د. هاني العقاد
لا يتخيل احد من سكان هذا الكوكب ولا الكواكب الأخرى كيف تعيش أسرة ما..؟ بدون أمُ ترعي براعمها ,ودون أمُ تضفي حنان قبلاتها كل صباح على وجنات أبنائها ,ودون أن تجهز لقمة الإفطار في رمضان أو غير رمضان لإفراد الأسرة ,ويستدير الجميع حول المائدة يسبحون رب العزة ويتأملون الطعام والشراب و يقرؤون القران و يشكرون الرحمن قبل أذان المغرب , هذا ما تفعله معظم الأمهات المسلمات بالعالم ,لكن هذا ما لا تستطيع فعلة الأمهات الفلسطينيات المعتقلات في الزنازين والسجون الصهيونية والقابعات في الأسر منذ زمن النكسة وحتى الآن..!
قاهرة المحتلين ,قاهرة إسرائيل المحكومة بالمؤبد ثلاث مرات صامت رمضان اليوم أكثر من ثمان سنوات بعيدة عن أطفالها , صامت ولم تتمكن يوما من الأيام أن تجهز بعضاً من الحلوى لأطفالها كحال كافة القراء الكرام,صامت وهي تعرف أنها قد لا تستطيع أن تجهز إفطارا لأطفالها إلى الأبد إلا بمعجزة , لكنها تعرف أن أطفالها أصبحوا قادة وولدوا قادة ولا يضيرهم من يجهز لهم طعام الإفطار في رمضان ولا يضيرهم أي شيء لان أمهم من النساء آلاتي كتبن التاريخ بما تبقي من أوتار أيدِ ناعمة ,والنساء اللاتي قهرن الاحتلال ,و النساء الأتي عرفن المقاومة وعرفن النضال و عرفن
الكفاح بإشكال متعددة , قاهرة السعدي لا زالت قابعة خلف القضبان في مرحلة أخري من النضال وهو نضال الصبر على الألم و تجرعه بإرادة قوية حتى يكتب لها النصر ومن معها من الأمهات الصابرات القانطات المقاومات.
لقد أورد تقرير مركز الأسري للدراسات أن مجموعة من الأمهات الفلسطينيات بعانيين من ويلات الاعتقال و الحرمان الطويل ,وعدم رؤية أبنائهن وأطفالهن خاصة في رمضان شهر المحبة والرحمة , وليس غريبا على المحتل أن يمعن في ألوان العذاب وأشكال المعاناة لهؤلاء الأسيرات الماجدات , فلكل أسيرة قصة تختلف في أحداثها عن الأخرى ,لكن العامل المشترك لكل القصص أن السجان الجبان واحد وأن الزنزانة بلون واحد ,وأن الحرمان من العيش مع الأبناء والزوج والأسرة واحد , ستة أمهات من مجموع ست و ثلاثين سيدة أسرى لدى الاحتلال قابعين منذ زمن بالسجون الإسرائيلية , منهم
من حكم عليها أكثر من سبع مؤبدات و منهم من حكم عليها ثلاث مؤبدات ومنهم من هي رهن الاعتقال الإداري و لا تعرف متى تحول إلى المحاكمة , ومنهم من لها اثنين من الأبناء خارج السجن يعيشان مع الأجداد لان الاحتلال حرمهم الأبوة أيضا , (إيمان غزاوي) احدي بطلات نابلس العظيمة , نابلس جبل الثورة والنار و المعتقلة منذ مطلع العام 2001 ومحكومة بالسجن 13 عاما وزوجها أيضا معتقل ومحكوم سنوات طويلة , ومنهم من له من الأبناء أربعةٍ لم تراهم منذ زمن , و لم يتح لها و لو لمرة
واحدة ضمهم إلى صدرها ومنحهم بعضاً من الدفء والحنان , فهؤلاء هم أبناء قاهرة المحتلين , ( قاهرة السعدي ) الذين سيقهرون إسرائيل بصمودهم و بقلوبهم القاسية وصلفهم ورجولتهم وعنفوان انتمائهم الوطني .
أما (ايرينا سرا حنة) الأوكرانية الأصل التي شاركت زوجها الكفاح والصبر وقاومت طاغوت المحتل في بيت لحم , محكوم عليها عشرون عاما ولها من الأبناء طفلتين وزوجها محكوم مدي الحياة فحياتها لا يعرف قسوتها إلا هي ومن شابهها في المعاناة , وهذه البطلة الصابرة المرابطة ( لطيفة أبو زراع) من نابلس , أم لسبعة أطفال ومحكوم عليها 25 سنة، وكانت قد اعتقلت عام 2003، و(ابتسام العيساوي) من القدس وهي أم لخمسة أبناء ومحكومة 15 سنة، وكانت قد اعتقلت عام 2001م، و(منتهى الطويل) من رام الله , أم لأربعة أبناء ومحكومة بالسجن الإداري لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد.
ليس هذا وحدة ما تعاني منه المرأة الفلسطينية , ولكنا خصصنا هذه المقالة للأمهات الصابرات المحتسبات أمرهن إلى الله تعالى ,القابعات في الأسر وأطفالهن يعيشون في سجن آخر في هذه الدنيا دون أن يتعاطف مع قضاياهن نساء العالم ,ودون أن تعنون قضيتهم من الأولويات عالميا ودون دور فاعل للمنظمات النسائية بالعالم والتي تقول أنها تدافع عن قضايا و حقوق المرأة ..
إننا اليوم ندعو كافة المنظمات الدولية والعربية التي تعني بالأمومة والطفولة وخاصة منظمة الأمم المتحدة والمنظمات التي تراقب انتهاك حقوق المرأة بالعالم والمنظمات التي تدافع عن المحرومين والمعتقلين والمعتقلات في العالم و روابط ومنتديات المرأة بالعالم ,و شبكات العمل النسوى ,وجمعيات واتحادات مناصرة المرأة ,و جمعيات المحامين والمحاميات العرب والبرامج الأممية التي تعني بشؤون المرأة وخاصة برنامج الدول العربية الإقليمي , كما و ندعو كافة المؤسسات والمراكز والوزارات بالسلطة الوطنية أن يعملوا من الآن فصاعدا لتكون قضية الأسيرات الفلسطينيات وخاصة الأمهات الأسيرات داخل المعتقلات الصهيونية ,قضية الجميع ويفعلوها دوليا على الصعيدين الرسمي والشعبي , و أننا ندعو كل النساء في العالم اليوم لتشكيل حركة نسائية حرة عبر هذه المنظمات والروابط والحركات للاحتجاج على سياسية المحتل الصهيوني ضد المرأة الفلسطينية عبر المسيرات والاعتصامات والمظاهرات السلمية والمؤتمرات , والندوات الإعلامية والمناشدات المختلفة لكل حكومات العالم للضغط على حكومة إسرائيل لإطلاق سراح كافة الأسيرات والأمهات من السجون الصهيونية دون شروط.
وكالة معا الإخبارية