رنا حداد
"بدأت كتلة غريبة بالظهور في ثدييَ الأيسر ..ولم اعط الأمر اهتماما بالغا رغم علمي ان مثل هذا العارض لا يجب السكوت عليه أبدا .وبدأ بعد ذلك الألم يمتد في انحاء متفرقة في جسدي . تألمت بصمت حيث انني لم ارد لاسرتي ان تشعر بمرضي وخوفي".
وتضيف الخمسينية "ام رعد" كنت اخفي معاناتي عن زوجي وابنائي حتى لا اشغل بالهم ولم اكن انوي لهم الحزن ..ليال طوال ومعاناة الى ان جاء اليوم الذي سقطت فيه في براثن الألم الشديد ولم يكن بالامكان اخفاء الامر اكثر من ذلك ".
فيما تتحمل الثلاثينية "رائدة" ألم ووجع فقرات الظهر بصمت خوفا من ان تعطي لزوجها "فرصة ليتعلل بالاقتران بأخرى" بحسب تعبيرها .هذا الخوف يجعل من رائدة انسانة فولاذية امام العائلة وانسانة متهالكة بينها وبين نفسها من شدة الألم واكثر من ذلك الخوف".

وتزيد رائدة "جارتي اصابها مرض الديسك فما كان من زوجها الا ان تركها وتزوج بأخرى ..من هنا بدأ الخوف يتسلل الى نفسي من اظهار حقيقة ما اشعر به من ألم ".

وتصرح بحرقة" ألم الجسد مقدور عليه اما ألم الروح فهو الأصعب".

كثيرات من امثال ام رعد ورائدة هن من اخترن اختزال ألمهن بينهن وبين ذواتهن ليحجبن الحزن والقلق عن افراد اسرهن .كثيرات قادهن صمتهن الى اهمال عرَض صحتهن لخطر عدم الكشف المبكر عن امراض كان بالامكان شفاؤها في مراحل متقدمة.

وكثيرة هي الالام التي تحدث في مراحل مختلفة من حياة السيدات ، بعضها يدخل من البوابة النفسية واخرى مرضية ، وهرمونية.ولكن لماذا تصمت كثيرات عن بث آلامهن ولماذا يحتملن المعاناة ..؟ أهو الخوف ام الحرص على استقرار الاسرة ؟

اخفاء المرض واعراضه حقيقة بينتها دراسة قام بها الدكتور جهاد سمور استشاري امراض النسائية والتوليد وشملت 243 سيدة تراوحت اعمارهن بين 18 - 50 عاما ، ممن راجعن عيادة النسائية والتوليد بمستشفى يحتوي قرابة 16 سريرا لهذا التخصص.

د.سمور اراد بهذه الدراسة توضيح أهمية اخذ الشعور بالألم الذي تشعر به السيدات على محمل من الجد وكذلك بيان مدى اهمالهن العلاج الامر الذي يوقع المرأة في مواجهة متأخرة مع امراض قد تفتك بحياتها وعافيتها.

الاكتفاء بمشورة جارة وصديقة

وتناولت الدراسة التي شملت متزوجات وغير متزوجات الالم الذي يواجهنه واسبابه المرتبطة بالامراض التي تصيب النساء عموما. اما اهم انواع الالام التي وضعت بالدراسة فكانت تلك المرتبطة بحياة السيدة الفسيولوجية مثل آلام الحمل والولادة واضطرابات الدورة الشهرية ، والدخول بسن انقطاع الدورة الشهرية ، والامراض النسائية الاخرى مثل هجرة البطانة الرحمية او بطانة المبيض ، الاورام الحميدة والخبيثة وما يخص الالتهابات النسائية والمهبلية والام العمليات الجراحية النسائية.

وتبين من الدراسة ان ما يقارب %40 من السيدات يهملن الألم وعلاجه والامر الاكثر ايلاما هو عدم التوجه الى طبيب واستشاري الا بعد مراحل متأخرة.

وبين الدكتور سمور ان ما نسبته 23 % من النساء يحتجن الى المشورة بالفعل لكنها ليست مشورة اهل الطب ويكتفين بمشورة الصديقة والجارة والاخت الكبرى .

وقد اوضحت الدراسة ان فقط 11 % من السيدات يستشرن الطبيب ويأخذن العلاج اللازم ، و ان ما نسبته 17 % بالفعل قمن بسؤال الطبيب عن صحتهن اكثر من مرة خلال 45 يوما هي مدة الدراسة .

المسكنات تكفي،،،

وأشار الدكتور سمور في معرض حديثه عن الدراسة ونتائجها انه وعند سؤال الغالبية العظمى من السيدات عن معنى الألم ومدته وعدد مرات حدوثه ، تبين ان %67 لم يعرفن المعنى الحقيقي للألم ، فيما رفضت 8% من سيدات الدراسة قبول الاستشارة او مراجعة الاطباء ولكنهن يكتفين باستخدام المسكنات المختلفة للتخلص من الالام .

وفي سؤال لمشتركات بالدراسة عن اهمال الاستشارة والتداوي والتهرب من مراجعة الطبيب ، تراوحت الاجابات بين من تعللت بالظروف الاجتماعية والاقتصادية.واخريات قلن بأن عدم الرغبة في اشغال بال اسرهن بمرضهن من اسباب عدم كشفهن المبكر عن علل في عافيتهن.او هن بحسب الدراسة لا يستطعن الذهاب بسبب التقاليد .

وشدد د. سمور على اهمية مراقبة المرأة لجسدها فمثلا نقص هرمون الإستروجين بعد انقطاع الطمث قد يكون هو السبب الأساسي لمرض هشاشة العظام لدى النساء ، غير أن التغذية السليمة وممارسة الرياضة ومراجعة الطبيب من حين لاخر واجراء الفحوص الدورية امور من شأنها الحد من معاناة والم كثيرات . واكد الدكتور سمور ان الألم يختلف من سيدة لاخرى وبين ان نوم السيدة القليل يؤثر على شدة الالم فمعروف أن المرأة التي تنام اقل بكثير من رجلها ، حيث يصل معدل ساعات النوم لدي السيدات في منتصف عمرها ما بين 28 - 35 سنة مثلا الى اقل من 6 ساعات ، وهذه الساعات تقل اكثر بعد هذا السن بسبب ظهور الاضطرابات الهرمونية العديدة وسن الخلق ( سن الاياس ) ، وترجع قلة ساعات النوم للسيدات لعدة اسباب من اهمها التغيرات الفسيولوجية المستمرة والتي تؤثر على نومها مثل الدورة الشهرية واضطراباتها ، وبين ايضا بان المرأة خلال الدورة الشهرية يصاحبها تغيرات في مستوى الهرمونات الانثوية في جسمها وهذا يؤثر جيدا على شعورها بالالم وهو ما يحدث ايضا في حالات الحمل والولادة والنفاس والارضاع.

 

الدستور

JoomShaper