نوال السباعي
الى يمان وسيرين وسلام ، وهاجر وميسون وناديا ، ونفيسة وروان ، وبنان وزينب وسماح ، وصبا وليندا ، وبييا وفاطمة ، وبهيجة وأفنان وليلى ، وورنيم وسعدية ومريم ، وسارة وهدى وعليا ، وبتول وأندلس وسندس، ويسرى وحليمة ، وسلوى ورشا، ورحمة وشيماء ، وسعيدة وبشرى وليلى ولمياء ورولا، إلى كل فتاة ولدت أو جاء بها أبواها صغيرة إلى اسبانيا ، ساقتهن أقدارهن جميعا ليصبحن مواطنات أوربيات من أصول "عربية" ، في اسبانيا ، بريطانيا ، النمسة ، فرنسة ، الدانمارك ، في الأرض التي نزحت إليها أقوام من بني جلدتنا ترجو العدل والحرية والكرامة وبعض حقوق الانسان ، إلى كل فتاة من أصول عربية في أوربة محجبة أو غير محجبة ، - وحتى غير المسلمات منهن- ، عاشت في هذه البلاد قهرا ، ونمَت صبرا ، وعانت دهرا ، وهي تمسك بالجمرالمزدوج بين ظلم بعض شرائح المجتمع "الأوربي الديمقراطي" الغارق في الجهل والتعصب والاستكبار، وظلم ذوي القربى المتخبطين في الجهل والتخلف والظلمات، الى كل فتاة تقبض على الجمر يحرق كفيها الصغيرتين، ولايستطيع أن يمسّ منها عقيدة ولاهوية ولاشموخا ، يزلزل قدرتها على الصبر ولكنه لايستطيع أن يحرق قناعتها بغربتها وهويتها و"رسالتها" الخاصة التي تحملها ، رضََعتْها في المهد ولقنتها الحياة في الغربة أبجديتها الصعبة المريرة ولكنها لم تتخل عنها يوما ، على الرغم من الشقاق الصعب الذي تعانيه الفتاة الأوربية من أصول عربية في الحياة بين مجتمعين وحضارتين وانتمائين ، ولاتجد فيها ملجأ أو دعماً أو سنداً، في عصرالكساد والعار "العربي" الذي نعيشه كجاليات وكمنطقة وكأمة ، ثبتن على الرغم من المحن والزلازل ووعورة الطريق ، تعلمن فيم ماتعلمن في أوربة أن الإنسان خلق ليخطيء ويصيب ، وأنه " ليس العار في أن تسقط ولكن عاراً ان لاتستطيع النهوض" –"خواطر في زمن المحنة" -  ، سقط البعض منهن على أطراف هذا الطريق لأنهن لم يستطعن الصمود ،أو لأنهن لم يجدن الصحبة الصالحة ولا الجماعة الصالحة التي تضمهن وتؤيهن، أو لأن الأهل لم يستطيعوا الدفاع عنهن ولاحمايتهن ولا القيام بالواجب، في مجتمع لم يفهم معظم الوافدين إليه من الجيل الأول مشكلات أبنائهم فيه ، أو لأن التعب أخذ من بعض هؤلاء كل مأخذ فقالوا لحظة يرتاحوا فيها فغفلوا عن المهمة وامتُحنوا وزلزلوا زلزالا عظيما، ونالوا قهراً وعذاباً وآلاماً كادت أن تبعد بهم ألف ميل عن المنزلِ !!، بين محنهم في مواجهة المجتمع الجديد الذي أتوه ، ومشكلاتهم ومعضلاتهم الأخلاقية الفردية والأسرية التي حملوها في حقائب سفرهم يوم أتوا أوربة ولم يتخلوا عنها ظناً منهم بانها من الدين ، ولم يغربلوها ويعملوا على مراجعة مافيها من خلط وخواء ، خشية أن يمسوا الثوابت ، فأصيبوا بشقاق وانفصام هدم البيوت وشرد الأولاد  وشوه صورة العمل الدعوي والجماعي والمؤسساتي في أوربة ، وأتى على الجاليات المسلمة في الغرب بأشد مما تعانيه من موجات التعصب والكراهية والحقد من بعض فئات المجتمعات الغربية، لقد كانت معاولنا أشد فتكاً فينا من معاول الآخرين ، ولم نؤت في الغرب –كما في الشرق- إلا من عند أنفسنا!.
