د. عبدالله العوضي
يطرح موضوع "الجندر" أو النوع الاجتماعي في العالم الثالث على أساس تكريس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات بالمطلق.
وذلك وفقاً للواقع الذي يشهد بعضاً من التمييز بين الجنسين ليس بسبب الذكورة أو الأنوثة، وإنما مما يشوب القوانين التي يشتم من وراء بعض نصوصها رائحة التمييز الذي قد يراه البعض نوعاً من "العنصرية" بمعنى الانحياز الذكوري نحو الذكور. من هنا تنشأ الإشكالية التي تبرز في التناول الأدبي لقضية الصراع بين الرجل والمرأة، كما توحي إليه بعض الكتابات التي تتحدث عن السلطة الذكورية التي تقهر الأنثوية.
يبدو أن اللبْس هنا يقع في الجانب الاصطلاحي لأنه مستورد من الغرب الذي يشكو من جزئيات ذات المشكلة المصدرة إلى الشرق.
وخلفية هذا الأمر ليس له علاقة "بالجندر" الاجتماعي لأنه من القضايا المطروحة الآن في كثير من المنتديات التي تمثل فيها المرأة من باب الدفاع والحفاظ على حقها في المساواة مع الرجل المعادل وليس الخصم.
في الدول المتقدمة تطرح هذه المسألة بهامش واسع من الحرية والشفافية والانفتاح إلى درجة يصل بهم الأمر في بعض الأوساط العلمية إلى ضرورة عدم الفصل في المرافق العامة وخاصة "الحمامات" بين الرجال والنساء، لأن فيه "تمييزاً وعدم مساواة"... طبعاً هذا الطرح لا يتناسب مع مجتمعات العالم الثالث، إلا أن الغرب ليس فيه شيء مستغرب، فكل أمر قابل للنقاش ابتداء من "المقدس" حتى أبسط الأمور التي قد لا تجد عند الكثيرين أدنى اهتمام، هذا ما يجب الاعتراف به قبل أن نقرر عمل شيء مختلف لمجتمعاتنا التي لا تزال القيود المحافظة تُكبل حراكها العام نحو التقدم.
فالخلفية الغربية جاءت على أدبيات تحث بالتركيز على "الأنثوية" أو الأنثنة" المقابل الحاد "للذكورة أو الذكورية"، حتى أن بعض الغربيين لا يؤمن تحت هذا الإطار الضيق بمبدأ الزواج المدني أو الرسمي بين الرجل والمرأة، بل يصر على البقاء فقط في الإطار الاجتماعي لهذه العلاقة التي هي أقرب إلى الصداقة.
فالقيام باستفراغ المطالبات المدنية في قضايا المساواة بين الجنسين من واقع الحراك في "الغرب" المتقدم، من قبل بعض العناصر النسائية المتحمسة لكل ما هو "غربي" دون النظر في الفروقات الجوهرية بينها وبين الآخرين في حد ذاته، لو كان نوع المطالبة بإجازة "الوضع" بالنسبة للرجل على أساس المشاركة الاجتماعية والمساواة بين الزوجين وليس للمرأة فقط، والسعي بذلك من أجل تغيير قوانين الخدمة المدنية في هذا الاتجاه باسم "الجندر" أو النوع الاجتماعي المطلوب من قبل النوع الآخر حسب طرح دعاة "الأنثنة" سواء في الغرب أو في العالم الثالث لدى من يرى في العالم المتحضر كل شيء براقاً، علماً بأن هذا "البريق" قد يخفت مباشرة عندما يلامس أرض الواقع الذي نحن جزء من كيانه. فالمشكلة ليست في "الجندر"، بل في كيفية إنزال هذه المطالب وتأقلمها مع الحراك الاجتماعي العام في مجتمعات العالم الثالث.
والتركيز دائماً على أن "السلطة الذكورية"، هي السبب الرئيسي في إزاحة عامل "الجندر" من ثنايا القوانين مما يؤثر في إلحاق الظلم للمرأة بشكل عام حسب هذا البعض، قضية فيها أكثر من وجهة نظر، لأن قولبة المجتمعات وفقاً للمستجدات "الغربية" لن تحل هذه الإشكالية، لأن بيئة مجتمعات العالم الثالث مخالفة لرتم الحياة في المجتمعات المتقدمة التي لا ترى فيها إلا المتحرك سواء كان مادة أو معنى، والثابت أو الجامد عند العالم النامي هو السائد.
جريدة الاتحاد