فوزي محمد بارو (فوزان)
المصدر: شبكة الشاهد
منذ أن تمكنت أعداء الإسلام من تقويض صرحة الإسلام بإسقاط الخلافة الإسلامية، وتقسيم الدولة الإسلامية إلى دويلات كل منها خاضعة لدولة من الدول الأوربية، أخذت مع نفسها العهد على محاربة الإسلام في مستعمراته بشتى الوسائل ومختلف الأساليب، فنحيت الشريعة عن واقع حياة الناس، واستبدلت بقوانين وضعية فرضت الهيمنة والسيطرة على دنيا الناس، ومسخت الشخصية الإسلامية، وحورب المخلصون من أبناء الأمة وتعرضوا للتعذيب والتقتيل والتشريد كما تعرضت قلاع الإسلام إلى سهام الأعداء، وأخذت معاول الهدم والتخريب تدك خصون المرأة المسلمة في بناء المجتمع المسلم، فهي بمثابة الأرض الطيبة التي لا تثمر إلا طيباً، فهي صناعة الرجال من هنا وهناك تنادي بخروج المرأة إلى ميادين العمل وتحريرها من قيود العادات والتقاليد والأخلاق والآداب وحقها في ممارسة حريتها كما تشاء بدون قيد أو شرط ولا حياء نعم أيها القارئ لم تكن هذه الصيحات صادقة في أن تدافع عن المرأة وتطالب بحقوقها – إن كانت لها حقوق مهضومة، وإنما كانت تتحرك بخطة مرسومة تستهدف إخراج المرأة من دائرة حياتها الحقة، لتكون أداة للتسلية والهوى والإفساد لتدمير المجتمعات وتحطيم الأسر المحافظة بل وان تدفع المرأة بالخروج من الفطرة والأصالة لتكون وسيلة لإثارة غرائر الشباب وارتكاب المحرمات بإسم الحب والصداقة البريئة للوصول إلى مجموعة من الأغراض والمكاسب الإستعمارية من ضمنها تهميش دور المرأة في بناء مجتمعاتها.

