عبد الكريم البليخ
أفرزت الحرب السورية في سنواتها الأخيرة الكثير من حالات الطلاق الغيابي، التي بدت تطفو على الساحة وبنسب مرعبة، وهذا غالباً ما يتمّ بغياب الزوج أو الزوجة، سواء أكان ذلك داخل البلد أو خارجه، وطالما تنفضُّ العلاقة الزوجية لمجرد تلفّظ الزوج بلفظ الطلاق المكروه شرعاً.
وهذه الظاهرة أصبحت مع مرور الوقت مثل أي إجراء أو حدث عادي جداً، لم يَعُد يلتفت إليها أحد؛ لأنها صارت مظهراً يوميّاً لأغلب الأسر، يصاحبها نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي، والظروف القاسية، فضلاً عن السفر الذي صار يلجأ إليه أغلب الناس، من استطاع إليه سبيلا، وبصورة خاصة المتزوجون منهم على وجه التحقيق، هرباً من واقع سيئ لأبسط الضوابط، التي لا يمكن معها أن تؤسس لحياة مستقبلية، وحتى بالنسبة للشباب الذين صار الأغلبية منهم يعزفون عن الزواج لعدم القدرة على تلبية متطلبات الحياة اليومية، وما أكثرها.
هذا الواقع يدفع تلك المرأة لتحمّل معاناة وبذل جهد كبير في ظل ما تتعرض له في سوريا وفي غيرها من البلاد العربية، فضلاً عن مواجهة المجتمع الذي لا يرحم أحدا، وطالما يقف لها بالمرصاد، ويسجل عليها مخالفاتها وتجاوزها الإشارة الحمراء
يحدث هذا مع كون الزوج يُبيح لنفسه كل شيء، بينما الزوجة المسكينة، مكسورة الجناح، تظل يدها قاصرة عن فعل ما يُطلب منها، وهي بحاجة إلى سند لا شكَّ تركن إليه بوجود الواقع الأليم الذي يعيشه أبناء سوريا، والظروف القاسية التي لامست الأغلبية، وما زالت تشكل عنواناً كبيراً للحياة التي لم تَعُد تُطاق!
فالمرأة.. الزوجة، صارت -وبدون أي ذنب اقترفته- ترمى خارج عشّ الزوجية بلا مأوى، وهذه معضلة كبيرة لا يمكن السكوت عنها، والأنكى من ذلك في حال وجود الأطفال، وفقد معيل يرعاهم ويساعدها على حملها الثقيل، وهذا ما يستدعي منها تحمّل معاناتها في ظلّ غياب الزوج، والدعم المادي والرعاية التي تلقاها، كما هو الحال في الدول الأوروبية التي تهتم بالزوجة المطلقة وأولادها، وتحميها من أي ظرف خارجي، وتقدم لها ولأطفالها المعيشة الطيّبة بعيداً عن تسلط الزوج ونفَسه الضيّق، وتعامله الخشن.
هذا الواقع يدفع تلك المرأة لتحمّل معاناة وبذل جهد كبير في ظل ما تتعرض له في سوريا وفي غيرها من البلاد العربية، فضلاً عن مواجهة المجتمع الذي لا يرحم أحدا، وطالما يقف لها بالمرصاد، ويسجل عليها مخالفاتها وتجاوزها الإشارة الحمراء في كل تصرف تقوم به ويحسب عليها؛ لأنها أصبحت في عداد المطلقات، وهنا الطامّة الكبرى.
وتتفاقم مشكلتها مع مرور الوقت، ولا تجد من يقف إلى جانبها يهتم بها، ويرعاها في معاناتها بالعمل على حلها، ناهيك عن النظرة الدونية لها، ومحاربتها من قبل الجميع، ومن أهلها أولاً، على الرغم من معرفتهم الأسباب الحقيقية وراء ما جرى لها، والقذف بها من قبل الزوج خارج عشّ الزوجية، ودور الجاني الذي دفعها إلى ترك بيتها وهروبها من يد تبطش بها مع كل صباح، بالإضافة إلى تعامله السيئ وصراخه، وكلماته النابية التي توجّه إليها بصورة يومية، ما دفع بها إلى طلب الطلاق، وتحملها معاناة الواقع الاقتصادي المنهار!
الطلاق يظل أبغض الحلال، ومن مساوئه هدم المجتمع بأكمله، أضف إلى ذلك العادات والتقاليد التي كثيراً ما تقف حائلاً أمام نجاح الأسرة واستقرارها، بل تكون أكثر هدماً لها، إذ طالما يقع الظلم على المرأة والأطفال، ويكونون هم الضحية
وإذا ما وقفنا عند السبب المباشر للطلاق، فإنّ الوضع الاقتصادي بالتأكيد يأتي في مقدمة ذلك، ناهيك عن غياب الوعي الثقافي لدى العائلة، لا سيّما لدى الزوجين.. وهناك أسباب مهمّة جداً بات يعرفها ابن سوريا، وهي مشكلة النزوح، والهجرة الداخلية التي عانى منها، وهذا ما أسهم في زيادة حالات الطلاق، وتفاقمها يوماً بعد آخر، ناهيك عما تركته من آثار جانبية على المجتمع، وعلى الزوجين بصورة خاصة.
وفي إحصائية صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء تأكيد أن حالات الطلاق في ارتفاع معدلاتها خلال السنوات الأخيرة باتت متقاربة مع حالات الزواج.
فالطلاق يظل أبغض الحلال، ومن مساوئه هدم المجتمع بأكمله، أضف إلى ذلك العادات والتقاليد التي كثيراً ما تقف حائلاً أمام نجاح الأسرة واستقرارها، بل تكون أكثر هدماً لها، إذ طالما يقع الظلم على المرأة والأطفال، ويكونون هم الضحية، في ظل تمكّن الرجل من إخفاء إمكاناته المالية، ومحاولته إبعاد تلك الشبهة عنه بدعوى عدم قدرته على دفع التكاليف لأطفاله وطليقته، مع ضغط المجتمع، والعادات والتقاليد التي تقيّد حياة المرأة والأسرة بصورة عامة.
وهناك العديد من الظواهر الخطيرة الناتجة عن ازدياد حالات الطلاق، ومن أهمها عزوف الشباب عن الزواج نتيجة المشاهدات اليومية التي يلحظونها، والقصص الغريبة التي لم تعد خافية على أحد بوجود وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت ساحة لنشر أمثال هذه القصص، التي صارت تشكل عبئاً كبيراً على المجتمع من خلال العلاقات غير الصحية التي صارت مشاهدة من الأغلبية، ولم يعد هناك أي حاجز يقف أمام كل هذه الصور التي أساءت إلى مجتمعنا الذي يعاني الفقر والحاجة!