أ. د. زكريا محمد هيبة
ذكر ابن قتيبة في "عيون الأخبار" أن امرأة زُفَّت إلى رجل، فقال لها: ليس فيَّ من عيب إلا أني سيئ الخُلُق عندما أغضب! فقالت له: أسوأ منك خُلُقًا مَنِ اضطرَّك إلى أن تغضب!
والزوجات نوعان: منهن الهدايا، ومنهن الرزايا.
منهن من تجعل حياة زوجها شبيهة بالجنة؛ فلا تحمِّله فوق الطاقة، تصونه في حضوره وغيابه، ترعى أبَوَيه رعايتها لوالديها، وتحترم رَحِمَه احترامَها لأهلها، للعشرة مصون، ولحشمته بين الناس مراعية، لا تفشي له سرًّا، تعيش معه الحياة بحلوها ومُرِّها. فنعم الزوجة هذه!
بحثت عن زوجة تكون نموذجًا في هذا الباب، فلم أجد أفضل ولا أعلى كعبًا من السيدة خديجة -رضي الله عنها- ولم أندم في تسمية بناتي ندامتي على عدم تسمية إحداهن باسمها؛ عساها تحتذي حذوها في الخُلُق والمعنى، فلكل من اسمه نصيب.
ومنهن من تحيل حياة زوجها جحيمًا؛ فتكون همًّا بالليل، وقيل وقال بالنهار، تضطره لقطيعة رَحِمه، وتحدِّث الركبان بأمره، إن رأت منه خيرًا كتمته، وإن بدرت منه سيئة أشاعتها، لا تسأله عما اكتسب، ما دام جيبه عامرًا؛ فهو للسباع أب، فإذا ما فرغت جيوبه ما تلبث أن تؤنبه بخياباته التي لا تنقطع، فبئست المرأة تلك!
مَرَّ سيدنا إبراهيم -عليه السلام- على ابنه إسماعيل بعدما تزوَّج، فلم يجد إسماعيل في البيت، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن في ضيق وشِدَّة، فقال لها: إذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له: "يُغيِّر عتبة بابه".
فلما جاء إسماعيل -عليه السلام- كأنه آنَسَ شيئًا، فقال: هل جاءكم من أحد؟
قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك، فأخبرته بحالنا.
فقال إسماعيل: فهل أوصاكِ بشيء؟
قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول لك: غَيِّر عتبة بابك.
قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقكِ؛ الحقي بأهلك.
من جميل ما مَرَّ بي أن أحد الآباء اشتكى عقوق ولده، وسيطرة الزوجة عليه؛ مما جعله يقاطع والديه، وكان الأب يريده أن يُطلِّقها، والولد مُتمسِّك بامرأته.
فقال الأب: لقد أمر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولده عبدالله أن يُطلِّق زوجته، ولما امتنع ابن عمر، وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أمره بأن يطيع والده، ويُطلِّق زوجته.
فقلتُ في نفسي: لستَ كعمر في الإلهام والعدل، ولا تطلب من ولدك أن يكون كابن عمر في الورع والتقوى.
فيا أيتها الزوجة المصون، كوني له أَمَةً، يكن لك عبدًا.