محاربة التعدد
تنص المادة «18» من قانون «الأحوال الشخصية» التونسي على ما يلي: «كل من تزوج وهو في حالة الزوجية وقبل فك عصمة الزواج السابق يعاقب بالسجن لمدة عام وبخطية (غرامة) قدرها مائتان وأربعون ألف فرنك أو بإحدى العقوبتين، ولو أن الزواج الجديد لم يبرم طبق أحكام القانون»..
لماذا أصبح التعدد قضية تحارب من كل مشرع ومن كل مجلس تشريعي؟ وأقرب مثال ما قام به البرلمان الكردستاني منذ فترة قريبة الذي قنن وقيد التعدد حتى أصبح من المستحيلات.
وفي هذا السياق، وهو تجريم التعدد مع أن إباحة التعدد شرع رباني مذكور بصراحة النص في القرآن قامت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في زمنها الأغبر ((بإصدار قانون يجرم تعدد الزوجات، وما لبث أن وضح مدى التزام النظام الحاكم في عدن بالقانون الذي أصدره، وذلك عندما تم الإعلان بشكل مفاجئ في عدن عن تنفيذ حكم الإعدام بحق «سالم مطيع علي» الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية لسنوات في اليمن الجنوبي، وكان السبب الذي تمت الإشارة إليه في نفس الإعلان لتنفيذ حكم الإعدام بحقه هو ثبوت قيامه بتعدد الزوجات بما يخالف القانون الذي يحظر ذلك)) انظر مقال _أول تجربة ماركسية عربية _عشرون عاما على الأفول لوليد محمود عبدالناصر _مجلة وجهات نظر العدد 136.
لماذا تقيم الجمعيات النسائية ضجة كبرى ضد هذا التشريع الإلهي وتعتبره «تذكار العصر الجاهلي»؟
هل التعدد أصبح ظاهرة مخيفة تحتاج إلى علاج مع أن نسبة من يعدد لا تتجاوز في بعض الدول نصفا في الألف وفي أقطار أخرى لا تتعدى اثنين في الألف.
والغريب في الأمر أن ظاهرة العنوسة -وهي المشكل الأكبر أمام المرأة؛ لأن الأرقام تقول إنها تصل إلى ثلاثين في المائة- لا تحرك ساكنا في أنشطة هذه الجمعيات النسائية.
فهل محاربة التعدد غاية في نفس يعقوب قضاها، يذكر الدكتور عمر بن عبدالعزيز قريشي في كتابه القيم «سماحة الإسلام» ما يلي: «في ظل القوانين الوضعية التي تبيح الاتصال الجنسي، ولا تعاقب عليه إلا إذا كان عن إكراه أو مخادعة أو ما أشبه، في ظل هذا الوضع يراد تحريم العقد الشرعي على زوجة ثانية، أي يراد الاتصال بها دون عقد، وفي رضا من قانون العقوبات القائم، ذلك القانون الذي لم تغضب من بقائه إلى اليوم جمعية نسائية، ولم نسمع لها صوتا ينادي بإلغائه».
أنا أزعم أن سبب محاربة فكرة التعدد هي الأجندة الغربية، وليس السبب أن مسألة تعدد الزوجات أصبحت من الخطورة بمكان تستدعي الحظر أو التقييد.
هم يعتقدون أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما تبعه من عهود واتفاقيات دولية متعلقة بحقوق المرأة – دين جديد بنسخ ما قبله من أديان وبالخصوص الشريعة الإسلامية؛ لأنها في الحقيقة هي المنافس الأكبر لما يخططون له في مجال المرأة، لذلك هم يحاربون التعدد لا بسبب كون تعدد الزوجات ظاهرة أخذت في الازدياد وتنذر بالخطر، وإنما بسبب أن التعدد تشريع إسلامي ضد التوجه الغربي في هذه المسألة.
وفي الأخير: إن تجريم تعدد الزوجات في الغرب وإباحة الاتصال الجنسي خارج نطاق الزوجية إذا كان عن تراض بين طرفي العلاقة الحرام، أوجد ظاهرة الأطفال غير الشرعيين بنسبة مخيفة، وإباحة تعدد الزوجات عندنا جعل هذه النسبة تصل إلى العدم في البلدان الإسلامية؛ لذلك فإن محاربة تعدد الزوجات ليس الهدف منها الدفاع عن المرأة، إنما الغاية من ورائها الانتصار للتصور الغربي في هذه المسألة، وهو في الحقيقة دفاع عن حق الرجل في الوصول السهل إلى المرأة، وذلك لأن شروط تعدد الزوجات في الإسلام، من مثل العدل المادي والقدرة على الإنفاق تجعل من فكرة التعدد مكسبا للنساء وقيدا على الرجل، أما التعدد غير الشرعي الحاصل في الغرب فأولى ضحاياه هي المرأة نفسها؛ لأن كل تبعات هذا التعدد تقع على رأسها، فإما أن يطلق الرجل زوجته الأولى حتى يتمكن من الاقتران بالثانية بدون أن يخالف نصوص القانون، وإما أن يتخذ الثانية خليلة، وبذلك تقع مسؤولية تربية الأطفال غير الشرعيين على رأس المرأة فقط..
ومسك الختام:
«أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟».
والسلام.