أنور أحمد ميو
كنت أريد أن أفرد لموضوع النصوص الواردة في المفاضلة بين الرجل والمرأة في الشريعة الإسلامية مقالا، غير أنني رأيت أن أعمم الموضوع حتى يتطرق إلى فقرات أكبر منه سقفا.
ومن الطبيعي أن تختلف وجهات النظر في بعض المواضيع غير أن داء التعصب والتطرف في المبدأ هو الذي يفسد ولا يصلح، ويكدر ولا يصفي، فالمتشدد الإسلامي اليوم يصول ويجول في الصومال بأوامر من إزالة مادة اللغة الإنجليزية من المدارس الأساسية والثانوية، ويستبيح دم المسلم بمجرد أن خالفه في الرؤية، ودم المسلم أغلى من الكعبة المشرفة بل من الدنيا وما فيها كما ورد في الحديث: " لزوال الدينا أهون عند الله من قتل مسلم"، بينما العلماني الصومالي الذي ينادي بالتغيير يبدأ تغييره من الهجوم على النصوص الشرعية والتسخير بالدين ورموز الصحوة والإسلاميين، وإعلان الحرب على عروبة الصومال وانتمائها الثقافي والتاريخي.
استحالة وجود مجتمع على نسق واحد:
إن العقلية الصومالية المتعصبة لم تستوعب بأنه من المستحيل إيجاد مجتمع غير متعدد الاتجاهات، وبالتالي تركز على التنمية البشرية، فهمّ تلك العقلية هي إقصاء الآخر بأي ثمن، وتحطيم أواصر التعاون في ظل المواطنة، فالعلماني الصومالي المتطرف يريد أن يرى صومالا خاليا من المتدين المتشدد، والسلفي الصومالي المتطرف يريد أن يرى صومالا خاليا من المتصوف والعلماني، والإخواني المتطرف يريد أن يرى صومالا خاليا من المتشدد وقد تراه يشيد بالعلمنة على حساب الأسلمة، نعم.. عقلية تفكر في الإبعاد، حتى في السياسة وفي الاقتصاد وفي التنمية البشرية وفي أي شيء، ومن المستحيل أن ترى مجتمعا خاليا من الاتجاهات الدينية والسياسية والاجتماعية.
فكيف إذن ..نجد الرفاهية؟!!
ماذا نستفيد إذا نحن نزرع الكراهية والتشنيع على الطرف الآخر بأقلامنا، وماذا نستفيد إذا نحن نصب الزيت على النار من خلال التهجم على النصوص الشرعية والطعن في رموز علماء الأمة وقادة الصحوة الإسلامية وكبار العلماء،؟!! ماذا نستفيد إذا نحن نفر من التطرف الإسلامي إلى التطرف العلماني الذي يدعوا إلى إعادة النظر في النصوص القرآنية والنبوية؟!!.
إن المجتمع المتقدم هو الذي يحرص على التنمية البشرية دون أن يصنف الناس بين موالي ومعادي، والشخص المتحضر هو الذي يعي أن البيئة والواقع في الصومال أكبر ركن من أركان التغيير، فلا يبدأ التغيير من الهجوم على النصوص الشرعية والثوابت الإسلامية والتقاليد الصومالية، ولا يبدأ التغيير من الهجوم على المولد النبوي وقبور العلماء وأكل القات وإسبال الثياب ومشاهدة الفضائيات والأفلام، فالتغيير لا يأتي بالعاطفة والتعصب المفرط.
الوسطية الإسلامية:
الوسطية الإسلامية التي مدح الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي التي تستمد من القرآن الكريم الذي لا يأتي الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهي التي تستمد من السنة الصحيحة، ومن العقل السليم الذي لا يشوبه الهوى، وقد قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} لأن اليهود قالوا: عيسى ولد زنا، وقالت النصارى عيسى ابن الله وكلاهما متطرفون، كما قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} هكذا هو التطرف في المبدأ، إفراط وتفريط، والحمد لله الذي جعلنا أمة وسطا كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} أمة بين ضلال الزهاد وطمع أكلة السحت، { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} وهذا القرآن الذي جادل وناقش مع أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين ومع الفلاسفة والوثنية، هو المنهج المتكامل الذي يصلح لكل زمان ومكان، كما قال تعالى: { إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } يعني أنه ركز على وسطية الإسلام من بين الأديان والأفكار والمذاهب، وقال تعالى { إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}.
