قينان الغامدي
قياس توجهات الرأي العام مهمة ليست سهلة، فهي تخضع لمعايير علمية طويلة ومعقدة وباهظة التكاليف، والمراكز العلمية العريقة المعنية بهذا الجانب في العالم المتقدم تقر بأنها لا تستطيع الوصول إلى نتائج دقيقة مئة بالمئة أو قريبة منها في أي قضية تطرحها لمعرفة توجهات الناس حولها في مجتمعات تقدر وتحترم وتقبل على المشاركة الطوعية في أي استفتاء يطرح من قبل هذه المراكز، غيرأن الجهود هناك حثيثة ومتصاعدة في تطوير الآليات والوسائل التي تساعد على تحقيق نتائج قريبة من الواقع ومعبرة عنه بنسبة جيدة ومعقولة .
في عالمنا الثالث لا يوجد مثل هذه المراكز العلمية المتقدمة التي تقيس توجهات الرأي العام بفعالية وسرعة حول أي قضية ،ولذلك يبقى الانطباع العام هو السائد، بمعنى القياس على الذات فما تقبله أنت تشعر أن الناس يقبلونه قياسا على: عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، أو لاعتبارات بدهية تظنها حول قضايا واضحة ،وإذا كانت توجهات الرأي العام في العالم المتقدم مهمة جدا لاتخاذ القرارات أو العودة عنها، فإن الانطباع الشخصي أو الاعتبار البدهي هو المعول عليه في العالم الثالث حول كل الأمور .
قياس الرأي العام ومعرفة توجهاته ليس مهما فقط لاتخاذ قرارات بل مهم في معرفة ما وراء هذه التوجهات سواء كانت غالبة أو جزئية، ولذلك فإن هذه القياسات في العالم المتقدم لا تستثني أحدا من شرائح مجتمعاتها بل تحرص على معرفة كل رأي مهما كان نادرا أو شاذا وتضعه في الاعتبار وتتقصى أسبابه ودواعيه ،وقد يقود ذلك إلى معرفة حقائق لم تكن واردة في الذهن الانطباعي أواتخاذ إجراءات لم تكن في الحسبان .
لدينا في هذا الإطار استفتاءات شبه يومية يفعلها كثير من المواقع الإلكترونية أو الفضائيات أو ألصحف أو غيرها على شرائح محدودة من مجتمعنا وغالبا ما يمكن لأي متابع أن يتكهن بنتائج الاستفتاء من واقع معرفته بتوجهات الجهة التي تجريه، ونوعية الشريحة التي تؤيد هذه الجهة أو تلك وتتخذ من الإجراءات والوسائل لحشد الأصوات المؤيدة لوجهة نظرها وهذا ما يجعل هذه الاستفتاءات عديمة الجدوى سواء لصانع قرار أو لمعد دراسة، ناهيك عن أن معظم هذه الاستفتاءات تنطوي على خلل علمي في إعدادها وبعضها يتضمن توجها محددا تقود إليه خاصة في القضايا المختلف حولها، لكن بعضها وخاصة فيما يظنه كثيرون قضايا بدهية تعد مؤشرا مهما يمكن البناء عليه بصورة جزئية، ومن ذلك مثلا استبيان أجراه مركز معلومات صحيفة الرياض حول عملية إنقاذ النساء من قبل الرجال في حالات الطوارىء، فأنت وأنا وربما كثيرون يعتقدون أنها مسألة بدهية ولن يعارضها أحد مطلقا، لكن هذا الاستبيان وجد أن واحدا وعشرين بالمئة من العينة التي شاركت ترفض إنقاذ المرأة من قبل أي رجل من غير محارمها حتى لو ماتت، ألا يعطي هذا مؤشرا يستحق التأمل والبحث.
الوطن السعودية أون لاين