ترجمة وإعداد: علاء الحكيم
موريشيوس Maurice جزيرة في المحيط الهندي, تقع جنوب شرقي إفريقيا على بعد 900كم شرق "مدغشقر". عرَفتْ هذه الجزيرة ثورة اقتصادية كبيرة بعد نيل استقلالها عام 1968، فانتقلت من دولة زراعية الاقتصاد ذات إيرادات متدنية, إلى دولة بارزة اقتصادياً تعتمد على قطاعات المال والصناعة والسياحة محققة إيرادات مرتفعة.
ومنذ ذلك الحين أخذ معدل النمو السنوي يزداد بنسبة 5 إلى 6 بالمئة مترجماً بتطور في البنية التحتية وكثير من المجالات الحياتية. وبعد الجفاف الكبير الذي ضرب البلاد اضطرت الحكومة إلى تغيير استراتيجيتها لإنقاذ اقتصادها من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية (9000 شركة أجنبية كانت تستثمر في الهند وإفريقيا الجنوبية). أضف إلى ذلك أن القطاع المصرفي قد حقق ما يفوق المليار دولار من الاستثمارات من جهة، وأن القطاع السياحي كان الدعامة الأساسية لاقتصاد الجزيرة من جهة ثانية: 1.1 مليار يورو سنوياً. وهكذا بقيت الأوضاع الاقتصادية ما بين 1991و 1999 متينة ومستقرة وبنسبة بطالة منخفضة جداً.
بدأت القصة مع ما سمي (التغييرات الإصلاحية) التي أقرها الاتحاد الأوربي والتي شلت الكثير من القطاعات في طور النمو وعطلت حركة التصدير في الجزيرة. وأهمها تصدير السكر. إذ كانت تزرع قرابة 90% من مساحتها بنبات قصب السكر الذي يؤمن 25% من الدخل الوطني. ثم أخذت آثار الأزمة الاقتصادية والمالية تتفاقم وتحديداً في قطاعَيْ السياحة والنسيج اللذين شكلت المرأة فيهما أكبر نسبة عمالة. والنتيجة أن المرأة كانت أولى ضحايا الأزمة الاقتصادية. ويؤكد الاقتصادي بيير دينان لدى سؤاله عن منعكسات الأزمة الاقتصادية على التشغيل: (إن القطاعات المرتكزة على التصدير هي الأكثر تضرراً، إلى جانب منشآت المنطقة الحرة والفنادق). تقول روشني وهي عاملة في الأربعين من العمر, من بين 125 آخرين مهددين بالتسريح الأكيد من العمل: (أعمل أنا وزوجي في خدمة الغرف في أحد فنادق مجموعة
( Apavou) ولا نعرف ما سيحل بنا إن فقدنا عملنا...؟). أما ماري ذات التسعة والعشرين ربيعاً, والعاملة في فندق (خمسة نجوم) فتقول: (أعمل في مجال العلاقات العامة منذ ست سنوات، ولا نعرف ما هو مصيرنا في الوقت الحالي, ولكن أسمعونا كلاماً مفاده أنه سيتم الاستغناء عن العمال ذوي الخدمة التي لا تتجاوز العام الواحد إن بقيت الأوضاع على ما هي عليه). هذا في الوقت الذي تتفاءل فيه جمعية الفنادق والمطاعم في جزيرة ((Maurice بتحسن في قطاع السياحة محاولة ألا تنشر رياح الذعر والقلق: (إننا متفائلون كثيراً بأن الازدهار في مجال السياحة سيتحقق في مرحلة ما بعد الأزمة نظراً لوجود مؤشرات كثيرة مجتمعة تبرهن على ذلك. فالمسألة هي امتلاك وسائل المقاومة والتصدي للأزمة لنتمكن من الوقوف على الأقدام في فترة ما بعد الأزمة...) هكذا كان رأي الجمعية التي غدت الآن متشائمة بعكس ما كانت عليه في السابق!
تشغل المرأة حيزاً كبيراً ليس فقط في قطاع الفنادق، بل إنها تتبوأ مراكز هامة في الإدارات السياحية, وتعمل دليلاً سياحياً وفي المطاعم والمتاجر أيضاً. ومن هنا فالإصابة الأولى للأزمة الاقتصادية العالمية ستكون المرأة العاملة دون أدنى شك.
القطاع الآخر الذي تهددت المرأة من خلاله هو قطاع النسيج الذي كان يشغلها بطبيعة الحال. ولكن هذه النظرية آلت إلى الزوال, إذ بات هذا القطاع يضم 38200 امرأة في العام 2007 مقابل 27.400 رجل, وذلك حسب تقديرات المكتب المركزي الإحصائي في جزيرة موريشيوس. وفي آب الفائت أغلق معمل سوكوتا Socota, أحد أقدم المعامل في الجزيرة, أبوابه قائلاً إن هذا الإجراء أتى تحت ظروف بعيدة كل البعد عن الأزمة الاقتصادية العالمية.كما قام معمل نسيج Hong Kong Textile بتسريح 155 عاملاً غالبيتهم العظمى من النساء. ومن حيث الأسباب التي أدت إلى هذه المبادرة قال المراقبون إنه ثمن يجب دفعه لإنقاذ غالبية عمال الشركة.
في كانون الأول 2008 قدم رئيس الوزراء نافين رامغولام ووزير المالية راما سيزانين برنامجاً لدعم الاقتصاد في الجزيرة. وعلى خلفية هذا البرنامج أُعدّ أحد عشر مشروع اتفاقية لإنعاش قطاعات اقتصادية مختلفة. وتتزامن هذه الاتفاقيات مع مجموعة من الإجراءات الإنقاذية إضافة إلى برنامج مكافحة البطالة والفقر.
والسؤال هنا, ماذا قدمت هذه الخطط والاتفاقيات للذين فقدوا وظائفهم...؟ وماذا قدموا لغالبية النسوة اللواتي أجبرن على العمل في أعمال تقليدية أنثوية محضة؟ لم تتوان المرأة هناك عن العمل في الفنادق عاملة تنظيف أو خادمة غرف, وفي أوقات أخرى جليسة أطفال. وإن أرادت العمل في معامل النسيج فلا بد أن تكون عاملة على آلة من آلات الخياطة. وفي كل الأحوال, إن استفادت من هذه الإجراءات التي جعلتها تتوجه نحو نشاطات أنثوية فلن تستفيد منها سلاحاً للمستقبل. يبدو أن على المرأة في عصرنا هذا أن تتعلم زراعة الخضراوات وتحضير المربيات ومعجون الطماطم...! كما أن المستوى التعليمي الذي تمتلكه لم يشفع لها ولم يمنعها من السير في طرق شائكة جديدة: أعمال تغليف وحتى أعمال بناء أو نجارة. أمِن المفروض أن تعود مشاريع الإنعاش الاقتصادية بالمرأة من جديد إلى زمن السبعينيات وأشغاله؟ هل يجب على أجسادهن أن تكون أجهزة تحكم عن بعد يعبث بها الكبار كما يشاؤون.. أعَلى نساء تلك المناطق وحدها دفع ثمن أخطاء ارتكبها غيرهن؟!
جريدة النور
المرأة والأزمة العالمية
- التفاصيل