كميل السلطان
الجدل الكبير حول موضوع المرأة , والذي اشغل ألسن الناس, وحرك أقلام الكتاب , وتاجرت به الصحف في مطالعاتها والفضائيات في برامجها بين الفينة والأخرى , جدل تمحور مابين المناصرة والمناهضة لحقوقها , ومابين مطالب لها بالحقوق وداع لمساواتها بالرجل , ومنضر للوصاية عليها , دوامة من الاختلافات والوجهات المعاكسة والتباين في التعاطي مع هذا الجدل الذي يخمد ولا يرمد حتى تطالعنا فتوى أو قضية تشعل الرأي العام وتشغله أو حتى مقالة تثير الغبار لتبدأ دوامة الجدل من جديد .
المرأة بين هلالين , هل تختلف من مجتمع لآخر ؟ قطعا ليس هنالك اختلاف أو فرق في تكوين النساء , إنما يوجد الاختلاف والتمايز في البيئة الجغرافية والاجتماعية , والتنشئة العقدية الدينية , فمما لا شك فيه أننا نؤمن ونسلم بتعاليم ديننا الحنيف التي أطرت المرأة في إطار شرعي محترم , يحفظ للمرأة هيبتها وكرامتها وعزتها التي أعزها بها الدين فألهمها قوة ومنعه مع ضعفها نؤمن بها وندعو إلى احترامها والالتزام بها, وبالتالي فإن هذا الاختلاف في البيئة الجغرافية يعطي مؤشرا على تعدد الثقافات , فما هو محرم عرفا في بيئة ذات طابع صحراوي مرحب به في بيئة أخرى , والعكس قد يكون صحيحا في بيئات اجتماعية أخرى , إذ تبقى الأعراف هي من تلعب لعبتها في تشكيل وتأهيل المرأة تبعا للظروف البيئية وما تعارفت عليها.
وبتسليط الضوء على وضع المرأة في السعودية , سنجد التفاوت والجدل الذي أشير إليه آنفا في المقدمة بكافة فروعه وأقسامه , وفي خضم هذه المعارك الفكرية حول المرأة , ستجد أن صوت المرأة يغيب عن المشاركة في تطلعاتها , أو ربما غيّب وهمش عن الساحة بسبب قيود المجتمع التي لا تكفل لها حقها في التعبير عن نفسها.
دار جدل واسع حول السماح للمرأة بقيادة السيارة , و صاحبه انشطار المجتمع إلى مؤيد ومعارض لقيادتها السيارة ,جدلية بطنت لدي اختلاجات عديدة وألغاز صاحبتني ودفعتني للتساؤل متعجبا: يا سبحان الله! هل يجب أن يوافق المجتمع على أمر بديهي ؟ , أمر لا تحرمه الأنظمة والقوانين الوضعية ,فضلا عن الأديان السماوية كافة, ولا تقبحه الفطرة , حتى يضج الشارع بالحراك والعراك حول هذا الشأن, وإن قلنا أنه من البداهة قيادة المرأة للسيارة , فإنه الآن بات من الضروريات التي تصون كرامة الكثير من الأسر التي ابتلاها الله بفقد عائلها , وأضحى من المسلمات التي تحفظ هيبة المرأة في ظل العولمة والفساد الاجتماعي, المرأة السعودية وبإجماع الكل تمتلك القدرة على قيادة أسرها , وقيادة بيتها , وقيادة إدارات و وزارات بكفاءة متناهية , فأين هذا كله من قيادة مركبة؟!.
وحين أقرت وزارة المعارف سابقا قرار إلتحاق البنات في الفصول الدراسية للتحصيل العلمي وجدت صعوبة كبيرة في بداية الأمر فلم يقبل المجتمع على القرار ويستسيغه بشكل جيد , في حين نرى اليوم الانفتاح على القرار حتى أصبح لزاما عليهن أن يتعلمن ,فاليوم مجتمعنا لا يقبل بالمرأة الأمية , بعد أن أثبتت الأيام أهمية تعلمها ودورها الرائد وأثرها في التربية والتنشئة الحقة , وعليه فإن ازدهار التعليم في يومنا الحاضر أثبت تفوق المرأة علميا وفي ميادين كثيرة وساحات شتى في زمن قصير مقارنة بغيرنا ممن سبقونا , ومن باب الشيء بالشيء يذكر وعلى ذكر التربية والتعليم يخالجني أيضا تساءل آخر ,فلماذا لم تدرج إلى الآن حصصا للتربية البدنية للفتيات في المدارس, سيما وأن المدرسة توفر كل الضوابط لتمارس الفتاة الرياضة التي تتلازم وصحة العقل لفتياتنا, إذن وبالعودة مرة أخرى لما تحقق من نهضة تعليمية رائدة في بلادنا , أجبرت أعرق الجامعات العالمية للتهافت على ضم العديد من العقول النسوية ,للاستفادة من علومهن , فنجد العالمة السعودية , والأديبة السعودية , والطبيبة السعودية , والمكتشفة السعودية, والتاجرة السعودية , كلهن تربين وترعرعن في هذا البلاد المعطاء , فهذا ليس بالغريب ولا بالعجيب ذلك , إنما حينما نقف مع هذا الكم والكيف والنوعية والنماذج المشرقة لبلادنا , فلا يتم الاستفادة من هذه الثروة البشرية بإفساح المجالات وفتح الأبواب الموصدة في وجه المرأة , كل ما طولعنا به هو السماح لهن بالعمل خادمات في البيوت وفق ضوابط ومعايير مدروسة, على أن هذه الإجازة للمرأة للعمل كخادمة لا تخدم إلا فئة محدودة جدا من النساء, فلدينا الكثير من النساء ذوات المؤهلات العلمية عاطلات عن العمل لا يتماشى هذا القرار وطموحهن كنسوة متعلمات, وعليه فإن قرارا جريئا كهذا كان يجب أن يصاحبه قرارات أخرى تسمح للمرأة بالعمل في مجالات كثيرة ويستهدف كل الظروف التي قد تحيط بالمرأة وتحفظ أيضا للمرأة مكانتها , وتفتح لها أبوابا للعمل والرزق سدا للعوز وإلقاء عبء من الأعباء من على كاهل الجمعيات الخيرية وكفا عن السؤال في ظروف قد تلم بها لا يعلم بها إلا الله وحده, أو لعل صرخة من صرخات الأسى تدوي مسامعنا وتفطر قلوبنا كتلك التي طالعتنا بها القناة السعودية لامرأة تكالبت عليها قسوة الأعراف والأنظمة وقهر النوائب وتصاريف الأيام وهي تطلب أن تسد رمق جوعها وجوع بنياتها وصغارها ولو بلحم حمار.
الوصاية على المرأة بهذا الشكل وصاية قاهرة قاسية أكثر من الظروف نفسها التي قد تمر بها وهي كفؤ أن تتجاوزها إلا أن ما يحول بينها وبين تجاوز كل تلك الظروف والعقبات هي تلك الوصاية والتعنت وفرض القيود والحصون والقلاع وتكبيلها دونما مفاتيح , ولا شك أننا قد عطلنا نصف المجتمع عن العطاء والمشاركة, فهل من فجر جديد يلوح في سماء العطاء والفعالية الاجتماعية للمرأة السعودية؟.
شبكة والفجر الثقافية