لبنى محمود ياسين
كان الرجل الذي ناهز الستين من العمر جالسا على كرسيه باسترخاء ينفث دخان
الشيشة القابعة إلى جواره بهدوء .. ويراقب ذلك الدخان الخارج من فمه وهو يرسم
خطوطا عشوائية .. لا معنى لها .. بينما بدأت الخواطر تمر في رأسه .. بالكسل
نفسه الذي يتملكه وبمرارة غيرت طعم الشيشة التي يدخنها .
كان يتابع زوجته وهى رائحة غادية تمارس أعمالها المنزلية بثوبها الفضفاض الذي يحيط بجسد أتسع محيطه كثيرا بينما ظهرت بعض تجاعيد على وجهها أضافت إليه مسحة من الطيبة والحزن في آن واحد .. كانت تمسح الغبار عن الأثاث بنفس الهدوء المعتاد عندما خطر له فجأة .. أين المرأة التي تزوجتها منذ ثلاثين سنة تلك المرأة الرشيقة الناعمة التي كانت ضحكتها تجلجل في أرجاء المنزل فتزلزل كياني ؟! أين هي ... هل يعقل أن تكون هذه العجل السمينة هي تلك المرأة نفسها ، ما الذي يجبرني على العيش مع هذه المرأة إنها لا تمت إلى الأنوثة بأقل صلة ، كانت هذه الخواطر تدغدغ خاطر الرجل وهو ينفث دخان شيشته ويتأمل امرأته بهذه النظرة التي تترجم أفكاره عندما حانت التفاته من زوجته والتقت نظراتهما وكأنها قرأت ما الذي يدور في خلده فأطرقت بخجل و دونما توقف أكملت على عجل أعمالها المنزلية.
أدار الرجل محطة تلفزيونية ما فإذا بأغنية تصدح بإيقاعها السريع الراقص
وعشرات من الصبايا يتلوين بأجسادهن الرشيقة وغلالات شفافة ضيقة ذات ألوان
براقة تلف أجسادهن الراقصة فتزيد من إثارة تلك الأجساد التي جعلت صاحباتها
وكأنما هن فراشات ملونة .. أو حوريات من حوريات البحر يتمايلن على أنغام أغنية
تمجد الصبا نظر الرجل بأسى .... قال في نفسه هكذا فلتكن النساء أما امرأتي
هذه .. فبالكاد تسمى الآن امرأة بل ربما لا أغالي إذا ما قلت أنها تنتمي إلى
جنس ثالث لا أدرى ما أسمه .. ولربما ليس له أسم.. فهي ليست امرأة .. وليست
رجلا ولا أي شيء على الإطلاق أنها.... لا أدري.... ربما كانت أماً .. أماً
فقط ...... لكنها ليست امرأة بالتأكيد .
في هذه الأثناء كانت ملامح المرأة تتقلص في امتعاض ملحوظ وكأنها بطريقة أو بأخرى تنصت إلى أفكار زوجها فيتملكها الغضب ولكنها مع ذلك تحاول أن تعيد
ملامحها إلى مكانها الطبيعي وهى تكمل عملها بهدوئها المعتاد .
فجأة .. رن الهاتف .. فأندفع الرجل قائما ليرد على الهاتف فإذا به يصرخ صرخة مدوية ويمسك ظهره بكلتا يديه قبل أن يكمل وقوفه تركت المرأة المكنسة وركضت إليه .. كان ظهره قد تيبس في منتصف الطريق بين الجلوس والوقوف .. أخذت المرأة تدلك له عضلات ظهره وهى تقول :
ألم ينصحك الطبيب ألا تقف بسرعة يا رجل .. مالك لقد بلغت الستين ولم تعد ابن عشرين سنة وللعمر حقه ، عضلاتك لا تستجيب لاندفاعك فلماذا تفعل هذا بنفسك كل مرة.
هذه المرة .. أطرق الرجل عينيه إلى الأرض خجلا .
موقع القصة العربية