لدي تحفظ كبير على الدلالات والمعاني التي تنعكس من شعار ” ولي أمري أدرى بأمري ” وهي الحملة التي أطلقتها الأخت الفاضلة روضة يوسف كردة فعل تجاه المطالبة بتحرير المرأة وإنسلاخها من هويتها الإسلامية.
موضوع ” المرأة ” والحديث عنه من أسرع المواضيع التي تلقي بك في شراك التصنيف .. هذا الهوس الإجتماعي في تقسيم الناس يتلازم مع كلا التيارين الإسلامي والليبرالي في معظم الرؤى والأفكار والأطروحات الثقافية ! ممايجعل البعض يتغاضى أحياناً عن الحديث في قضايا حساسة وشائكة خشية انتزاعه من خندق الى خندق آخر ! وما أكثر خنادقنا الفارغة !
عودة الى ” ولي أمري أدرى بأمري ” .. !
أعتقد أن الشعار فيه إساءة للمرأة ، وإحالة لعقلها وتسليمه ” للرجل ” أيا كان ! فالمرأة هي نفسها أدرى بأمرها وبما يصلح لها .. أي نعم تستعين بالرجل .. تستعين بالزوج ..تستعين بالشيخ .. بالحاكم ! لكنها لاتلغي دماغها عن الحراك والتفكير والمطالبة بشجاعة عن حاجاتها .. ! لماذا نضخ في المجتمع النسائي حركة جماعية.. هدفها جميل ..! كل ماتحويه من مطالب رائعة ..! ثم نغلفها بشعار خامل .. ضعيف .. منكسر .. ! يسيء للرجل والمرأة معاً !
الشعار يعطي الرجل مزيداً من الإستبداد والتسلط والإهانة واللامبالاة والنظرة الدونية من ” البعض ” .. وأنا أقول (مزيداً) لإن هذه الرعونة الذكورية موجودة عند قبائل وأفراد ..! ليس بسبب الدين ولا بتطبيق أحكامه.. لكن بل بسبب عادات جاهلية يعتقد بعضهم أنها ” دين ” !
كيف نعطي شعار ” ولي أمري أدرى بأمري ” لزوج خائن مروج مخدرات متزوج مسيار ومصياف .. تذهب الزوجة لخلعه في المحكمة وتقضي خمس سنوات تراجع القضاة ..وحين تحصل على الورقة يجرعها المجتمع كل الوان العذاب والإهمال ويشار اليها بأرجل الإتهام لا أصابعه !
أي ولي أمر وأي دراية تعطى لكائنات بشرية لازالت تذكر المرأة وتردفها ” بأكرمكم الله والسامعين ” .. !! أي ولي أمر وأي دراية تعطى لذكور لازالوا يطلقون على أخواتهم وأمهاتهم ” عارنا ” !
هذه ليست حوادث نادرة وقديمة اندثرت ..!! هذه نماذج موجودة الى يومنا الحاضر .. والذين غيروا الألفاظ والأسلوب للأسف أبقوا ” النظرة الدونية ” ولم يغيروها !
كثير من الناس يفهم ” الأنوثة ” في الغباء وانعدام الرأي عند المرأة ! يقول أحدهم الذكاء عند المرأة ذكورة ! يريدونها مجردة من العقل .. فحين تبدي الزوجة رأياً مخالفاً لزوجها هناك من يعتقد أن ذلك خدش لكبريائيه وجرح لكرامته..! يصر على رأيه ثم يرميها بقوله ” أنتم ناقصات عقل ودين ” !
حين كنت أناقش بعض الزملاء في مراجعات لبعض تصرفاتنا الإجتماعية الخاطئة تجاه المرأة .. أراد أن يفحمني فقال ” نحن إذا جئنا نشتري تميس وفول وجاءت امرأة نقدمها في الصف ” !
مافائدة أن نقدمها في طابور التميس ونلعن سلسبيلها في البيت ..! ونتزوج ونطلق عبثاً عبثاً عبثاً.. ! نهدم بيوت ونخون التربية والأولاد ونرمي المسؤولية على الزوجة..! ثم نخرج لنشرب المعسل في الإستراحات أو حتى ننشغل بمشاريعنا الدعوية والعقارية ! فقل يامكرم المرأة في طابور التميس : وللبيت ربة تبكيه !
وسائق !
لم يعد يدفن الرجال بناتهم في الثرى كما فعلت الجاهلية الأولى ..هذا صحيح .. ! لكن بعض قومنا دفنوا العواطف وحاجات الأنثى النفسية .. دفنوا المشاعر والإهتمام ..!
أرجوكم لا يقع في أذهانكم فقط نماذج المترفات الأكاديميات و” الراقيات” ولا حتى ” الداعيات ” الثريات .. ! اشعلوا الضوء في المناطق الرمادية والمظلمة في المجتمع .. الطبقة المعزولة حتى عن الوعظ والتذكير .. منسيون .. هنااااااك منسيوووون!
لتروها كالشاخص ظلها ” ذكر ” .. ! منزوعة الثقة .. موضع إتهام ! معطلة القوى ..!
لاترموهم بقولكم ” العلم نور ” ..! لإن هذه العبارة لم تصلهم بعد! أبالغ لإن الآلآم بالغة .. ! هم يريدون ..وحالت بينهم الحيل .. ! وقاصفات الزمن ! ردى من كل مكان .. والردى يبعث الردى .. !