الأضرار التي تنجم عن التطرف الفكري:
التطرف العلماني يؤدي إلى بغض الدين والتدين ومعاداة الإسلام، ويؤدي إلى نشر الكراهية بين المجتمع الصومالي المسلم الذي أكرمه الله بالإسلام بنسبة مائة في المائة، كما قال تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}، التطرف العلماني يؤدي إلى التفرقة بين (الإسلاميين)(!) ورؤية بعض من لم يتريث كثيرا في نظرة النصوص الشرعية وفهمها بأن العلمانية هي مصدر التنمية والتطور، فرارا منه (!) من الجانب المتشدد من الإسلاميين، وبالتالي تكون الصحوة الإسلامية في الصومال التي انطلقت في أيام حالكة من القبضة العسكرية الإشتراكية (العلمانية) في مأزق (تاريخي) لامثيل لها،!! إن إلصاق العار والعيب على الإسلاميين عامة والسلفيين خاصة لأجل فعل الحركات المسلحة في جنوب الصومال وجعله قاعدة متطردة لوسم الإسلاميين بالقبح لهو تطرف آخر وعدم المصداقية والاعتدال، وقال تعالى { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وقال قبل هذه الآية: { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا } انظر أخي القارئ: إن كفار قريش لم تسمح للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قضاء العمرة في مكة وأرجعتهم إلى المدينة حتى استاء من ذلك جمع من الصحابة، ومع ذلك يأمر الله بالعدل وعدم مجاوزة الحد في التعامل معهم، هذا هو الاعتدال، فهيئة العلماء الصومال التي تضم أكبر عدد من علماء سلفيين وغيرهم أوضحوا موقفهم من ما يجري في الصومال – وإن كان دورهم لا زال ضعيفا- وها هو الشيخ عمر الفاروق – وهو من كبار علماء السلفية في الصومال – يقف في وجه حركة الشباب ويرد عليهم، وهذه حركة الاعتصام تقول في بيان غروي: أنها تتبرؤ من سفك الدماء وتكفير الناس، وهذه حركة الإصلاح تتبرؤ من القتال والأعمال المسلحة في الصومال، فهل نحن نعمم الإسلاميين كونهم أصحاب التاريخ السوداء في الصومال.
أما التطرف الإسلامي فهو بدوره يؤدي إلى كراهية الدين وهجره، ويؤدي إلى نظرة قصيري البصر من الناس التدين بأنه سبب في التخلف الفكري والحضاري والحداثة، التطرف الإسلامي يؤدي إلى نشر الكراهية بين الناس وتفريقهم وتمزيقهم، التطرف الإسلامي يؤدي إلى انعدام التوازن في مقاصد الشريعة الإسلامية والحكمة وتنظيم الفتاوى والمرجعية الدينية، واستباحة القتل والاغتيال واحتلال الأرض والنـزوح والكوارث والبلايا والرزايا نسأل الله العافية.
نصوص في المفاضلة بين الرجل والمرأة – القسم الأول:
موضوع المرأة ودورها في المجتمع قد كثرت فيه الأقلام، وتكلم فيه كل من هب ودب ممن يحمل الغث والسمين، والصحيح والرذيل، وكثر فيه الأخذ والرد، وهو موضوع يتصارع فيه قوى متأثرة بالنمط الغربي الذي غزا الشرق إبان الاستعمار والاحتلال الأوربي، وترك ثقافته في المجتمعات الشرقية الآسيوية والإفريقية، وقوى محافظة متشددة لا تسمح للمرأة بأي دور في الحياة، وقد رأيت بعض الأقلام العلمانية الصومالية ذكر بأن التراث الشرقي عامة والإسلامي خاصة خذل المرأة بحيث أنه وصفها بأنها ناقصة عقل ودين وأنها مثل الضلع الذي لا يستقيم أبدا حتى يكسر، ولكن لم يفهم بأن ما يذكره هو قول المصطفى صلى الله عليه عليه وسلم، وبعد أن فكرت في جمع تلك النصوص كلها من القرآن والسنة وشرحها وتقريبها إلى العقل رأيت أن أوسع النطاق حتى يشمل مواضيع أخرى تحت عنوان (وهج الوسطية الإسلامية)، ولاحظت أيضا أن دور المتصفحين من منتسبي الصحوة والحركة الإسلامية ضعيف للغاية في الدفاع حتى عن ثوابتهم التي دخلوا البيعة عليها من جعلهم الإسلام منهجا وحياة وسلوكا، لأننا نحتاج – كقراء- إلى من يقدر بملكته وثقافته أن يبين لجماهير المتصفحين – وأغلبهم من النخبة الصومالية المتعلمة – المنهج الإسلامي الوسطي ويناقش بعض الأفكار التي تميل إلى العلمانية وهجر الدين بغضّ النظر عن صاحبها وعدم تكفيره وتشنيعه، وبعض الأفكار المتشددة على السواء كي نجد التوازن، لكن هذا التوازن قد خلا من بعضهم حيث أشاد بالعلمانية على حساب من ينتسب إليه، إذن فما هو دوره،؟!! وبالتالي كان لا بد أن أحمل القلم وأتنازل عن بعض المشاغل الأكاديمية التي حالت دون كتابة مقالات اعتيادية كنت أريدها، فأقول:
