منى الشمري
شهر مارس شهر المرأة، فيه يوم المرأة العالمي وعيد الأم.. وبالتالي يلعب التسويق دوره في إشعال شمعة في ظلام أوضاعها الاجتماعية والمهنية، لترتفع المطالبات بترقّيها في مناصب عالم السياسة وإدارة الأعمال والمحاكم، في عرس إعلامي وزفة ومزامير وخطب رنانة وملتقيات تدافع عن حقوقها، وبوق يملأ الدنيا صخباً في الدفاع عنها، بينما يسيل لعابه على مشيتها.. ومدّعٍ يذود بروحه عن معاناتها، بينما يتمنى لو يتمرغ وجهه في غبار كعبها.
وبعيدا عن ضوضاء الحقوق وضجيج ألوية الدفاع وحشد المطالبات، تنتظر امرأة رقيقة أن «يحل عن سماها».. كل هذا، وأن تنزع انغماس الرجل الكاذب في تفاصيل حياتها، وأن يمسح دموعه عليها بعيدا عن مناديلها بكل تهذيب، لأن جل ما تحلم به ألا يحاصر عالمها «عالم الحريم» -كما يصفه- الذي تتلصص عليه نظرات الرجال من كل حدب نافذةٍ وصوب بابٍ.
ما تحلم به المرأة أن تتحرر من قيود الالتزامات التي صادرت حريتها الداخلية بأوامر متعسفة في عنف يتنامى ضدها، لفظيا، مؤسسيا، مجتمعيا وأسريا.
حتى تحولت رزنامة أيامها إلى مواعيد للطبخ، تدريس الأولاد، ساعة الدواء، مهام وملفات العمل تحملها للبيت، ووسط هذه الفوضى اليومية تحوّل قلبها إلى مخزن للعفش القديم، وذبلت روحها مثل وردة نسيناها في كتاب قرأناه حتى جفت.
المرأة في داخلها طاقة نهر جارف تسبح بوداعة وهدوء، وتكره الاندفاع عكس التيار حتى لا تلطم صخورُ قاعها وجهَها فجأة، فتشعر بالانفصال عن ذاتها وسط سياقات أخرى لم تخطط لأن تخطفها إلى هذا الحد.
ما تحلم به شحنة عاطفية حقيقية تبلل روحها بمشاعر شفافة، تدور في فلكها وتأخذها من كل مَن حولها.. تريد حناناً من أب يتفقد أوضاعها في بيتها حتى لو ادعت بأن أمورها على ما يرام، تريد أخاً يربّت على كتفها ويعينها على مصائب الليالي والأيام.. وتريد زوجاً يكون توأماً لروحها.. لا كائنا أنانيا يعيش في مرآة نفسه فحسب، تنتظر دعماً من مسؤولها في العمل لتنتفض إبداعاً وتعبيراً وتميزاً، ولفتة ذكية من الرجل الذي لا يصغي لصوت نبضها الداخلي وإيقاعها الخاص حتى لو تحول هذا النبض إلى ما يشبه النواح، لأن ثمة نفوسا متعالية تسحق آدميتها.. وتلغي كينونتها، وتفجّر في داخلها طاقة سلبية ينوء عاتقها بحملها.
في كل أيامها وأعيادها لا تحتاج إلى ورود مزيفة وشموع برائحة الحريق وشوكولا بطعم الصدأ. إنها تحلم طوال العام بنظرة تقدير مهذبة، وأفواه تفوح منها رائحة الهيل والنعناع لا أوامر متعسفة ولا إهانات ولا شتائم في تعامل الرجل معها، كل رجل وأي رجل قريب أو بعيد، وهي لا تبالغ في أمانيها، ولا تطلب المستحيل، لأن طلباتها مجانية و«ببلاش» يا معشر الرجال.
صحيفة أوان