هناء إبراهيم : هيئة إرادة المرأة
اتفاقية دولية لرفض كل إشكال التمييز ضد المرأة ، مبادئ لحقوق المرأة تقوم على رفض العنف ضدها ، منظمات دولية تعنى بقضايا العنف ضد المرأة والطفلة ، منظمات مجتمع مدني تملاْ الدنيا ، والدنيا تعج بها تنشط لمواجهة العنف ضد المرأة ، مراكز ضد تعنيف المرأة ترعاها منظمات كبرى ، داعمون يمثلون أكبر الشركات العملاقة يبذخون لدعم برامج وأنشطة حول محاربة العنف ضد المرأة ، محامون ومحاميات يختصون بقضايا العنف ضد المرأة .
باختصار مفيد أن عناوين مثل العنف الأسري ضد المرأة ، والعنف ضد المرأة والطفلة ولا للتمييز ضد المرأة ، تصلح اليوم لتجعل منا نحن العاملات أو الناشطات في الحراك النسائي مستثمرات من الدرجة الأولى ، ترعانا كل المنظمات التي ذكرناها آنفاً وعلى رأسها منظمة ال un  ذائعة الصيت وخطيرة الأهمية . هل نحتج !!
لا بل نتخذ موقفاً أشد وطأةً ، فالاحتجاج لايكفي ، إننا نحذر من خطوة رفض العنف ضد المرأة   كمنظور يعتمد عزلها عن الأسباب ،   ويعتمد اتجاهات  كأنها وصفة جاهزة تصلح لكل زمان ومكان بغض النظر عن النتائج ........
كلامنا مازال غير واضح وقبل أن نخوض في أسباب ما نقول نوَد أن نضع أمامكم بعض منطلقاتنا في رفض كل أشكال التمييز ضد المرأة والتي عالجناها  قبل أكثر من عقد من الزمن  في  العراق على خلفية ((الجندر)) أو ((النوع الاجتماعي)) أو ((النوع الجنسي)) ، وكنا كفكر يؤمن بالعدالة والمساواة وأن الإنسان أغلى رأسمال قد خضنا قضايا المرأة على خلفية المساواة وهويتها الإنسانية منذ السبعينات  والخمسينات والأربعينات.... أي أن العمل  على أجندة رفض العنف ضد المرأة ليست اختراعا جديدا من نوعه .

المرأة والرجل معادلة الإنسان

إن المورثات التاريخية عميقة الجذور التي أسست لثقافة التمييز ضد المرأة لدرجة القتل المتعمد ((كالوأد)) تولدت عن أسباب اقتصادية واجتماعية تتعلق بخاصية المرأة كونها الجنس المسؤول عن الحمل والولادة  والإرضاع والتربية أي كونها المعنية الشرعية بتحديد صحة نسب الوليد وبالتالي شرعيته كوريث . وجاءت الغزوات والحروب بأسبابها التاريخية المعروفة ، مؤثرات مضافة في تعميق خلل العلاقة بين المرأة والرجل على خلفية أنثى وذكر  ما أسس لقاعدة التمييز لصالح الذكر ـ الرجل .
لسنا بصدد الخوض في تحليل المراحل التاريخية التي أورثت في سلسة من التراكمات الاقتصادية  والاجتماعية أسباب هبوط المكانة الاجتماعية للمرأة . إلا أننا بصدد الإشارة السريعة إلى أن المرأة والرجل منذ الخليقة الأولى شكلَا معاً معادلة الإنسان متكافئة الحدين ، يشكل   فيها النوع تميزه الخلاق . ولعَل القران الكريم   أعطى أفضل صيغة لتكافؤ هذه العلاقة وتساوي طرفيها مكانةً وقيمةً عندما أطلق مفردة الإنسان على المرأة والرجل كطرفي المعادلة في المخلوق الإنس أي أن المخلوق الإنسي والمفردة إنسي بجمع طرفي المعادلة الإنس الذكري + الإنس المؤنث = الإنسان
(المفرد انس والمثنى إنسان ) . والمعادلة هنا واضحة وحاسمة :مكانة واحدة وقيمة واحدة ، للمرأة والرجل وبتشكلهما كطرفين في المعادلة  نتج مفهوم الإنسان ، إن هذا المفهوم الذي  بات مفرده في اللغة العربية مستنبطة من القرآن الكريم لا وجود لتركيبتها بهذه الحرفية  في أية لغة عالمية أخرى ، كما لايوجد لها قاعدة مثيلة في إطلاق المفهوم ؛ لغة واصطلاحاً في أية لغة أرضية أخرى .