أولا: النصوص القرآنية:
1- الآية الأولى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء}:
هذه الشهادة هي على كتابة الديون والعقود، وقد استنبط النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الآية نقصان عقل المرأة كما سيأتي صريحا في قسم النصوص النبوية في الحلقة القادمة، وعليه جرى جمع من المفسرين كابن كثير والشيخ السعدي، وتعلل الآية ذلك على نقصان ذاكرة المرأة من ذاكرة الرجل فتقول: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}، ويقول المفكر الإسلامي الكاتب سيد قطب رحمه الله في تفسيره ظلال القرآن: " والضلال (أي النسيان) هنا ينشأ من أسباب كثيرة فقد ينشأ من قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه وملابساته ومن ثم لا يكون من الوضوح في عقلها بحيث تؤدي عنه شهادة دقيقة عند الاقتضاء، فتذكرها الأخرى بالتعاون معاً على تذكّر ملابسات الموضوع كله، وقد ينشأ (النسيان) من طبيعة المرأة الانفعالية فإن وظيفة الأمومة العضوية البيولوجية تستدعي مقابلا نفسياً في المرأة حتماً تستدعي أن تكون المرأة شديدة الاستجابة الوجدانية الانفعالية لتلبية مطالب طفلها بسرعة وحيوية لا ترجع فيهما إلى التفكير البطيء، وذلك من فضل الله على المرأة وعلى الطفولة، وهذه الطبيعة لا تتجزأ ؛ فالمرأة شخصية موحدة، هذا طابعها - حين تكون امرأة سوية - بينما الشهادة على التعاقد في مثل هذه المعاملات في حاجة إلى تجرد كبير من الانفعال".إهـ.
وهنا يأتي سؤال: هل ذاكرة وحفظ المرأة ضعيفة عن ذاكرة وحفظ الرجل؟!!!.
الجواب: قد فكرت في هذا الأمر مدة من الزمن، ثم توصلت إلى نتيجة مفادها أن ذاكرة المرأة تتقوى عندما تتعلق بالشيء نفسيا، ومن أمثلة ذلك الفتيات اللاتي لها علاقة عاطفية مع الشباب لا تنسين أرقام هواتف الرجال، وصيغ الرسائل التي أرسل إليهن وتاريخ الإرسال، والمكان الذي تم المقابلة، واللباس التي كان يلبسها، وقد رأيتُ عند بعض الفتيات ذاكرة قد أسميها بالمعجزة في هذه الأمور، لكن تلك الذاكرة تتعرض بمرور الأيام لضغوط بيولوجية ونفسية تجعل المرأة تنسى مبكرا قبل الرجل، منها تعرضها لتغيرات جسدية كثيرة منها الدورة الشهرية (الحيض) التي تؤثر في نفسيتها، ومنها المرحلة التي تكون بداية الحمل ونسميها (walac) وهذه المرحلة هي من أشد ما تتعرض لها المرأة نفسيا، حتى أنها تتصادم مع الزوج بدون سبب، وبعض النساء تأمر الزوج بأن يرحل عن البيت ويختفي عن نظرتها، وبعضهن تأمره ألا يغادر البيت أبدا، وإذا انفلت منها فإنها تشم عرقه في قميصه، ومن هنا تدرك حجم ما تتعرض لها المرأة من تلك الضغوط، ومنها الحمل والولادة وغيرها من الأمور التي هي من خصائص المرأة، وقد ذكرت الأبحاث العلمية أن تلك التغيرات تؤثر في نفسية المرأة وتعرضها للإحباط وقلة التركيز والكسل وسرعة الانفعال وقلة الذاكرة..هذا ما تقوله تلك الدراسات التي وصل إليها المتقدمون (!) من الناس، والله ذكر ذلك في قرآنه قبل ألف سنة، وهو سر قوله تعالى {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} وصدق الله :{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}، وقد فهم النبي صلى الله عليه وسلم تلك المؤثرات النفسية، وكيف لا وهو طبيب القلوب والنفوس عليه أفضل الصلاة والسلام فقال لزوجه عائشة: أنا أعرف متى أنت راضية عني، ومتى أنت غير راضية عني، فالحالة الأولى تقولين: لا ورب محمد، والحالة الثانية تقولين: لا ورب إبراهيم.