ولكن عند ما لاح فجر الصحوة الإسلامية في الأفق، كان أخوف ما يخافه أعداء الإسلام ما تشهده المرأة المسلمة في صحوة إسلامية تنسجم على سلوكها وسمعتها الإسلامية، وحقيقة الأمر للمرأة المسلمة دور بارز في ظل هذه الصحوة وأنها صحوة المؤمنين والمومنات ولن تكون إلا كذلك، والمرأة نصف المجتمع أو أكثر ولا يمكن إغفال دورها لأن   هذه الصحوة أعطت حقها الطبيعي وحددت ملامح شخصيتها التي تميزها عن غيرها.
لا شك أن المرأة المعاصرة تستمد حماسها للإسلام من روافد غنية كالموافق والبطولات التي ضربتها المرأة المسلمة في صدر الإسلام ومع الأنبياء والمرسلين من قبل، والذي يقرأ القرآن يعرف هذا الدور تماماً فمنذ الإنسان الأول- أبونا آدم عليه السلام – كان للمرأة دور، فقد خلق الله آدم وخلق له زوجة ليسكن إليها وناداها بخطاب واحد(يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) . فرض عليهما التكليف بصيغة واحدة (لا تقربا هذه الشجرة) فالمرأة مكلفة تماماً كالرجل من أول يوم.
ثم النظر إلى موقف ملكة سبأ العادلة يتضح دور المرأة ومكانتها منذ القدم، إذ استشارت قومها حين جاءها كتاب سليمان عليه السلام (يا أيها الملأ أفتوني في أمري) ولخصت أيضاً سياسة سلوك الدنيا الفاتحين في نقطتين، إفساد البلاد وإذلال العباد قال تعالى: (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلو أعزة أهلها أذلة)، فتلك مريم البتول قد بلغت هي الأخرى درجة من الصلاح والتعبد لدرجة أن قومها نادوها (يا أخت هارون) رغم تباعد الزمن بينها وبين هارون وعدم وجود النسب الروحي، المتشابهة بين هذه الفتاة العابدة وبين ذلك النبي هارون عليه السلام، دعنا نستصحب معاً في قصة إحدى إبنتى الشيخ الكبير في ماء مدين في سورة القصص والتي سقى لها سيدنا موسى عليه السلام، وقد وضعت إحداهما أساس المؤهلات التي لابد لمن يشغل عملاً وهي الجمع بين القوة والأمانة (يا أبت إن خير من استأجرت القوى الأمين) هكذا يهتم القرآن بالمرأة فيختصها بقصص يبين أهميتها بالنسبة للمجتمع والحياة.
إذاً فعمل المرأة في ظل الصحوة المعاصرة متشعب الجوانب نظراً لمتطلبات العصر، فهناك عملها مع نفسها وهذا يتمثل في بلورة شخصيتها لتتفق مع الإسلام من ناحية العقيدة والفكر ومن ناحية الخلق والسلوك حتى يكون إسلامها نقياً، عليها أن نقوّم خلقها بما يتفق مع الإسلام، عليها ألا تظل أسيرة للمرأة الغربية، فالمرأة الغربية شيء والمسلمة شيء آخر، والإجماع كما يقول الشيخ محمد الغزالي: فقد إنعقد على أن أوربا وأمريكا فرغت من مبدأ تقديس العرض ومنحت الرجال والنساء حرية الجسد وإنكمشت حرمة الزنا، واستبيحت مقدماته، وأصبح العري والتبرج والإستماع شيئاً ميسوراً بل قامت التقاليد هناك على أنه من العار أن يراقص الرجل زوجته، ينبغي أن يراقص امرأة أخرى وتراقص هي رجلاً أخر – سبحان الله – وهل يطلب الشيطان فساداً أكثر من هذا، وبديهي أن الإسلام يقوم على غير هذا يحذرنا الرسول من التقليد الأعمى ويقول(ولا يكن أحدكم إمعة……).
أما دور المرأة المسلمة مع بنات جنسها فهو من أخطر الأدوار وأهمها، فقد غزاها الإستعمار الثقافي وأخرجها عن أدبها الإسلامي وعن حشمتها وأدخل في فكرها مفاهيم غربية عن الإسلام، فعلى المسلمة أن تدعو بنات جنسها إلى الإسلام الصحيح وتصحيح عقيدتهن وسلوكهن.
يحب على المرأة المسلمة أن تقتدي بنساء السلف الصالح اللاتي كن يشجعن أزواجهن على الجهاد في سبيل الله، إذ كانت بعضهن ذوي الهمم المنحطة حينما يقولون لها أن زوجك تركك وذهب للجهاد فمن أين تعيش؟ فكان ترد عليهن في ثقة المؤمنة ” عرفت زوجي أكالاً وما عرفته رزاقاً، فلئن ذهب الأكال لقد بقي الرّزاق”، وواجب على المرأة المسلمة أن تكون لزوجها على الطاعة، ولقد كانت المرأة التي رسخ في قلبها ثقة الله وإعتمادها عليه لقول زوجها حينما يرزق لإكتتاب الرزق ” يا فلان إياك وكسب الحرام فإنا نصبر على الجوع والطويّ ولا نصبر على حرّ النار وغضب الجبار ” وعلى المرأة أن تربي أولادها على طاعة الله وتحثهم على الخير، وطلب الشهادة في سبيل الله مثلما فعلت الخنساء لأولادها الاربعة حينما عزموا على الخروج لمعركة القادسية استشهدوا جميعاً فلما جاءها النبأ قالت : ” الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وجعلهم شفعاء في يوم القيامة” .
فالمرأة المسلمة الواعية بدينها ورسالتها يجب أن تتحول إلى امرأة فعالة تقتحم المجالات العامة، تكتب في الصحف وتؤسس الجمعيات وتقتحم بالأعمال الخيرية والممارسات الإجتماعية والثقافية بكل أبعادها في محاضرات ومنتديات ومؤتمرات، وترشيح والإنتخابات نقابية ونيابية ضمن حدود الإسلام وأدبه، لكي نبرهن على أن المرأة المسلمة يمكن أن تكون عنصراً فعالاً في المجتمع ولكي تلقن درساً تطبيقياً للذين يريدون المرأة أن تكون ملهاة بإسم الحرية وللذين يريدون عزلها عن مجريات الساحة العملية عليهم أن يعيدوا النظر في صفحات التاريخ الإسلامي .
لا شك أن متطلبات العمل الأسلامى فى المرآة المعاصرة لاتحصى وخاصة فى ظل هذا العصر الذى تسود فيه التحديات والصراعات حول قضية المرآة.
وليس كعهد الدهر يا أم مالك ولكن أحيطت بالرقاب السلاسل.
إن فى نساء هذا العصر من يرمق أعينهن إلى ما يرنّ من قبل الغرب من هتافات زائفة وغيرها من العبارات فكلها مجرد تلفيقات كلامية.
إذا فلتعلم معاشر النساء كل ذلك ما هو إلا إفساد ولسمعتها وتحريرها من كل خلق ودين لعملها بأن النصر حليف المسلمين متى ما صلحت إليه المرأة المسلمة مربية الأجيال وفي نهاية مقالنا هذا نهمس في إذن الفتاة المسلمة بأن تربأ لنفسها عن الوقوع في هذه الهاوية السحيقة وأن تنخدع وراء الشعارات البراقة واللافتات الخداعة فتكون وسيلة تدمير وفساد للمجتمع، ونهيبها أن ترجع إلى رشدها وتتلمس طريق النجاة والخلاص وتحافظ على كرامتها وعزتها، وتلتزم بتعاليم دينها وأن تمضي في أداء رسالتها تجاه الأمة بأكمل وجه كما يرضي ربنا.

 

فلتعلم أن الإسلام رفع من شأنها وأعلى منزلتها وأعطاها حقوقها كاملة غير منقوصة وأعطاها حقها في إدارة أحوالها مستقلة عن ولاية زوجها، وحقّ لها حقها في الإرث والزواج حيث يدفع لها الزوج المهر والنفقة واحترم رايها وأعطاها حق التعبير والمطالبة بحقوقها وأوصى بها خيراً وأمر بحسن معاملتها وساوي بينها وبين الرجل في الأصل وفي التكاليف الشرعية وأعطاها حقها في التعليم والتفقه في الدين وفي العلوم التي تتناسب مع وظيفتها لتؤدي دورها في خدمة المجتمع.
إذاً لكى يعود الإسلام للحياة ولكى يسود العمل الإسلامي في الأرض فإن واجب المسلمين أن يعرفوا أن العمل الإسلامي ليس للرجال فقط وإنما هو للجنسيين سواء بسواء، لأن خطاب التكليف الإسلامي لأبعاده المتعددة إنما جاء عامة للجنسين على سواء عقيدة وعبادة ومعاملة وأمراً ونهياً وموالاة وحقوقاً وواجبات، وجعل الله ميزان الكرامة والفوز والتقوى والعمل الصالح وليس الذكورة والأنوثة:
وما التأنيث لإسم الشمس عيب وما التذكير فخر للهلال



JoomShaper