إلى بناتنا اللاتي رزقهن الله العافية فلم يُمتّحن بغير الغربة والكربة وهن شريحة كبيرة جدا ،وكفى بالغربة والكربة محنة!، وإلى بعض بناتنا في الغرب من اللاتي وقعن فريسة الجهل والخديعة- وبالضبط كما يحدث في المجتمعات العربية والاسلامية وبنفس الدرجة والنسبة والأسباب-، وانحرفن عن الطريق ذات يوم ثم عدن إلى الحياة بكل شجاعة وإيمان بالله ثم بأنفسهن وبالحياة ، وإلى أولئك اللاتي تقطعت بهن السبل وامتُحنّ أشد الامتحانات ، وإلى اللاتي ركبن مراكب الأمل في صحبة "زوج"  ظنّنّ عندما ارتبطن به أنما وجدن رفيقا يعينهن على لأواء الطريق وتثبيت الهوية ، فكان بعض هؤلاء – وليس كلهم- كارثة على بعض فتياتنا دمّرت لديهن القدرة على الصبر في زمن لم يستطع فيه كثير من رجال العرب والمسلمين الارتقاء إلى مستوى اسلامهم وحضارتهم وعصرهم ، ومازالوا يتخبطون في منزلقات الجاهلية التي تحكم معظم تصرفات الناس في المنطقة العربية بعيدا عن روح الاسلام وأسسه الأخلاقية الحضارية ،كشرت الحياة لبعض بناتناعن أنيابها ، فترجّلن من تلك المراكب جريحات مكسورات القلوب !، لكن الحياة في أوربة – ولكي لانظلم الحياة في أوربة -  منحتهن وأهلهن فرصة جديدة للوقوف على أقدامهن ورفع رؤوسهن ومحاولة الخروج من سراديب الخوف .
وأخريات –قلة قليلة نادرة- ضِعْنَ في زحمة الغربة والابتعاد فلا يعرف أحد عنهن شيئا ، ابتلعتهن الأغوال ، أغوال التضييع والجهل وحماقات المراهقة ، فلا يعرف أحد أين أصبحن وماذا عن أخبارهن ، كما لايعرف النوم طريقا إلى عيون الأهل المفجوعين بانفسهم وماجَنَت أيديهم، وماامتحنوا به من عند أنفسهم وهم لايعلمون.
وإلى ..لاورا وسيلفيا وكونسويلو وسوسانا وبي أتريث ولوردس وتوني ،اللاتي اعتنقن الاسلام بعدما أعياهن البحث والسير في طرق الحياة وهن مازلن يافعات حديثات سن ، فأقمن على القبض على الجمر كبناتنا المولودات في الغرب ، وكانت معاناتهن أشد ، اذ اجتمع عليهن أذى الأهل والأصحاب والجيران و" العرب المسلمين" والحياة !!، وعانين الغربة بعد الغربة !!، والشدة بعد الشدة ، بين فهمهن للحياة الذي قادهن إلى الاسلام وبين مااصطدموا به من فهم "المسلمين" اليوم للحياة والاسلام ، وأشد ذلك تلك الصورة النمطية التي زرعتها بعض وسائل الإعلام في تصورات الناس عن المسلمات في الغرب ، والتي شوهت وجودهن الإنساني في إطار صحراء غربة قاسية لاتكاد تجد يدا حانية تواسي وتساعد وتنتشل وتكرم وتقف موقفا مسؤولا أمام الضمير الأخلاقي العربي العام.
إلى كل فتياتنا في الغرب ممن صمدن وثبتن وكن مثالا رفيعا للنقاء والصفاء والطهر والعفاف ، وممن وقعن ذات يوم ولكن الله سلم فأعانهن على الوقوف من جديد بصبر وطهر ونقاء وصفاء واستئناف للمسيرة من جديد ، وإلى أولئك اللاتي سقطن بين أنياب الذئاب من عرب وعجم فاختفين خوفا وهلعا من مواجهة المجتمع أو الأهل أو أنفسهن ، إلى كل هؤلاء المنسيات المضيعات من قبل أمة لاتصحو إلا على قرع الطبول الجوفاء ولاتعرف معنى للمسامحة ولا العفو ولا التجاوز ولا المغفرة ، أقدم تحية احترام ووقفة إجلال لمن يعانين اليوم هذه الهجمة المسعورة من قبل قطاعات اليمين الأوربي "الديمقراطي" اليوم ، وهجمات وسائل الإعلام الأوربية التي أصابها الجنون وخرجت عن حدود اللياقة والأخلاق وهي توجه سهامها نحو هذه الفئة الصابرة المحنسبة من المسلمين في الغرب ، هذه الفئة التي تحمل الهوية في أسمائها ، على رؤسها ، في القلوب ، تُرضع الرسالة ، وتورث الهمّ والقضية للأجيال الآتية التي تخافها أوربة اليوم ، والتي تحاول اجتثاثها منذ الآن باختلاق فقاعات سخيفة كمنع بناء المآذن وحظر النقاب ، وصولا إلى ممارسات خطيرة مثل حرمان البنات المسلمات من المدرسة إذا هنّ التزمن "الحجاب".
أوجه تحية إجلال واحترام عطرة إلى هذه الأقمار التي توشحت بالحياة لتكون أقمارا على وجه الحياة ، في مثل هذه الأيام النحسات ، ومعظمهن لايكدن يجدن نصيرا واعياً يمكنه أن يوقف هذه الحملة المسعورة على بناتنا القابضات على الجمر في أوربة باسم الحقوق والحريات!.

=يتبع=

العرب القطرية

JoomShaper