لتحدث طويلاً ومَلياً لكنه لن يأتي - إلا من رحم الله - بالقواعد الضابطة والملامح الراسمة للمرأة في القرآن الكريم و السنة المطهرة الصحيحة ، لذلك ومنذ أكثر من سنة حضرت رفقة صديق جلسة فكرية حول المشاكل الاجتماعية في واقعنا العربي، فتعجبت من تحليل أحد المثقفين الإسلاميين، بأن السبب الرئيسي هي المرأة و لولا اندماجها في الحياة العامة و تدخلها في الشؤون العامة من سياسة(الترشح) و اقتصاد وثقافة وتعليم وإعلام وحتى المسائل الدينية و سياقة السيارة ووو....، لما تخلفت مجتمعاتنا و زاد الفساد فيها.... !
لم أتمالك نفسي حينها و اعترضت عليه بأدب و سألته: ألم يكن للمرأة دور مركزي في بناء المجتمع الإسلامي الأول؟ وهل رأيك هذا مبني على أساس تخريج شرعي و تأسيس موضوعي أم إنفعالي؟ فأجابني: صحيح كان لها دورا ما و لا أقصد بحكمي أمهات المؤمنين و الصحابيات و بنات النبي (ص) و التابعيات (!) و بالنسبة للشرع هناك أحاديث كثيرة تحثها على أن تلتزم بيتها ( !!)...
وعلى هذا المنوال هناك نسخ متعددة لهذا الطرح بخصوص المرأة في حياتنا، و الملاحظ أن هذا المثقف استدل بالحديث و لم يذكر القرآن ، على كل تناقشنا و قدمت له نماذج قرآنية وتاريخية عظيمة وطلبت منه أن يبحث في الموضوع دون حساسية و أحكام مسبقة ضد المرأة-الإنسان...
ومنذ ذلك الحين، قررت بيني وبين نفسي أن أكتب عن المرأة المسلمة وفق ما جاء في كتاب الله عز وجل من أجل أن تكون هذه الحقائق منطلقاتٍ في ذهننا، وبالتالي نفصل عليها ونتوسع فيها عندما يستلزم الأمر استدلالاً وتوسعاً...
1- في القرآن، المرأة والرجل من أصل واحد لا خلاف في هذا، والله عز وجل قال: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً﴾ (النساء: 1) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في سنن أبي داود: "إنما النساء شقائق الرجال" المرأة والرجل من أصل واحد ولا خلاف. لنتفكر ونتدبر في الآيات قبل أن نتحدث عن المرأة في الإسلام وعن التصور الإسلامي للمرأة ،حيث أنبه أنني أذكر متناً وأترك الشرح لقارئ الكريم (امرأة و رجلا)، وأريد أن يستقرّ المتن في أذهاننا، فإذا ما سئلنا بشكل مُجمَل أجبنا بهذا المتن وإذا ما اقتضى الأمر شرحاً وتفصيلاً شرحنا وفصلنا وأفحمنا من يحاول إسقاط إنسانية المرأة.
2- المرأة في القرآن شخصية مستقلة قال عزوجل: ﴿ إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾ (الأحزاب/35) تحدث ربي عن المؤمنين والمؤمنات ولم يجمل الأنثى والذكر بجمع المذكر على سبيل التغليب فلم يقل إن المسلمين والمؤمنين والقانتين والصادقين.. وهذا جائز في اللغة إذا ما ذكر ذلك وعناه، أي أراد مع الرجال النساء، لكنه لم يذكر المرأة والرجل بجمع المذكر السالم وإن كان جائز لغة وتعبيراً، لم يذكر هذا، بل ذكر المؤمنين والمؤمنات، المذكر والمؤنث، أي جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم، و يستمر القرآن أيضاً: ﴿من عمل صالحاً﴾ و يفصل لنا حتى لا يفهم أن (مَنْ) تطال الذكر أكثر من الأنثى ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ (النحل: 97) أيضاً كان بالإمكان اللغوي أن يقول ربنا عز وجل من عمل صالحاً وهو مؤمن وأن لا يذكر من ذكر أو أنثى وأن يترك الأمر لفهم الناس، لكن القرآن الكريم ذكر ذلك احترازاً من أن يفهم الناس أن المخاطب الأول هو الرجل الذكر وأن المرأة شخصية مندرجة فيه وبالتالي تُخاطَبُ من خلال الرجل، لا، لا، الخطاب للرجل والمرأة، للذكر والأنثى على مسافة واحدة ﴿من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة﴾ النحل: 97.
3- المرأة في القرآن تشارك في الحياة الاجتماعية، وأركز على القرآن لأنني عزمت أن أذكر ملامح المرأة من خلال المصدر الرئيس لنا وهو القرآن الكريم، الله عز وجل قال: ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ (التوبة: 71) المرأة ولية الرجل، والرجل ولي المرأة، والولاية متبادلة بين المرأة والرجل ﴿بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ التوبة: 71 والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نشاط اجتماعي ومن خلال الأمر بالمعروف ودعوة المرأة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي كل ما يمكن أن يكون مترتباً على الرجل من الناحية الاجتماعية فهو مترتب على المرأة "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" على حدٍ سواء بين الرجل والمرأة "الرجل راعٍ ومسؤول عن رعيته" هكذا قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في البخاري "والمرأة راعية في بيت زوجها". المرأة راعية في بيت الزوجية، لها حق الرعاية، لها حق النشاط الاجتماعي، وهو الرعاية الاجتماعية كما للرجل فالرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها...