تزوج القاصرة بكهل فحل.. وتخلع المتزوجة ذات الأولاد لإختلاف النسب .. ويبارك المجتمع ويغني” نحمد الله جت على ماتمنى ” !!
نرفض دراسة الطب لكل من يعز علينا ونسىء الظن بالطبيبات… وحين تلد نساءنا نبحث عن ” طبيبة ” !
يقسم أحدهم أن من يرضى بقيادة المرأة للسيارة أنه ديوث .. وفي المقابل تركب زوجته مع السائق لوحدها .. ويقول أفتى الشيخ (….) بأن ركوبها مع السائق داخل الرياض ليس بخلوة !
نظرات متناقضة معقدة .. شائكة لدرجة تجعلك تشعر بوجود مرض إجتماعي خطير… تشخصيه لوحده متاهه!
التعامل السىء مع المرأة ليس له توجه ولا حزب .. قد يحدث من جميع التيارات ..إسلامي .. ليبرالي.. علماني .. ! التعامل معها نتاج تربية ” بيت ” وثقافة مجتمع متكامل ..! صبغات وخلطات من العادات المتوارثة !
ليس للدين علاقة بهذه المشكلات .. كل الذي ننادي به .. هو إعطاء المرأة حقها الديني .. ليس بالرجوع الى النموذج ” السعودي” .. والتفسير والشرح ” السعودي” .. ! نريد الرجوع الى نموذج الجيل الإسلامي الأول النقي يوم كانت تبدي المرأة رأيها بوضوح دون توبيخ.. وتصحح للرجل خطأه مهما بلغت منزلته! إعطائها تلك الفاعلية يوم كانت تساهم في حراك المجتمع والمساهمة الإيجابية حرباً وسلماً.. ! تعامل من قبل الناس بإحترام وينظرلها بإحترام ..! وحين تحتاج لشيء تأتي للقائد الأعلى رسول الله تمسك بثوبه تسير به في السوق .. ! ويوماً تناقشه وتبدي خيارها في عدم زواجها من صحابي لا ترغبه .. ! لا يجبرها أحد على فعل مالاتريد وهي في ظلال أحكام الشرع !
القراءة لتصرفاتنا وتصحيحها لا يعني التنازل عن ثوابتنا كمسلمين .. إشكالنا الكبير فقط في تديين تصرفاتنا الخاطئة وعاداتنا القبيحة .. فنحن “الصح ” وغيرنا حاد عن السبيل !
أرجوكم فقط ..
أعيدوا التأمل في ” ولي أمري أدرى بأمرى” ! ..
لنفترض أن امرأة متعلمة .. واعية .. ملتزمة بشرع الله .. رمت بهذه العبارة لنا ..
ثم سألناها : ولماذا هو أدرى منك ! أين عقلك .. وفكرك !
ماهي الإجابة !
هل المطلوب شرعاً .. أن تكون هكذا الأنثى ! غيرها أدرى منها .. !
أنا أغرقت في جزئية شعار الحملة .. لإنه إنعكاس فكري لا أحبه .. ولا أرى شرعيته ولا منطقيته ! .. أعتقد أنه مصيبة ! والأعظم حين تنطلي الفكرة على النساء أنفسهن .. ويصدقن هذه الخرافة ويتحمسن لها ! ..
حتى ولو كان المقصود بولي الأمر في الشعار هو الحاكم .. فالله لم يخلق المرأة ليتحدث ” الرجل ” نيابة عنها في كل شؤونها .. ولو كان الأمر كذلك لما قال الله ” فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً “! ..
ثم لماذا وصلت ” المرأة” الى مرحلة لدرجة أنها لاتستطيع أن تطلب حقها الشرعي الإ بعد أن تركع في خطابها للرجل .. ! كل المطالب التي جاءت في هذه الحملة حق مشروع لكل نسائنا المحافظات .. ينبغي أن تطلبه دون مغازلة الرجل زوجا كان أو سلطة .. ! دون تفويض الأمر ” للرجل ” ودون ديباجة مملحة قليلاً .. !
أنا في صف كل النساء الأحرار المحافظات اللاتي تحركن لعمل شيء جميل لهن .. لكنني معترض على ” خضوع الشعار ” وتوكيله للآخرين الذكور ولو كانوا يحملون نفس التوجه .. !
قضايا المرأة ليست محصورة فقط على المطالب المذكورة في الخطاب .. هذه المطالب تحمل حساً ديني بلا شك لكنه ” ذكراً ” ..! خلا من قضايا في مجتمعنا تحتاج لجمع تواقيع ليس مليون فقط .. بل ملايييين .. !
تمنيت لو التفتت الأخوات الكريمات إلى غيرهن من الفقيرات .. الى المطلقات المهانات .. الى العاطلات العانسات .. الى المعلمات شهداء الطرق الترابية في القرى النائية ..! الى طالبات العشش والمباني المنهارة ..! الى من ضحكت عليهن بعض الجامعات بالتقديم الساعة السادسة صباحاً لدورات تم حجزها مسبقاً للواصلات المستوصلات ! الى المعطلات معاملاتهن في الدوائر الحكومية ..! الى المستبزات في المستشفيات وهم على أسرة المرض ..! الى من يبكين اولادهن وأزواجهن في غياهب السجن تأكل قلوبهن اللوعة والشجى.. يكسرهن الغياب والوحشة !
المرأة .. ليتها قالت : ياولي أمري .. ضاع عمري !
المصدر: مدونة سلطان الجميري