حسن عبدالله عباس
توجد بين المسلمين اختلافات كثيرة بحسب مذاهبهم وفتاوى علمائهم، ولكنهم وفي الوقت نفسه عندهم قائمة طويلة من المسلّمات التي لا يمكن التلكؤ في قبولها. من بين هذه المسلّمات قانون تعدد الزوجات الذي يُعد من أبرز سمات هذا الدين. فالقرآن الكريم تارة يتعرض لقضايا المجتمع بالعموميات ويترك مسألة التشخيص والتعيين للسُنّة النبوية المطهرة، أو لعلماء الزمن الذي تعيشه البشرية، كقضايا اللبس، والأكل، ووسائل الحرب، والنقل، وغيرها، وتارة أخرى يتعرض لبعض المواضيع ولأهميتها بذكر صريح لها بالقرآن الكريم كالجهاد في سبيله، والصلاة، والزكاة، والحج. فلو لاحظت لرأيت أن تعدد الزوجات جاء في محضر القسم الثاني لا الأول لأهميته.


ما أريده من مناقشة موضوع تعدد الزوجات اليوم لا المبدأ لأن الحديث حول سلامة الأصل من عدمه يعتبر مفروغاً منه بنص القرآن الكريم وبموجب اتفاق جميع الفرق الإسلامية. لكن الحديث سينصرف إلى جانب آخر وهو فيمن يحق له الزواج عمن لا يجوز له، أو من يصعب عليه. لكن قبل أن تُكمل القراءة عندي ملاحظتان أرجو أن تلتفت إليهما: الأولى، حديث تعدد الزوجات بالتأكيد لا يعني المسلمين ممن يرفضون هذا الزواج، وممن تأثروا وبشدة بالثورة والموجة الليبرالية أتباع الحرية الغربية. فأولئك بالتأكيد لهم نظرتهم حيال هذا الزواج، وهم يرفضونه من حيث المبدأ حتى وإن كانوا صورياً يُحسبون على المسلمين. أما الثانية، فإنني حينما أقول يجوز أو لا يجوز، فلا أقصد بذلك المعنى الشرعي لأنني لست من أهل الاختصاص في علوم الدين ممن يجوز لهم الافتاء، ولكنني أقصد فقط الجانب الأخلاقي الإنساني للمعنى.
إذاً النقاش موجه لمن يعتقد بهذا الزواج ويعيش حياة المسلمين ويعتقد بالإسلام كرسالة وحياة. فهذا القطاع من المسلمين فيهم أيضاً من يجوز عليه وفيهم من لا يجوز عليه. فالإنسان المسلم ممن خلط حياته بين الشكل الإسلامي وبين الموجة الليبرالية الغربية الديموقراطية في الحياة الزوجية، هذا الزوج، أو هذه الأسرة، ستعاني حتماً من مشكلة كبيرة وعويصة بالنسبة لهذا الموضوع. فالأسرة التي تعيش حياة ديموقراطية يتشارك فيها الزوجان حِمل الحياة بالتساوي (وهما غير مجبرين عليه) سواء تعلق ذلك بالعمل، أو المصروف، أو شراء الحاجيات، أو تربية الأطفال، أو نوعية اهتمام كل طرف بالآخر، أو خروج المرأة والاحتكاك بالأجانب، أو أي قرار كبير وصغير في الأسرة، إن صار كل ذلك يُقسم بالتساوي بين الزوجين، فإن الزواج الثاني أصبح «أخلاقياً» مشوهاً. فمن الصعب على الزوج بعد هذه المشاركة الكبيرة في كُل شيء أن يطالب زوجته بحقه الإسلامي لأنه صمم حياته على النموذج الغربي.
حقوق الرجل في الزواج الثاني يشترط «أخلاقياً» أن يقوم بمهامه «الإسلامية» كاملةً، بما فيها الخروج للعمل، وتوفير وتدبير أمور الأفراد الآخرين من مصرف، وملبس، ومأكل، وأخذ زمام المبادرات في ما يخص الأسرة وشؤون المنزل، وتربية الأطفال، إلى آخر القائمة... بما في ذلك احترام الزوجة وإكرامها وإعطائها كامل حقوقها «الإسلامية» الشاملة لبنود حُسن التبعل قبل وبعد الزواج، عندها فقط نقول إن زواجه مُكتمل الأضلاع اخلاقياً. أما في غير هذه الحالة فيبدو أن التعدد فيه ظلم كبير للأسرة وبشكل خاص للزوجة المسكينة التي ستعاني الأمرين، مُر تحمل قسط من مسؤوليات الرجل، ومُر «الضرة».

 

 

الرأي الكويتية

JoomShaper