4- المرأة تشارك في النشاط السياسي أيضاً واسألوا القرآن الكريم كيف تحدث عن ملكة سبأ وحديثه عنها حديث عن امرأة مارست أمراً طبيعياً هو حق لها و عن العذراء مريم عليها السلام، سلوا القرآن عندما قال:
﴿يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك﴾ (الممتحنة: 12) والمبايعة مفردة سياسية بعدها قال ربي عز وجل ﴿فبايعهن﴾ فالمرأة تشارك في النشاط السياسي فالله عز وجل قال: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات﴾ (الممتحنة: 10)
والهجرة نشاط سياسي، والإسلام تحدث عن المرأة الحكيمة والمبايعة وعن المرأة المهاجرة وكلا الأمرين نشاط سياسي ولا ينفصلان عنه.
5- المرأة ذات أهلية كاملة، نقرأ القرآن الكريم بعين واعية جادة ﴿للرجال نصيب مما اكتسبوا﴾ (النساء: 4) لم يقتصر الأمر خشية أن يفهم الناس أن الرجال هم أصحاب الأهلية قال: ﴿وللنساء نصيب مما اكتسبن﴾ (النساء: 4) المرأة تكتسب وتكسب، تلتزم وتلزم، والرجل يلتزم ويلزم، ويروي الإمام أحمد والقصة معروفة مشهورة والحديث حسن صحيح "أن فتاةً بكراً أتت النبي عليه وآله الصلاة والسلام تشكو أباها، قالت: يا رسول الله إن أبي هذا زوجني من ابن أخيه - زوجني رغماً عني - وأنا له كارهة ليرفع بي خسيسته - ولم أكن فيه أنا صاحبة الأهلية وأنا المعنية في هذه القضية - فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اختاري" خيرها بين أن تفسخ العقد فالعقد غير مكتمل وموقوف وفي حكم الباطل، إذا لم يُجِزه صاحب الشأن قال لها اختاري فوقفت هنيهة - ثم قالت: اخترتُ ما اختار أبي. فقيل لها: لم فعلتِ ذلك؟ فقالت: حتى يعلم الناس أنه ليس للآباء في هذا الأمر شيء"...
هذه بعض النقاط المهمة بخصوص التصور الإسلامي لموقعية المرأة في المجتمع الإسلامي، فهناك الميراث وما إلى ذلك لو تحدثنا عنه لطال بنا الحديث و فقه النساء وما يحتوي من عدل واحترام لشخصية المرأة و كرامتها واهتمام التشريع بشخصيتها لتكون عنصرا صالحا بناءا في مجتمعها، هكذا حاولت الدعوة لمراجعة علاقتنا بالمرأة –الإنسان(الأم، الأخت ، الزوجة، البنت ...) وذلك على ضوء الإسلام الأصيل و ليس من خلال جاهليتنا وانفعالاتنا و تعالمنا...
بصراحة: علينا ألا نتكلم عن الإسلام إلا من خلال مصادره الموثوقة وإلا فقضايا جد خطيرة كقضية المرأة سوء الحديث عنها قد يجعل من إسلامنا فيما بعد إسلاماً غير مقبول لأننا نتحدث عن عاداتنا و جهلنا بأنها الإسلام وهناك فروقات كثيرة بين التراث و الدين، فهناك عادات في مجتمعاتنا غير مقبولة لدى آخرين ويحق لهم ألا يقبلوها فهي عاداتٌ تتناسب مع الزمن الذي يعيش فيه الإنسان الذي اعتاد عليها مع المكان الذي نشأ فيه، فعلينا أن نقدم للمرأة صورتها الحقيقية المشرقة كما رسمها الإسلام، ويجب أن تُقدَّمها و نحترمها و نتعامل معها على أنها مخلوق أسمى كالرجل، و للخلاص من هذا التخلف الثقافي -الاجتماعي في النظر للمرأة علينا أن نرجع للثقل الأكبر القرآن الكريم و السنة النبوية و الإمامية المطهرة الثقل الأصغر. لنفهم كيف ناقش القرآن قضية المرأة في السلب والإيجاب، في الحقوق و الواجبات ، في الماضي و المستقبل ، والإنسانية والرسالة...
بكلمة الوزارات والمعنيين والاتحادات النسائية و المثقفين و الإعلاميين وعلماء الدين في كل البلاد الإسلامية، عليهم أن يتحملوا مسؤوليتهم في التربية والعدل و المواطنة و التأهيل تجاه هذا الإنسان المكرم و صاحب الدور البارز في بناء الحضارة حسب المنهاج الإسلامي الأصيل من الميلاد حتى الرشد ودخوله معترك الحياة، ونبقى مع القرآن المصدر الأساسي للبناء الحضاري عند المسلمين حتى لا نكون ممن قال فيهم ﴿... أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ ( النحل/59)
و الله من وراء القصد
المهندس غريبي مراد عبد الملك
شبكة والفجر الثقافية