الأيام السورية؛ خالد المحمد
كان من المفترض أن يشكّل الأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، مساحة إضافية للمرأة، تمارس من خلالها حرية التعبير التي لم تتوفر لها في محيطها الواقعي، وأن تمكّنها من التعبير عن رأيها، والإسهام في ما يحصل حولها، وإبراز الجانب المعرفي والثقافي لها، ولكن لم تكن هذه المواقع عالماً افتراضياً حراً، وإنما كانت مرآة تعكس الواقع الحقيقي.
فوجدت المرأة في هذا الانعكاس أيضاً ما وجدته في الواقع الحقيقي، من تنمر وتحرش وأشكالٍ مختلفة من العنف الجديد، والتي باتت تنمراً وتحرشاً إلكترونياً وعنفاً بقالب حديث.


تطل علينا بشكل متكرر تقارير تظهر مدى انتشار ظواهر استغلال وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة في ممارسة عنف ضد نوع اجتماعي “أنثى”، واستخدامه كنقطة ضعف وابتزاز ضد المرأة، بوسائل مختلفة من الاختراق إلى الانتحال والتتبع والتحرش، فباتت المرأة هدفاً بحد ذاتها من خلال تعقب حساباتها الاجتماعية، ومحاولة التجسس والتحرش، أو حتى اختراق خصوصياتها للوصول إلى الصور والمحادثات الشخصية لاستخدامها كوسيلة ابتزاز ضدها.
حوادث كثيرة ظهرت في هذا السياق على مستوى أرباب العمل، للوصول إلى هذه الصور والدردشات للضغط على الموظفات، وابتزازهن إما جنسياً أو لحرمانهن من حقوقهن المالية المترتبة عليهم.
فالأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، رغم أنها المروج الأبرز لحملات محاربة العنف ضد النساء، باتت اليوم أيضاً الساحة الأبرز لممارسة هذه العنف والتنمر ضدهن، وملاحقتهن بوسائل التحرش الحديثة المظلمة، والتي اخترقت أبواب وحيطان المنازل، ودخلت خلف أقنعة مزيفة وأسماء مستعارة وهمية، أتاحت لصاحبها فرصة الوقاحة والجرأة أكثر دون كشف حقيقة اسمه وصفته.
وباتت خطورة هذه الظاهرة خارج حدود الضبط والقيود، في ظل غياب أي قانون يجرم التحرش، ووقوع المرأة والفتاة تحت ضغط العرف، وخوف الفضيحة الاجتماعية والخوف من محاسبتها اجتماعياً، رغم أنها هنا، الضحية التي مورس بحقها العنف.
مما يُوقع المرأة تحت مشاكل اجتماعية ونفسية كبيرة تؤثر على حياتها اليومية، وصحتها النفسية والجسدية، والتسبب بأزمات نفسية وصلت في كثير من الأحيان إلى إيذاء النفس أو ترك العمل في أحيان أخر.
لغة جديدة تتحايل لتمرير التحرش
لا يخفى أيضاً الجانب المقنع غير المباشر من التمييز والعنف ضد المرأة على هذه الوسائل، من خلال جوانب ألطف تتستر بالفكاهة والنكتة، التي تشكل هجوماً على المرأة بأسلوب النكتة والكوميديا، والسخرية من شخصية المرأة وعواطفها، أو بعض جوانب حياتها كالمرأة العاملة أو المرأة الأم مع أطفالها، أو بعض المواقف الزوجية، أو حتى تطبيع التحرش ولاسيما اللفظي من خلال خفة الدم والنكتة، والتي باتت كثير من النساء تتناقله بسطحية.
عدا عن الانتشار الواسع لقلة الأدب والوقاحة عبر التعليقات والمنشورات.
إن التغاضي عن هذا العنف الجديد والتحرش المخفي والمقنع، والملاحقة الوقحة التي تتعرض لها المرأة يومياً عبر الأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، هو بحد ذاته عنف آخر ضد المرأة.
فهذه لم تعد ظاهرة اجتماعية أو مشكلة عابرة، كما ينظر إليها الكثيرون، بل يجب النظر إليها كجريمة ووضع قوانين يعاقب عليها، بوصفها اعتداء على إنسان بسبب نوعه أو جنسه قد تهدد حياته الجسدية أو النفسية.

JoomShaper