وائل بن إبراهيم بركات

عندما يتم التسويق لمصطلحات لا تمت للواقع، وتصبح ديدن الإعلام، عندها تنقلب الموازين، وتحل الإهانة مكان التكريم، وتنعدم الرؤية الصحيحة لمكانة ومنزلة المرأة، وخاصة ربة البيت، رغم تشدق الإعلام بالحب والفرح والسلام، إلا أن ربة البيت لا تحصل على شيء من هذا. بل يكون مصيرها النظرة الدونية والاحتقار.
إن ربة البيت التي هي في الحقيقة أم. والأم مهمة صعبة، والأمومة أكبر من أن تحصر في الولادة فقط.
إن إدارة البيت، ورعاية شؤونه، فن يحتاج إلى التدريب عليه، ولا يتم بين يوم وليلة، فهو ليس مجرد طبخات تطبخها حتى تجيدها، ولا مجرد تنظيف المنزل وترتيبه، وإنما هو قبل كل شيء مسؤولية. وفرق كبير بين فتاة دربت على القيام بهذه المسؤولية، وفتاة لم تدرب عليها، وإن أجادت الطهي والتنظيف والترتيب، إنما الشعور بالمسؤولية، هو الحافز الذي يحفز على متابعة شؤون البيت، ووضع كل

شيء في مكانه، وإعداد العدة لما يحتاج إلى إعداد. قال رسول الله e "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها "(متفق عليه).
والفتاة التي تنشغل بدراستها عن البيت، ثم بعد تخرجها تعمل بعيدة عن البيت، فكيف نجد لديها هذا الشعور بالمسؤولية؟ ولا ننس أن من أهل الفساد من يريد من المرأة أن تعمل لكي تخرج من البيت فحسب. فالبيت هو الحصن الآمن لجسد المرأة وروحها ولعفتها ولأخلاقها، وسلوكها، وكرامتها. والبيت هو المدرسة الحقيقية التي تتعلم فيها الزوجة والزوج والأولاد.
إن بعضهم يريد منها أن تخرج؛ ليسهل تدميرها، وبالتالي تدمير أسرتها ومجتمعها، فيصفون البيت وينعتونه في شتى وسائلهم بأقبح الألفاظ والصفات: البيت هو السجن. هو الضيق. هو الظلام. هو التأخر. هو الرجعية. هو التقاليد البالية. هو القرون الوسطى المظلمة. هو سي السيد. هو شل حركة المجتمع وتأخره. وهكذا ينعت البيت بكل نعت منفر مبغض.
وهكذا تلعب المصطلحات والألفاظ المقلوبة، في تدمير المرأة كامرأة.
ولذا يجب أن نعيد للمرأة مصطلحاتها التي تليق بها، كامرأة مكرمة ذات كيان، وكامرأة ذات غاية تعيش لها، وكربة بيت.
إن ربة البيت تتعامل مع الإنسان، أي مع الحياة، مع الوجود، وذلك منذ حمله في بطنها، حتى ولاتها، ثم تعاملها معه كرضيع وطفل، ويمتد التعامل حتى وفاته، فهي تتعامل معه في كافة مراحله، الطفولة والصبا والشباب والنضوج؛ ولذا فهي تعتبر بحق "باحثة ومنفذة في مجال الطفل والعلوم الإنسانية"، والحياة هي المعمل الحقيقي لها، فهي تعمل داخل البيت وخارجه من أجل الإنسان، أكثر من 18 ساعة، بل ويمتد عملها إلى 24 ساعة، لا ترتاح ليلا ولا نهارا من أجل الإنسان. ولا تشتكي تعبا أو قلقا.
إن كل مهنة في العالم، وراءها مهنة الأمومة. وكل نجاح خلفه ربة البيت، وكل إنسان مهما كان شأنه، ومهما كان منصبه، ومهما كان عمله، ومهما كانت حياته وراءه وأمامه أم. وتحيط به ربة بيت. وتعينه قلبا وقالبا، باحثة ومنفذة في مجال الطفل والعلوم الإنسانية، ثم يأتي من يقول: إن عمل المرأة كربة بيت هو امتهان لها. وما علم أن ربة البيت هي من أنشأته وربته وعلمته، ودعت له وتابعته حتى وصل إلى ما وصل إليه.
في البيت أم، الجنة تحت أقدامها.
في البيت: أخت تدخل السرور إلى قلبك، فهي مؤنسة لك، تحافظ عليك.
في البيت: بنت تدعو لك؛ لأنك أحسنت اختيار أمها التي هي ربة بيت، فأحسنتما تربيتها، فإذا هي حاجز لك من النار.
في البيت: جدة عطوفة حنونة، لا يفتر لسانها عن الدعاء لك.
في البيت: عمات وخالات، إن وصلتهن، قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى.(رواه مسلم).
في البيت: ربة بيت.
في البيت: باحثة ومنفذة في مجال الطفل والعلوم الإنسانية، فسلام الله عليها.

JoomShaper