يقال إن الشعار الاقتصادي الذي يرفعه الرجل هو: «احتفظ بالقرش الأبيض لليوم الأسود»، بينما ترفع المرأة شعار « اصرف ما في الجيب يأتيك مافي الغيب». وللأسف فإن هناك من الإحصاءات والدراسات ما يؤكد ذلك. فهل تفتقد النساء بالفعل حاسة الادخار؟
أظهرت دراسة حديثة شملت 1300 امرأة، أجراها بنك «ANZ» ونشرتها وكالة أنباء «آسوشيتد برس» مؤخراً، أن 56 في المئة من النساء لم يدخرن المال على أساس منتظم، وأن نحو العدد نفسه ليس لديهن أي خطة توفير مستقبلية، وأن ما يملكنه من مدخرات لن يكفيهن لأكثر من ثلاثة أشهر إذا فقدن وظائفهن. وقالت المتحدثة باسم البنك كارولين بندال :«إن الرجال عادة أكثر ثقة ووعياً في التعامل مع المال من ناحية التوفير والاستثمارات وإدارة الأموال». تضيف: «تاريخياً تمكن الرجال من إدارة المال وتحملوا مسؤوليات قرارات مالية كبيرة، في حين أن المرأة لم تكن في السابق تشارك في الأمور المالية». إذ تشير الأرقام والدراسات بصورة واضحة إلى ضعف المقدرة التوفيرية للنساء مقارنة بالرجال. من ناحية أخرى، وللمفارقة، ثمة شواهد كثيرة على قدرة النساء على تدبّر نفقات البيت، وعلى كونهن يتعاملن بحكمة في إدارة أزماته المالية، كما أن المرأة، وفي كثير من الأحيان، تعرف كيف تعبُر بأسرتها إلى برِّ الأمان في أوقات الشدة والعسر. فلماذا إذن يتحفظ البعض، عندما يأتي الحديث عن المرأة في إطار الادخار والتوفير، وعن مقدرتها على ذلك، وما هو سبب هذا التحفظ يا ترى؟
مبذرة
«المرأة تجيد التبذير أكثر مما تجيد التوفير. وذلك لأن ثقافة المرأة في الأساس هي ثقافة استهلاك وتستمتع بالشراء». هكذا، يلخص صالح الحوسني (موظف في أحد البنوك) نظرته إلى النساء في ما يتعلق بموضوع الادخار، ويقول: «عند الحديث عن التوفير، لا أثق بقدرة المرأة على تطبيقه، فهي صديقة للسوق وتقضي معظم وقتها تتابع السلع الجديدة المطروحة فيها، وتظل في حالة مقارنة دائمة بين ما تملكه زميلاتها وصديقاتها وما لا تملكه هي. لذلك، تجدها تندفع لشرائه، سواء أكانت تحتاج إليه أم لا، فقط مجاراة لهن «. وهذه العقلية بحسب صالح «مناقضة للتوفير».

مغريات

تجد إيمان نفاع (ربة منزل) أن «المرأة على مستوى التنظير، تمتلك عقلية توفيرمن الطراز الأول، ولكن يصعب على كثير من النساء تطبيق الأمر على أرض الواقع». وتقول: «تعيش المرأة هواجس كثيرة حول ضرورة توفيرها للمستقبل لضمان استقرار أبنائها وأسرتها». إلا أنها تعود لتشير إلى أن «مغريات الحياة ورغبة المرأة في الحصول على الأشياء الجميلة، إضافة إلى إرضاء ميلها الفطري إلى الرغد وترف العيش، تقف دائماً عقبة أمام خططها التوفيرية».
أما من وجهة نظر جيهان حلمي ( ربة منزل)، فإن «النساء العصريات، لا يتمتعن بالعقلية الادخارية مقارنة بالجيل السابق من النساء». وإذ تبدو متفقة مع رأي إيمان في هذه النقطة، تعزو جيهان هذا الأمر إلى «المغريات العصرية»، وتقول:«في السابق، كانت الأمهات ينصحن بناتهن بجمع المال أو بشراء الحلى الذهبية، التي يصفنها بـ»الزينة والخزينة»، فإضافة إلى إشباع حاجة المرأة إلى التزين، فإن الذهب يقوم مقام المخزون المالي لأيام الحاجة». تضيف: «كثير من نساء الجيل الماضي اتخذن من هذا المبدأ الناجح أساساً للتوفير والادخار».

