د. عبدالرحمن الطريري
تمثل المرأة موضوعا دسما للكتابة والمناقشة والحوار بشأنها في كثير من المجتمعات, نظرا لأنها تمثل نصف المجتمع, الذي لا يمكن لأي مجتمع أن يعيش أو أن تسير صيرورة الحياة بشكل طبيعي من دونها, نظرا لأنها الأم والزوجة والبنت والأخت. وشغلت الفلاسفة والمفكرين، فمن مُدين لها ومعتبر لها أساس الخطيئة، إلى من حاول الرفع من شأنها وإعطائها دورا أكبر في المجتمع, وهذا من حقها في أي مجتمع يريد أن ينمو ويتطور, لكن من المجتمعات من أساء الوسيلة والطريقة التي ترفع من شأن المرأة, حيث جعل من جمالها وجسدها منطلقا وأساسا لهذا الحضور على صعيد المجتمع. إن توظيف جمال المرأة وجسدها في الدعاية والتسويق للبضائع كما في عروض الأزياء خاصة غير المحتشمة فيه امتهان للمرأة وكرامتها التي يفترض أن تحترم وتصان من أي خدش.
لا يمكن اعتبار ظهور المرأة على شاشات التلفزيون وهي تعرض مفاتنها إكراما واحتراما لها، حتى إن اعتبره البعض منا كذلك, ذلك أن بعض الكتاب يرى أن هذا تغزل بالمرأة وجمالها، وتأكيد على احترام المجتمعات المتقدمة للمرأة, وفي ظني أن مثل هذا الاستنتاج من قبل هؤلاء الكتاب ما هو إلا رد فعل على ما يلمسونه ويرونه من سوء معاملة وبخس للمرأة من قبل بعض الرجال الذين لا يدركون المكانة التي رفع الإسلام إليها المرأة حين جعل الجنة تحت أقدام الأمهات, وحين أكد ضرورة العناية بتربيتها وتنشئتها التنشئة الصالحة.
مناخ الحرية الذي وجد في المجتمعات الغربية أحدث سلوكيات متناهية في الخروج عن الوضع الطبيعي, الذي يحدث التوازن النفسي والعقلي لدى الفرد. لقد ضجر بعض الغربيين من الحرية المفرطة، ما دعاهم إلى البحث عن حلول لهذا الوضع المزعج الذي يترتب عليه الكثير من المشكلات النفسية والأسرية والاجتماعية.
الإعلامية لورين بوث إعلامية بريطانية قررت تغطية رأسها بعد ما أسلمت وأصبحت تظهر على شاشة التلفزيون وهي مغطاة الرأس.. كما أن مذيعة قناة تلفزيون الموسيقى كريستيان باكر هي الأخرى بدأت بوضع الحجاب على رأسها رغم أنها تعمل في بيئة عمل ذات طابع ليبرالي, وقد علقت على إسلام لورين بوث بقولها إن الحرية المفرطة التي تسمح بفعل أي شيء دون شعور بالذنب أو الخجل هو الذي قادها إلى اعتناق الإسلام؛ لأن حياة الغرب الصاخبة نتيجة الحرية أحدثت إجهادا نفسيا لدى الغربيين. وفي تحليل الباحث البريطاني في جامعة سوانزي كيفن يرى أن اعتناق الإسلام من قبل الصحافيات والإعلاميات البريطانيات جاء بهدف البحث عن عامل روحي يملأ الفراغ, الذي يحسن به في مجتمع مفرط في الحرية ولا حدود لسلوك الفرد فيه.
أدبيات علم النفس تزخر بالكثير من البحوث والدراسات التي عنيت بالإجهاد, والإرهاق النفسي, الذي تبين أن أحد أسبابه هو الفراغ الروحي الذي يحس به الفرد, خاصة إذا كان قد عاش جزءا من حياته دون انتماء, وممارسة دينية, أو إذا وجد في دينه تناقضا يصعب تقبله أو استيعابه من الناحية المنطقية. كما وجد أن الحياة المادية الصرفة من شأنها إثارة القلق والمشاعر المتناقضة، ما يدفع ببعض الأفراد إلى البحث عن ملاذ يشعرون فيه بالطمأنينة, والراحة النفسية.
إن ما يبدو من حياة مترفة واحترام وتقدير تحظى به المرأة في المجتمعات الغربية حين تستخدم في الدعاية والإعلان, أو في مهرجانات عروض الأزياء حين تظهر عارضات الأزياء بأحلى الأزياء وهن يتعسفن الابتسامات، يخفي وراءه الكثير من الصراعات النفسية التي تحدث نتيجة إحساس الفرد بأنه تحول إلى سلعة رخيصة يتم عرضها للمتسوقين.
إن الحرية العامة, وفي وسائل الإعلام وكذلك في المجال السياسي, والثقافي والمجال الاجتماعي, أمور لا يمكن إنكارها أو تجاهلها, وتجاهل قيمتها في نمو وتطور المجتمعات التي جعلت الحرية إحدى قيمها الراسخة, لكن لا يمكن استخدام المرأة وسيلة تسويق حرية مهما بدا للبعض منا كذلك
المرأة بين الجبروت وامتهان الحرية
- التفاصيل