د. هتون أجواد الفاسي
أكتب بكل حذر، أحاول قدر المستطاع تجنب الأشواك التي تحيط بالحروف والأماكن والأسماء والمسميات. وبعد طول غياب عن قارئاتي وقرائي لتكرار عملية استحسان عدم النشر لأسباب مختلفة فإني أختار موضوعاً عله يلقى القبول والرضا.
أقص هنا قصة إحدى الصديقات، سيدة أعمال منذ عام 1976، دُعيت الشهر الماضي لمعرض (جايتكس السعودية 2010) الذي انطلق في الرياض في 25 أبريل بمشاركة 450 شركة لتقديم خدمات جديدة في مجال تقنيات الاتصال والمعلومات والتكنولوجيا وذلك على أرض معارض الرياض الجديدة الممتدة على طريق الملك عبدالله. وقد دعيت سيدة الأعمال هذه بدعوة رسمية إلى هذا المعرض من قبل إحدى الشركات التي تتعامل معها والمشارِكة في المعرض. وعندما وصلت إلى موقع المعرض، الذي سبق أن ضم معرض التعليم العالي ومعرض الكتاب وغيرهما من المعارض المهمة على مدى العام الماضي الذي شهد افتتاح موقعه الاحترافي الجديد. إلا أنها عندما وصلت عوملت كأنها متطفلة وعضو غير مرغوب فيه في هذا النوع من المعارض، بل وكأنها سوف تقوم بعملية تخريبية لهذا المعرض المتخصص. فكانت طريقة تعامل رجال الأمن معها ومع سيارتها وسائقها بشكل يعكس حالة من الخوف والارتجاج والتوجس لئلا تتعدى هذه المرأة مدخل مواقف السيارات. واستمروا يعيدون عليها أن عليها لتحضر المعرض أن تأتي وقت زيارة العائلات وكأنها مجرد ربة بيت تريد أن تمضي وقتاً للاستجمام، في حين أن فترة زيارتها له كانت في الفترة المخصصة لرجال (وسيدات) الأعمال، أي لشؤون العمل وليس للعامة، وهذا ما كان من المفترض أن ينطبق على سيدات الأعمال أيضاً.
التجربة كانت مليئة بمواقف فيها الإهانة والاستهانة بدور المرأة المهنية، والاستخفاف بالتزامات المرأة العاملة وجدية تناولها لعملها.
إن قضية منع النساء من دخول الأماكن العامة إشكالية تعاني منها البلاد بشكل متفاوت وتحتاج إلى مراجعة من جهة، وإلى وضع قوانين واضحة وثابتة بشأنها من جهة أخرى. وقد تصدى لهذه القضية الكثيرون على مستوى الأماكن العامة الترفيهية أو بعض الأسواق أو الأماكن المخصصة للأعمال كالمعارض الموسمية المتخصصة. وقد حصلت تغيرات نوعية في السنوات الأخيرة نتج عنها فتح العديد من هذه الأماكن العامة للنساء كمعارض الكتاب والجنادرية على سبيل المثال. لكن يبدو أن الأمر ليس قاعدة بعد ، وما زالت كل فعالية تحتاج إلى إذن وأمر ومعروض بشكل خاص بها، وهذا ما ينطبق على حالة معرض جايتكس.
فعملية الثبات في القوانين مسألة مهمة في تثبيت الحقوق وحفظها وإدراك المواطنات والمقيمات لحقوقهن دون الحاجة لتسول الحق ودون أن يحتجن إلى أن يعدن المطالبة بحقوقهن في كل مناسبة.
إن من الصعوبة بمكان أن تُعامل الحقوق كحالات استثنائية لكل مناسبة تصدر بأمر خاص أو بتسهيلات معينة ، فهذا لا يخدم التنمية في بلادنا ولا يخدم أهداف الاستثمار التي ندعو إليها وإلى فتح مجالات العمل الشريف للمرأة في مجتمعنا وتوسيعها، فحالات الاستثناء تضيع فرص تحقيق التقدم في مجالات الحقوق وتعيدنا في كل مرة إلى المربع الأول وتؤدي إلى حالات متكررة من التجاوزات والشعور بالضيم وتترك الفرصة حتى للتعدي على كرامة النساء والانتقاص من أهليتهن لاسيما المرتبطة بالمال والأعمال.
جريدة الرياض