أنيسة مهدي
عمان – "أصوات من وراء الحجاب" فيلم يمتلئ بقصص برّاقة ذات صوت مرتفع تنوّر جمهوراً يحتاج لصورة أصيلة صادقة عن الإسلام بشكل عام وعن حياة المرأة المسلمة بالذات. تظهر بريجيد ماهر، المخرجة والمصورة السينمائية والمحررة الذي تدرّس في قسم الأفلام والفنون الإعلامية بالجامعة الأمريكية في واشنطن العاصمة حساسية ومهارة في إبراز هذه القصص الحاسمة رغم بساطتها إلى الأضواء.
بسيطة؟ نعم. إنها قصص عن المرأة التي تسكن في البيت المجاور: جارة هي أم وزوجة صاحبة مهنة تدرّس وتسافر، إنسانة تواجه تحديات وخيبات أمل، لا تستسلم بخنوع وإنما تتغلب وتُلهم.
تعرض ماهر صور ثلاث نساء: هدى الحاسباش من سوريا وسعاد صالح من مصر وغينا حمّود من لبنان. نقابلهم للمرة الأولى كمهنيات ثم كزوجات أو مطلّقات، ثم كأمهات يقمن بإعداد الطعام، يبذلن الجهود لموازنة الواجبات العديدة التي تُثقل كاهل المرأة في كافة أنحاء العالم. نقابل أزواجهن وأمهاتهن وأطفالهن.

تدافع الأم والتربوية السورية هدى الحاسباش عن لبس الحجاب وتستمر في إثبات أنه ليس بالضروة أن يكون هناك خلاف بين لبس الحجاب والحياة بطريقة عصرية. وهي تدّرس عشرات النساء ليس فقط على قراءة القرآن الكريم وإنما كذلك على معرفة حقوقهن. وتقوم السيدة الحاسباش بإعداد وجبة شهية لأسرتها وهي تصف وجهات نظرها للكاميرا.

الدكتورة سعاد صالح شخصية معروفة جداً، فهي تدرّس بجامعة الأزهر وتظهر على برامج تلفزيونية. "لقد اختزلنا الإسلام لمجرد حجاب ولحية"، تقول بحسرة، "رغم أنه ينطوي على أمور كثيرة أكثر أهمية".

تلتزم السيدة غينا حمّود بشجاعة بعملها رغم خيانة زوجها لها. تحتفظ بحبها واحترامها لبناتها اللواتي يُقِمن مع والدهن بعد طلاق الزوجين.

تشكّل العلاقات بين النساء والرجال أمثلة جيدة على الصور النمطية المستمرة. هناك منظور سائد، سببه إلى درجة ما إعلام التيار الرئيس والثقافة الشعبية والجهل العام في الغرب، مفاده أن المرأة المسلمة مظلومة. نقرأ عن "جرائم الشرف" ومنع الفتيات من الذهاب إلى المدرسة ومنع النساء من الطلاق في ظروف غير مقبولة. لا تسمح الشريعة الإسلامية بأي من هذه الأمور، رغم أن الثقافة السائدة في بعض الدول ذات الغالبية المسلمة تنظر إلى الناحية الأخرى. يُظهر الشريط الوثائقي أن المرأة المسلمة لا تشكل صورة واحدة، من خلال إظهار تنوع تجارب النساء المسلمات.

نشعر بالتعاطف مع السيدة حمّود التي عانت من سنوات من زوج أساء معاملتها. بالمقابل، يشكّل سمير الخالدي، زوج هدى الحاسباش صورة الشريك المثالي، فهو يقدّر ويدعم آراءها ويساعد في الأعمال المنزلية وإعداد المائدة ومتابعة واجبات الأبناء المدرسية معهم. وتشير الدكتورة سعاد صالح إلى أنه رغم كفاءتها للقيام بذلك، إلا أن الواقع هو أنها لم تتمكن من الحصول على الأصوات الكافية للعمل في مجلس البحوث الإسلامية، وهو أبرز هيئات الأزهر.

سوف يتذكر المشاهدون الأمريكيون لشريط "أصوات من وراء الحجاب" أن سوزان بي أنتوني، الأمريكية التي نادت بإعطاء المرأة حق الاقتراع، كافحت لتحقيق ذلك.

تدفع ماهر، دون هراوة أو ضغط، فكرة أن للمرأة المسلمة حقوقاً تعبر بها عن نفسها، مثلها مثل أخواتها في كافة أنحاء العالم، وأن عليها أن تتغلب على المعوقات في حياتها لتحقيق أهدافها، حتى لو عنى ذلك إعادة تعريف أهدافها على الطريق نحو ذلك.

سوف تصيب بعض لقطات هذا الشريط الوثائقي، ومدته ساعة واحدة المشاهدين بالدهشة. تظهر الكاميرا "غرفة" مليئة بالنساء يدرسن القانون الإسلامي والقيادة، ويشرن بشكل منتظم لأمثلة مبكرة عن القيادة النسائية في المجتمع الإسلامي، بما فيها أمثلة عائشة أصغر زوجات النبي محمد (ص)، التي كانت على علم ومعرفة وتدرّس في سن 17 سنة، وهو أمر معروف عنها.

لا يفرض صانع الفيلم ضوابط قوية على الأوضاع، حيث يسمح للأمور الطبيعية في الحياة أن تأخذ مجراها على الشريط. لا يتم إسكات طفل يتململ بشكل مزعج وراء الكاميرا، بينما تستمر المقابلة. وعندما يطرح سؤال شخصي بشكل خاص، وتبكي المعنية بالموضوع، يبكي معها فريق الإخراج. يشار إلى ذلك بوضوح، ونتعرض نحن المشاهدين لما يحصل وراء الكاميرا.

تنخرط النساء المسلمات وغير المسلمات من ماليزيا إلى أمريكا بنشاط في تثقيف أنفسهن وغيرهن، مستخدمات الدين كأداة رئيسية في نداء لا يلين من أجل المساواة والفرص المتكافئة. تشكّل النساء في "أصوات من وراء الحجاب" جزءاً من حركة ضرورية وطبيعية لتضخيم فهم الإسلام في القرن الحادي والعشرين.

###

* أنيسة مهدي (www.anisamehdi.com) مبعوثة فولبرايت في الأردن وصحفية وصانعة أفلام. تقوم خدمة الأرضية المشتركة بتوزيع هذه النسخة المختصرة من المقال بإذن من الكاتبة.

مصدر المقال: رسائل من عمّان، 18 آذار/مارس 2010

JoomShaper