وعليه فإن تغير مكانة المرأة سلبياً لم يولد معها وإنما جاء بتأثير مورثات ثقافية تعكس أسباب الهيمنة الاقتصادية فالاجتماعية  في التاريخ البشري  الذي أنتج نظام الرق والعبودية والتمييز الجنسي والعنصري والمذهبي والطبقي .... الخ 
لقد اختل ميزان المعادلة وباختلالها فإن حجماً من تأثيرات الخلل أصابت الجنسين معاً لتختزل الصورة كالتالي : رجل سجان ، امرأة سجينة ، المجتمع كناية عن قضبان السجن .
إن الرجل لايفخر بدوره كسجان أو جلاد فهذا الدور ضد إنسانيته كما أن المرأة لا تفخر بدورها  كسجينة أو عبده العبد ،  فهذا الدور ضد إنسانيتها ، أما قضبان  السجن فإنها الصورة السلبية للمجتمع ، أن الضرورة الإنسانية تقتضي أن يستعيد الرجل ـ الذكر الإنساني خارج صورة السجان أو المهيمن ، وأن تستعيد المرأة ـ الأنثى دورها الإنساني خارج صورة السجينة ومعاً يحطمان قضبان    السجن فيستعيد المجتمع صورة ايجابية له .
إنها المعالجة التي تعمل رافضة  كل أشكال التمييز و كل أشكال العنف  ضد المرأة  . أما أن يختزل العنف بأجندة عالمية ودولية موحدة تؤسس لاصطراع غير مبرر وغير إنساني بين الذكورة والأنوثة أو بين الرجل والمرأة فإن ذلك لَمريب حقاً .

عنف جديد من نوعه

نبدأ من حيث نحن فيه الآن ، العراق تحت الاحتلال ، المجتمع العراقي يخضع لعنف الاحتلال ، وعنف أجهزته الأمنية ، أشكال العنف تمارس ضد المرأة والرجل والطفل والشيخ بأسلوب  واحد وفلسفة واحدة ، إنها فلسفة الهيمنة .
•    التهجير ألقسري لأسباب طائفية أو عنصرية أو فكرية أو سياسية هو شكل خطير من أشكال العنف ضد المرأة والرجل معاً .

•    في مجتمع الهجرة تعاني الأسرة العراقية من جبل من المشاكل والهموم والمآسي ، كما تعاني من أوضاع نفسية متردية جداً ، كثير منها قد يدخل تحت عناوين مثل الأمراض النفسية ،صدمات الحروب ،الضياع ، اللا إنتماء ،  مشاكل الفقر والبطالة ، غياب فرص العلم و العمل  ، العَوق ، الترمل ، التيتم ، الأمراض المستعصية ، مشاكل العلاج ، مشاكل الدواء ، سوء التغذية ، العنف المتبادل بين أفراد الأسرة عواقب الاعتقال والاغتصاب ...... الخ
•    في مجتمع الهجرة نرى أن أجندات المنظمات الدولية محصورة في عناوين بعينها تحت شعارات  بعيداً عن التسميات الواقعية لأسباب هذه المشكلات التي بإزالتها ندخل إلى  مرحلة العلاج ، بمعنى إزالة الاحتلال لإزالة تحدياته لواقع  الأسرة العراقية والمجتمع  والمعوقات والبلاوي التي فرضها قسراً على المجتمع العراقي ، وبإزالة أسباب الهجرة القسرية ،  تستعيد الأسرة  العراقية بيتها ومجتمعها وحصتها في الوجود ، والحقوق التي سلبت منها . حتى لا نطيل نأتي ببعض الأمثلة  التي تعرفت عليها هيئة إرادة المرأة حول  تعرض الأسرة العراقية لعنف جديد من نوعه بسبب أجندات المنظمة الدولية وفروعها واختزالاتها لمشاكل المرأة : بالمرأة المومس ، والمرأة المعنفة أسريا أو من قبل  الرجل ، والمرأة الهاربة والمهددة . بجرائم الشرف كما يسمونها : أما المشاكل والمعضلات التي أشرنا إليها فإن الخوض فيها أمر يثير امتعاض العاملين في إعادة تأهيل المرأة على قاعدة رفض عنف الرجل والأسرة ضدها .

مثال :
1.    أسرة مها :
لعلكم تابعتم معنا قضية  مها الطفلة ذات الخمسة عشر عاماً التي تم اغتصابها  واختطافها  وهي نازفة فاقدة الوعي من قبل  مليشيات في بعقوبة أواخر عام 2006  لن نخوض في تفاصيل القصة  ، إلا أن أم مها  حدثتنا مطولاً عن  المأساة التي لحقت بالأسرة من جراء سرقة متجر أبي مها ، ثم اقتحام بيته وانتهاك مها ، ثم فشل مساعيه  في إيجاد طفلته  حية أو ميتة وكان يفضلها ميتة حتى يدفنها ويبكي على قبرها . النهاية كانت  أن شردت الأسرة  إلى سوريا  الحبيبة ، لامال ولامها  وفجيعة لا يمكن تجاوزها . تعترف أم مها بأن  زوجها قد جُن أو صار قريباً من الجنون ، وتبكي أم مها على حاله وحالها وحال الأسرة الجائعة والمطعونة بإنسانيتها وكرامتها. ومع طول المعاناة وصعوبة تقديم حلول وإيجاد علاج لهذه الأسرة المنكوبة تطل علينا أم مها بلغة جديدة : لم أعد أحتمل ، أصبح أبو مها عنيفاً ، يتعرض لي وللأطفال بالضرب ، هددته بأنني أستطيع أن أحصل  على الطلاق منه بكل سهولة والهجرة إلى الخارج بمساعدة الجهات التي تعنى بالمرأة المعنفة ، أو أن ألجأ إلى أحد البيوت الدينية .

