منتصر أبو نبوت-دمشق
تسير ببطء شديد وتحاول الاستمتاع أكثر وقت ممكن في حدائق جامعة دمشق قبل أن تصل ياسمين الشريف إلى غرفتها في السكن الجامعي. تُكرر ذلك الأمر يوميا رغبة منها في الخروج من أجواء الغرفة الصغيرة التي تنعدم فيها كل المقومات الأساسية للحياة.
تسكن ياسمين مع طالبتين ويتقاسمن المعاناة ذاتها، فهن من محافظات سورية مختلفة اضطررن للسكن الجامعي بسبب مصاعب الحياة، وتحملن عناء قضاء سنوات الدراسة في غرف قديمة، وأبنية متهالكة تشهد أيضا قلة اهتمام واضحة ولا تخفى على أحد.


للوهلة الأولى، عند دخول أي شخص إلى حرم المدينة الجامعية، يشعر أن تلك الأبنية لم تصمم للطلاب بل هي "مهاجع" للجيش بحسب وصف ياسمين التي قالت للجزيرة نت، إن الوحدات السكنية للبنات والشباب التي يبلغ عددها نحو 28 وحدة غير مناسبة للطلاب ولا تصلح للعيش.
وأضافت أن الغرفة التي تسكنها مع زميلتيها تعتبر أفضل من غرف كثيرة، لأنها عملت على تأمين جميع الأساسيات فيها من ستائر وأغطية وثلاجة وأدوات المطبخ، ووصفت ياسمين (اسم مستعار) الحياة في السكن الجامعي بــ"مهاجع" جنود الجيش أو السجون.
ويتشارك كل مجموعة من الطلاب بالمرافق المتوفرة للسكن من حمامات ومطابخ وغيرها، الأمر الذي يجعل تلك المرافق متسخة دائما، دون أن تسعى إدارة المدينة الجامعية إلى تحسين الوضع أمام الطلاب خصوصا فيما يتعلق بنظافة المرفقات التابعة للسكن.
إيجار تشاركي
ويعتمد الطلاب الوافدون من محافظات سورية أخرى إلى دمشق أو أي مدينة يعتزمون الدراسة بجامعتها، إلى استئجار منزل يتشارك فيه طلاب يعرفون بعضهم بعضا ويكونون غالبا من المحافظة ذاتها، لكن هذا الأمر لم يعد سهلا ولا متوفرا بسبب عدة عوامل.
أهم هذه العوامل -حسب الطالب في كلية الآداب بجامعة دمشق هشام قرة- أن العاصمة تشهد أساسا أزمة سكنية خانقة بعد أن نزح إليها عدد كبير من سكان المحافظات الأخرى، كما أن إيجارات المنازل باتت مرتفعة بشكل فاحش.
وأكد بحديثه للجزيرة نت، أنه حاول الظفر بمنزل بعد أن جاء من مدينته حمص إلى دمشق، دون أن يتمكن من تحقيق ذلك، لأن أسعار إيجار منزل قرب جامعته لا تقل عن 150 ألف ليرة (ما يعادل ثلاثمئة دولار)، وهذا ما لا يمكنه دفعه في ظل الظروف التي يمر بها أهله.
وقد انتهى به المطاف في المدينة الجامعية التي كان يرفض فكرة أن يسكن فيها، خصوصا أن من كان يسكنها سابقا هم الطلاب الأكثر فقرا ولا يمكنهم الاستئجار أساسا. أما في هذا الوقت -بحسب ما قال قرة- فإن أكثر من 80% من الوافدين من محافظات أخرى يحاولون الحصول على غرفة في هذا السكن الذي يضم عادة أكثر من 11 ألف طالب وطالبة، فالظروف باتت سيئة على الجميع.
اطلب العلم..
وتختلف ظروف الطلاب في الجامعات السورية المتعددة، إذ إنها أكثر سوءا في الجامعات الأخرى مثل جامعة حلب أو جامعة البعث في مدينة حمص، لكن ما يجعلهم يتحملون كل ذلك رغبتهم في الحصول على الشهادة الدراسية.
تقول ياسمين إنها أوفر حظا من غيرها، إذ تمكنت من الحصول على غرفة تشاركها فيها طالبتان فقط، فالغرفة عادة يكون فيها أكثر من ثلاث طالبات، كما تحاول البحث عن الجانب المشرق والتفكير في يوم التخرج.
ولهذا الهدف، تصبر ياسمين على الغرفة الصغيرة والجدران المتشققة والإضاءة الخافتة والمرافق القديمة، وهي الأسباب ذاتها التي تشعرها بالامتعاض كلما انطلقت من مدينتها السويداء إلى سكنها الجامعي في دمشق مع بداية كل فصل دراسي.

JoomShaper