نوعان

«من يكدُّ في جمع المال، هو الذي يعرف قيمته، ومن يتعامل مع الحياة بمنطق الاستثمار الفعلي، هو من يستطيع التوفير». هذا ما يؤمن به عبدالله ضو البيت فضل الله (أستاذ فني في شركة بترول). ويبدو عبدالله وكأنه يمسك عصا الرأي من منتصفها حين يقسم النساء إلى نوعين من ناحية التوفير، حيث يقول: «هناك نساء كثيرات يفتقدن هذه الصفة، خاصة المرأة ربة المنزل، الجالسة في البيت.إذ إن خبرتها بالواقع الاقتصادي الخارجي، تكون ضعيفة نوعاً ما. لذا، فإنها في الغالب تكون شخصية استهلاكية أكثر من كونها توفيرية». لكن النسوة اللواتي خرجن إلى العمل حسب عبد الله «فمعظهن يقدرن قيمة المال، ولديهن الوعي بضرورة التوفير»، حيث إنه يشير إلى أن «التجربة في جني المال، والتعب من أجل الحصول عليه، كفيلان بصياغة مهارة النساء في التوفير».

قيمة التوفير

لكن، في المقابل، هناك من ينظر بعين الايجابية إلى المهارات التوفيرية لدى المرأة.إذ تمنح فاطمة محمد مصطفى (ربة منزل ) شهادة العقلية التوفيرية للنساء بجدارة، وتقول:«المرأة بطبعها أكثر قلقاً من الرجل حول المستقبل. لذا، فهي تدرك أهمية المال بالنسبة إلى بناء مستقبل أبنائها، كما أنها حريصة على استقرار الموارد المالية لأسرتها على المديين القريب والبعيد، وهي تدرك قيمة التوفير في تحقيق ذلك». وتلفت فاطمة إلى أن «غالبية النساء يعملن على استقطاع هامش من دخل الأسرة، وتوظيفه في مشروعات ادخارية متنوعة، كما أن بعض النساء يقمن بحث الأزواج على إيجاد منافذ أخرى لزيادة دخل الأسرة حتى يتمكن من التوفير للمستقبل».
مدبرة ناجحة
وثمة رأي آخر يطرحه هيثم رجب (موظف/ 25 عامًا). إذ إنه يؤمن بأن «عدم التوفير والميل إلى الإنفاق داء لا يرتبط برجل أو بامرأة». ويعترف هيثم للمرأة «بقدراتها التدبيرية في المسائل الاقتصادية للبيت»، لافتاً إلى أنها «مفتاح التوفير الحقيقي». ويقول: «يبقى تدبير المرأة في الإنفاق، هو الأهم بالنسبة إلى دورها كراعية في بيت زوجها». ويشير إلى أن «التدبير في النفقة، فن تبرع فيه النساء فقط، ونستطيع أن نرى طبقات واسعة تعيش حياة معقولة، ليس بسبب ارتفاع دخلها، ولكن بسبب تدبير أمورها، وأنا أعتبر أن هذا نوع من التوفير».

نمط تفكير

بدوره، يعتبر عبدالله علي سالم (موظف في شركة بترول) أن «التوفير صفة لا تتعلق بالنوع أو الجنس، وإنما بنمط التفكير والسلوك». ويرى عبدالله أن «نمط المرأة في التسوق، يختلف عن الرجل، فهي ربما تشتري كميات أكبر، وترتاد السوق مرات أكثر، لكن غالباً ما تكون قيمة ما تشتريه أقل بكثير من قيمة ما يشتريه الرجل في جولة تسّوقيه واحدة». يضيف:«لذا، فإن من الظلم أن نقول إن عقليتها غير توفيرية لأنها تحب التسوق».

