تحث منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية على أن تسحب فوراً طعناً تقدمت به ضد قرار مفصلي لإحدى المحاكم صدر في يونيو/حزيران من العام الماضي ويسمح لامرأة لبنانية بأن تمنح جنسيتها إلى أطفالها.
إذ تساور المنظمة بواعث قلق بالغ من جراء سعي السلطات اللبنانية إلى نقض هذا القرار التاريخي عوضاً عن تنفيذ قرار المحكمة وضمان وفاء لبنان بواجباته الدولية المتمثلة في عدم التمييز ضد المرأة. وإذا ما نقضت محكمة الاستئناف المدنية, الغرفة الناظرة بقضايا الأحوال الشخصية, القرار، فإنها ستكون بذلك قد حطمت آمال آلاف أبناء الأمهات اللبنانيات المتزوجات من غير لبنانيين، الذين يعاملون كأجانب في وطنهم ويحرمون من التعليم العام وغيره من الخدمات.
فمن المقرر أن تعقد الغرفة المدنية لمحكمة الاستئناف، التي تتولى قضايا الأحوال الشخصية، جلسة استماع يوم الثلاثاء، 13 أبريل/نيسان 2010، لتنظر قضية سميرة سويدان، المواطنة اللبنانية التي منحت حق إكساب جنسيتها اللبنانية لثلاثة من أبنائها المولودين في لبنان بموجب قرار من الغرفة الخامسة لمحكمة الدرجة الأولى في جديدة المتن، بجبل لبنان، في 16 يونيو/حزيران 2009.
وكانت سميرة سويدان قد باشرت إجراءات قضائية في أعقاب وفاة زوجها المصري الجنسية في 1994. وفي 2005، أقامت دعوى جديدة ضد الدولة اللبنانية للطعن في القانون رقم 15 لسنة 1925، الذي يمنح الجنسية والمواطنة لأطفال الأب اللبناني فحسب.
وبمقتضى القانون اللبناني، لا يجوز للمرأة، على خلاف ما يحق للرجل، أن تمنح جنسيتها لزوجها أو لأطفالها. فلا يستطيع أطفال المرأة اللبنانية التي تتزوج من مواطن دولة أجنبية الحصول على الجنسية اللبنانية. كما لا يستطع غير اللبنانيين الذين يتزوجون من لبنانيات الحصول على الجنسية اللبنانية، بينما تستطيع النساء غير اللبنانيات اللاتي يتزوجن من رجال لبنانيين اكتساب الجنسية اللبنانية بعد سنة واحدة من الزواج. ومثل هذه الأحكام القانونية تشكل على نحو بادٍ خرقاً لواجبات لبنان بمقتضى القانون الدولي، بما في ذلك لمبدأ عدم التمييز (المادة 2 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية")، ومبدأ المساواة بين الرجل والمرأة (المادة 3 من العهد نفسه)، ومبدأ المساواة أمام القانون (المادة 26 من العهد).
وفي إصدارهم حكمهم بجواز إكساب سميرة سويدان أطفالها الجنسية اللبنانية، حاجج القضاة جون قزّي ورنا حبقة ولميس كزمة في قراراهم الذي اتخذوه في يونيو/حزيران بأن المادة 7 من الدستور اللبناني تؤكد على مبدأ المساواة بين جميع المواطنين، الرجال منهم والنساء، متجاوزين بذلك الأحكام التي تميز بين الجنسين في القانون. واستناداً إلى ذلك، منحت المحكمة سميرة سويدان الحق في إكساب أطفالها جنسيتها. بيد أن حكم المحكمة هذا واجه الطعن في يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول من قبل النيابة العامة وكذلك من قبل لجنة قانونية تتبع وزارة العدل نيابة عن الدولة اللبنانية.