ولا نعني أن حفظ المرأة سيء للغاية بل إن هناك عبقريات في الحفظ من النساء ومتفوقات في الدراسة من الرجال في الجامعات والمدارس النظامية ولكن نحن نتكلم عن المجموع الكلي، ولا نتكلم عن المفردات، فقد توجد امرأة أكثر حفظا من رجلين.
2- الآية الثانية: {وليس الذكر كالأثنى}:
هذه الآية لها معنى خاص، لأن صياغها كانت جملة اعتراضية في كلام أم مريم بنت عمران عليها السلام، فأم مريم نذرت - وهي حامل - أن تجعل ولدها خدما في بيت المقدس، لكن لما وضعت أثنى قالت: يارب إني وضعت أنثى، وكنت أريد ذكرا يقوم بخدمة بيت المقدس، فقال الله معلقا على قولها: {والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى} أي: في القوة والجَلَد في العبادة وخدمة المسجد الأقصى، وقال سيد قطب في تفسيرها: " ولا تنهض الأنثى بما ينهض به الذكر في هذا المجال"إهـ، وقد يستنبط من هذه الآية أن جنس الرجل أفضل من جنس المرأة لكن هناك آية صريحة في ذلك سيأتي الكلام عليها في الحلقة القادمة.
3- الآية الثالثة: {للذّكر مثل حظ الأنثيين}:
هذه هي آية الميراث التي قسم الله فيها الميراث بين الورثة بالعدل وقال: {نصيبا مفروضا} ولهذا سمى هذا العلم بالفرائض، وهو يدل على حكمة الله وعدله، فلنشرح الحكمة في ذلك:
أب اسمه سليم أنجب ثلاثة من الأولاد اثنان منهم ذكر وواحد أنثى، وهم: أحمد وسعيد ورملة، تزوجت رملة رجلا يعمل في شركة مصرفية، وتزوج أحمد وهو يعمل في دكان، وينفق على نجله في الدراسة الجامعية بألف دولار سنويا، وعلى دراسة ابنته في كلية الصحة العامة ألفي دولار زيادة على ذلك تكلفة النفقة من الطعام واللباس والأدوية والحاجات الضرورية كالكهرباء والإيجار وغيرها للأسرة، أما سعيد فهو يريد أن يتزوج لكن أهل الزوجة ينتظرون منه ألفي دولار، زيادة على المهر الذي يقدر بألف دولار.
توفي الأب سليم وترك مالا قدره ستون ألف دولار،! إذن تعالوا لنقسم بين الأبناء بالعدل، هل نجعل سهم رملة وسهم أحمد وسهم سعيد متساويا بحيث يأخذ كل منهم عشرين ألف دولار؟!!، لأن رملة زوجها مصرفي يتولى نفقة الأهل ورعايتها، فلو أخذت سهمها فإنها تُدخله في خانتها الخاصة ولا تعمل به كبير شيء،!! بينما أحمد عنده تكلفة كبيرة جدا، فنجله يريد منه الرسوم الدراسية، وبنته كذلك، وبعد أشهر يريد منه الأهل لباس العيد، وتكلفة الإيجار مرتفعة، وزوجته حامل ستضع بعد قليل وهي تريد تكلفة الممرضة والمستشفى إلخ.
ماذا نفعل في هذه الأسهم،؟!! أما التقدميون (!) من الناس فيقولون: لا، إنه حقها فلتعط ما تشاء هي، ولا بد أن تأخذ رملة بما يأخذه أحمد وسعيد وإلا فهو ظلم في حقها، وأما التقليديون (!) من الناس فيقولون: إنها تحت رعاية زوجها ولا تحتاج إلى شيء فلماذا تضيق على أخويها، فلتذهب فلا شيء لها.!!
هنا جاءت حكمة الله وعدله، لم يظلم المرأة فأعطى رملة عشرة ألف دولار، ولم يبخس بمسؤولية الرجل وتكاليفه الثقيلة فأعطى أحمد عشرين ألف دولار،وسعيد عشرين ألف دولار.
ثم إنه حدث شيء طارئ بعد شهر فقد قتل سعيد رجلا على وجه الخطأ فجاء أهله إلى العشيرة فقيل: أين عصبة القاتل؟!! فقال أحمد: أنا، وقال عم أحمد وهو أخ سليم: أنا، فدفع أحمد ألف وخمسمائة دولار في الدية المشتركة بين العصبة، ولم تدفع رملة شيئا لأنها ليست من عصبة الرجل الذي يدفع الدية، انظر حكمة الله، وصدق الله إذ قال: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} أي ليس هناك أحد أعلم بخلقه.
وَهَج الوسطية الإسلامية [1]
- التفاصيل