2.    أسرة أم محمد
أُعتقل أبو محمد في بغداد بين عامي 2005 _2006 ، بدون تهمة ثم خرج من المعتقل  وإذا بالرسالة إياها المصحوبة بطلقة  رصاص لامعة تهدده بالموت إذا لم يغادر بيته بل منطقة سكناه في البياع . وصل أبو محمد  وأسرته إلى دمشق . خالي الوفاض ، كان في العراق صاحب مطعم  ، حاول أن يعمل في مطاعم دمشق ، أجره يومي لايتجاوز  ال200 ليرة سورية ، وأحياناً 100 ليرة فقط ، وأحياناً لا فرصة عمل . خاضت زوجته الشابة ((الجميلة )) دورات تأهيل للعمل كمزينة شعر أو خياطة  قالت لنا : أنا سبع صنايع والبخت ضايع . الدخل لا يكفينا وزوجي  أصبح جلفاً وقاسياً ، طلبت منه أن أعمل في أحد محال تصفيف الشعر لان دخله لا يكفي ، غضب غضباً شديداً إنه يغار عليَ . سأطلب الطلاق ، لم أعد أحتمل هذا الحال . ولعل باب الهجرة ينفتح أمامي . اعترفت أنها تحبه ، ووافقتنا بضرورة تحمل صعوبة المرحلة لأنه خضع لعنف المعتقل وعنف التهجير ، وعنف البطالة . لكن أخبارها انقطعت عنا !!!!

3.     أسرة أم كاظم
أم كاظم زوجة لرجل كان مهماَ قبل الاحتلال ، لوحق وتوبع من قبل أبناء طائفته للأنتفام منه ، هاجر بمساعدة  أسرته إلى سوريا هو وزوجته والأبناء الأربعة (شابتان وشابان ) .أهل أبي كاظم يعينونه على تحمل أعباء العيشة في مجتمع الهجرة .جاءتنا أم كاظم تطلب عوننا في وضع سيناريو لهروبها من زوجها ثم طلب التفريق منه والسبب  أنه عنيف ، رفض تزويج بنتيه من شباب عراقيين يعيشون في الخارج . ويريد تزويجهما لأبناء عمومتهما . سألناها ، ولماذا تتمردين اليوم بعد 25 عاماَ من الزواج ، قالت لم  أكن أعلم  بوجود المراكز التي تعنى بالمعنفات ، وتساعدهن في حال انفصالهن عن الأزواج . رغم نصائحنا لها ، بأن الهروب سيشتت الأسرة ويعرضها والأبناء إلى الضياع بفقدان إعالة الأب ،إلا أن أم كاظم ركبت رأسها وهربت مع البنتين والولدين . كيف تدبر أمورها المادية : إيجار وكلف المعيشة لاندري .   أن ثقافة عنف الرجل ضد المرأة أمست كالسحر تطال قلوب النساء ((المعنفات )) لكنها لاترسم لهن درب الغد ، أنها  سلاح للهروب من الزوج ، فهل هو سلاح للمضي نحو المستقبل  بمؤهلات تلبي حاجات الحياة الكريمة الحرة خارج تأثيرات ((التنصير )) أو إعادة التوطين  . فهل  ستزوج أم كاظم بنتيها لشابين لمجرد أنهما يعيشان في الخارج ، من هما ، وقد جاءتهما الخاطبة صدفة لقاء في  حديقة عامة !! وعندنا نحن العراقيين حكايات مفزعة عن الزواج السريع بواسطة خاطبة تجيد اختيار صيدها ، والتجارة  نسميها تجارة الرقيق الأبيض !
نترك القصص بين أيديكم تقلبونها في كل الاتجاهات تفككون وتركبون العلائق أسباباً و نتائج . ولكن السؤال الكبير : لماذا هذا الاتجاه المحموم لحصر العنف ضد المرأة بالرجل والأسرة ، ولماذا عمل المنظمات الحنون ينجح في تفكيك الأسرة ، ولماذا هذا الصمت عن كل أشكال العنف التي تمارس في العراق من قبل سلطة الاحتلال  و أتباعها  ضد الإنسان ، والأسرة والمجتمع والوطن بينما الأجندة الدولية المعنية بحقوق الإنسان لاتتحرك إلا على مشاريع حول المرأة   تنحصر تحت عنوان عنف الرجل ضدها ، ثم ماذا عن الرجل المعنف ؟ وماذا عن فلسفة التعذيب   حتى الموت خنقاً أو بالدريل إذا تطلب الأمر التي تمارس في العراق الجديد ؟
انه عنف جديد من نوعه ، وكان الاحتلال الذي جاء لتفكيك العراق ، ترك للأجندة الدولية وأجندات  المجتمع المدني الممولة جيداً  إعادة هيكلة العقل العراقي بما يخدم مخرجات الاحتلال وفلسفة الهيمنة .

JoomShaper