إن لعدم تمتع المرأة بحق إكساب زوجها وأطفالها جنسيتها، فضلاً عما ينطوي عليه من أحكام قائمة على التمييز، آثاراً واسعة النطاق على الأسرة بأكملها. إذ يتوجب على الأزواج والأبناء تأمين إذن بالإقامة وتصاريح للعمل بصورة مستمرة تسمح لهم بالعيش والعمل بصورة قانونية في لبنان. ويعتبر الأطفال مقيمين، وليس مواطنين، ويحرمون في المحصلة من الحقوق التي يتمتع بها المواطنون فيما يخص التعليم، ومن ثم التوظيف.
إن معارضة قرار المحكمة الصادر في يونيو/حزيران قبل أشهر فقط من تفحص سجل لبنان في مضمار حقوق الإنسان في إطار المراجعة الدورية العالمية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يبعث برسالة تبعث على القلق بأن الدولة اللبنانية تصر على تقويض المبدأ الأساسي المتمثل في عدم التمييز.
كما تظهر الدولة اللبنانية بذلك أنها تتجاهل التعليق الختامي الصادر عن "لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" في جلستها الأربعين عام 2008. حيث أبدت اللجنة أسفها حيال ادعاء الدولة اللبنانية بأنها لا تستطيع، لأسباب سياسية، تعديل قانون الجنسية للسماح للمرأة اللبنانية بمنح جنسيتها لأطفالها ولزوجها الأجنبي. وحثت اللجنة لبنان على الاعتراف بالآثار السلبية لقانونها الخاص بالجنسية على النساء اللبنانيات المتزوجات من أجانب وعلى أطفال هؤلاء النساء، وبناء عليه حثتها على القيام بمراجعة قانونها للجنسية وتنقيحه وحذف التحفظ الوارد على الفقرة 2 من المادة 9 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة .
ومن هنا فإن منظمة العفو الدولية تدعو السلطات اللبنانية إلى اتخاذ خطوات فورية لمراجعة التشريع النافذ الذي يتضمن أحكاماً تمييزية ضد المرأة، وأن تسير على خطى الجزائر ومصر والمغرب، التي عدّلت قوانينها الخاصة بالجنسية في السنوات الأخيرة كي تمنح المرأة الحق في إكساب أطفالها وزوجها جنسيتها.
خلفية
ينص القانون رقم 15 لسنة 1925 في لبنان على السماح للأمهات بمنح جنسيتهن لأطفالهن في حالتين محددتين فحسب:
- يجوز للمرأة منح جنسيتها لطفلها إذا ولد أو ولدت نتيجة علاقة خارج نطاق الزوجية وكان الوالد مجهولاً.
- إذا اكتسبت الأم غير اللبنانية لأطفال قصر من زواج سابق بأب غير لبناني الجنسية اللبنانية جراء زواجها من لبناني، حيث تستطيع إكساب جنسيتها اللبنانية لأطفالها القصر غير اللبنانيين عند وفاة زوجها اللبناني.
ويواجه الأطفال الذين يولدون لأمهات لبنانيات وآباء غير لبنانيين عقبات تتصل بحقوقهم الأساسية، من قبيل الحق في التعليم. حيث ينص القانون رقم 686 لسنة 1998، الذي عدَّل المادة 49 من المرسوم رقم 134/59، على أن التعليم العام مجاني وإلزامي في المرحلة الابتدائية، وهو حق لكل لبناني في سن الدراسة الابتدائية. وبتحديده أن للأطفال اللبنانيين فقط الحق في التعليم الابتدائي المجاني، يحرم القانون أطفال الأم اللبنانية لأب غير لبناني من حق المساواة في الحصول على التعليم. ويشكل هذا القانون خرقاً لواجبات لبنان بمقتضى المادة 28 من "اتفاقية حقوق الطفل"، التي انضم إليها لبنان كدولة طرف وتقتضي منه "جعل التعليم الابتدائي إلزامياً ومتاحاً مجاناًً للجميع".
أما عندما يصل الأبناء لأم لبنانية وأب غير لبناني سن 18 عاماً، فيتوجب عليهم العثور على صاحب عمل مستعد للحصول لهم على تصاريح عمل تتطلب منهم دفع رسوم مالية. ولهذا السبب، فإن أصحاب العمل يتحاشون في العادة توظيفهم.
منظمة العفو الدولية