أوجه متعددة

من ناحيتها، تعتبر سميرة المهتار (موظفة متزوجة) أن «الأسرة وحدة اجتماعية اقتصادية متكاملة»، لافتة إلى أن «هذا التكامل ضروري في التوفير، فلا يمكن للمرأة أن تكون مدبرة ومقتصدة، ونصفها الآخر ليس لديه هذا الميل، لكن بالدعم يمكن أن تنجح عملية التوفير، بل وتكون ثمارها مدهشة». وتعتقد سميرة، أن النساء «أفضل حالاً في ما يتعلق بالتوفير، لأن المرأة تنظر إلى أمور البيت بالتفاصيل الدقيقة، وتحسب حساب كل صغيرة وكبيرة، وتتمكن من تدبير النفقات تجاه الالتزامات المختلفة. فالتوفير يأخذ أوجهاً كثيرة، وتنجح المرأة في إتقانه بما تملكه من مقومات».
أما لمى دعبل ( ربة منزل )، فترد عدم ثقة البعض بأن المرأة يمكن أن تكون ذات عقلية ادخارية، بالإشارة إلى «الجانب العاطفي في شخصيتها عند اتخاذ القرارات المالية، حيث إنها أكثر اهتماماً بقضايا الكماليات، كما أنها في أذهان كثير من الناس تركز على الأمور المتعلقة بالجماليات».وتقول: «بالطبع، فان أوجه الصرف في هذه المجالات لا تجعل من صاحبها ادخارياً». تضيف: «يتضاعف ذلك عندما تعيش المرأة في مجتمع يتسم بالثقافة الاستهلاكية».

دور المرأة

من ناحية أخرى، يعرِّف الدكتور الوليد نورالهدى كنة (باحث اقتصادي) الادخار بأنه «فائض الدخل عن الاستهلاك، أي الفرق بين الدخل، وما يتم إنفاقه على السلع والخدمات الاستهلاكية، وقد يقوم بعملية الادخار هذه الأفراد والأسر، أو المشروعات أو الدولة». ويؤكد الدكتور كنة أن «للمرأة دوراً كبيراً في إدارة النواحي الاقتصادية للمنزل. وبالتالي، يقع عليها عبء المواءمة في الإدارة بين الإنفاق والادخار، ومن ثم إدارة ميزانية الأسرة. لذلك، لابد من التوجه بشكل أساسي نحو ربة الأسرة لتوعيتها بالتخطيط السليم، والبعد عن التخبط والصرف العشوائي، وكذلك التخلص من القيم الاستهلاكية السيئة، وتدبير شؤون المنزل وغرس ثقافة الادخار داخلها، وهي سلوكيات اقتصادية إيجابية تؤثر في الأبناء». ويشير الدكتور كنة إلى الحكمة التي تقول «لا تشترِ ما لا تحتاج إليه كي لا يأتي يوم تبيع فيه ماتحتاج إليه»، قائلاً: إن «دلالات هذه الحكمة، هي توخّي العقلانية في الإنفاق وأهمية الادخار. إذ يلاحَظ استشراء مظاهر الإسراف الاستهلاكي في مجتمعاتنا العربية، والذي تقوده النساء». وهو يرى أن «هذا الاستهلاك مضاعف، ويزيد على الحاجة الواقعية. وتلعب العادات والوعي والتقاليد والمحاكاة دوراً كبيراً في ذلك، وهذا يستدعي ضرورة العمل على خلق ثقافة استهلاكية مرشّدة لدى أبناء المجتمع».

 

موقع البلاغ

 

JoomShaper