سهير بشناق
- لم تكن تعلم ( منار ) – ( 18 ) – عاما ان موافقتها على الزواج ستكون بداية رحلة العذاب الذي عاشته لاكثر من ثلاث سنوات فبعد وفاة والدتها بفترة قليلة تزوج والدها وبدات معاناتها مع زوجة الاب.
وكما هي الصورة النمطية لزوجة الاب فقد أساءت معاملتها وعملت على تحريض والدها ليعاملها هو بدوره معاملة سيئة بدأت من حرمانها من استكمال تعليمها الجامعي الذي كانت قد بدأته قبل وفاة والدتها وانتهت باجبارها على الزواج من شقيق زوجة الاب الذي يكبرها بعشرين عاما .
فمن حياة عنوانها الالم والاساءة الى حياة اخرى ذاقت بها منار جميع انواع العنف الجسدي واللفظي والنفسي فقد تعرضت للضرب مرات عديدة مما ادى الى اجهاضها مرتين بسبب ما تعرضت له من ركل على منطقة البطن.
ويعتبرالعنف ضد المراة من القضايا الاجتماعية التي تحمل معها قدرا كبيرا من المعاناة النفسية التي تعيشها هؤلاء النساء اللواتي يتعرضن لهذا العنف فيلجأن الى بعض الجهات القادرة على مساعدتهن الا ان كثرة من المعنفات بسبب الخوف من الطلاق وتشريد اطفالهن و المفاهيم الخاطئة حول العادات ونظرة المجتمع للمراة التي تتقدم بشكوى ضد زوجها حالت بينهن وبين انهاء هذا العذاب .
وتشير مصادر مختصة بقضايا العنف الاسري وخاصة العنف ضد المراة ان الإحصاءات المتوفرة عن حالات العنف الأسري المُبَلغْ عنها للجهات الرسيمة لا تعكس واقع إنتشار المشكلة لأن الأعم الأغلب من ضحايا العنف الأسري لا يطلبون المساعدة الإجتماعية والقضائية والطبية بسبب الثقافة السائدة بالمجتمع والتي تتقبل ثقافة العنف، وبسبب الوصمة الإجتماعية والخزي والعار المرتبط بالعنف،حيث يعتقد ضحايا العنف الأسري أنهم يستحقوا العنف وبعضهم قد يشعر بالخوف إذا طلبوا المساعدة، ولجميع هذه الأسباب التي تمنع ضحايا العنف الأسري من طلب المساعدة فإن الأرقام الإحصائية عن العنف الأسري لا تعكس حقيقية إنتشار المشكلة بأي حال من الأحوال، والتي قد تكون أضعاف الأرقام المتوفرة في الإحصاءات.
الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي بين ان 1371 حالة راجعت عيادة الطب الشرعي المتعلقة بالعنف الأسري والعنف الجنسي عام 2009 حيث ان ما نسبته 46% من العنف كانت لنساء تعرضن للعنف الجسدي من قبل أزواجهن أو أشقائهن أو أبنائهن و44% كانت لأطفال تعرضوا للعنف الجسدي أو للعنف الجنسي أو للإهمال، و8% من مجمل الحالات كانت لنساء تعرضن للعنف الجنسي إن كان من داخل الأسرة أو خارجها.
وبين جهشان ان المرأة الزوجة هي الضحية في 90% من مجمل حالات النساء المتعرضات للعنف الجسدي، حيث شكل هذا العدد ما نسبته 98.5% من حالات العنف الزواجي حيث لم تتجاوز نسبة تعرض الزوج للعنف من قبل زوجته الـ 1.5%. في 9% من مجمل حالات العنف الجسدي ضد النساء كانت المرأة غير المتزوجة هي الضحية بتعرضها للعنف من قبل أشقائها أو والدها.
مشيرا الى ان نسبة تعرض كبار السن للعنف الأسري من قبل أبنائهم أو بقية أفراد الأسرة لم تتجاوز 1% من مجمل الحالات.
واشار جهشان الى ان العنف الجسدي شكل ما نسبته 42% من مجمل حالات العنف ضد الأطفال، وشكل الاهمال 21% من هذه الحالات. في حين بلغت نسبة العنف الجنسي ضد الأطفال ما نسبته 37% من مجمل حالات العنف ضد الأطفال و 67% من مجموع ضحايا العنف الجنسي (بنسبة 60% إناث و40% ذكور).
وتشير هذه الاحصائيات الى ان عدد النساء اللواتي تجاوزن 18 سنة 30% من مجمل ضحايا العنف الجنسي. حيث كان أغلب مرتكبي العنف الجنسي شخص معروف للضحية، ولم تتجاوز نسبة الإعتداءات الجنسية داخل الأسرة 15% من مجمل حالات الإعتداءات الجنسية.
ويرى جهشان ان العنف الأسري ضد كبار السن والنساء غير المتزوجات والرجال هو ليس بالظواهر الجديدة ولكن لإنخفاض نسبته لم يكن هناك القاء ضوء كافٍ عليه من مؤسسات المجتمع المدني لأنه كانت تعطى الأولية دائما للفئات الأضعف وهي النساء والأطفال.
ويقول جهشان : انه لا يوجد سبب واحد مباشر لحدوث العنف الأسري، وإنما هناك عوامل خطورة متعددة مرتبطة بحدوثه، فليس هناك علاقة بين العنف وبين المستوى الاقتصادي الاجتماعي أو بالدين أو العقيدة أو بالعرق، فهو موجود في كافة الأعمار، بالجنسين، وفي كافة الدول الغنية والفقيرة، بالمدينة وبالريف. وتتكون عوامل الخطورة هذه من أربع مجموعات الأولي مرتبطة بالفرد المعنف كأن يكون مدمنا على الكحول أو المؤثرات العقلية أو أن يكون مريضا نفسيا أو يعاني من إضطرابات في الشخصية، اضافة الى إختلال العلاقات ما بين المعنف والضحية وبوجود التفكك الأسري وتلعب البيئة الموجود بها الفرد والأسرة كالظروف المرتبطة بالفقر وإنتشار البطالة والإكتظاظ السكاني، دورا في حدوث العنف .
مشيرا الى ان هناك دورا للثقافة السائدة والمنتشرة بالمجتمع والتي تعظم العنف وتربطه بالرجولة والقوة، وعدم الاتزان في القوة والنفوذ بين المرأة والرجل، والتي تنظر للمرأة على أنها مُلك للرجل، وأنها بحاجة لتوجيه وسيطرة وتأديب، وهناك أيضا الفكر السائد بأن العنف هو نمط شرعي مقبول يقوم به الرجل لتفريغ الإحباط أو الغضب، وإنتشار المعايير الإجتماعية التي تتوقع من المرأة أن تكون سلبية.
وبين جهشان ان من اساليب العنف المتبعة ضد المراة هي الركل واللكم والصفع والعض، وبنسة أقل لي المفاصل والأصابع والكسور، حيث سجلت حالات من الممكن تصنيفها كنمط للتعذيب على شكل تقييد وجلد بالسياط والحرق بالسجائر والكي بالمكواة وبالمعالق والسكاكين عقب وضعها على النار.
وتتوفر برامج مخصصة للوقاية الأولية تعمل على توعية المواطنين عامة بمشكلة العنف الأسري بهدف الحد منه قبل وقوعه وهذه أفضل السبل للقضاء على هذه المشكلة على المدى الإستراتيجي بعيد المدى.
اضافة الى الخدمات المتخصصة لضحايا العنف بعد حدوثه كإدارة حماية الأسرة في مديرية الأمن العام والتي تعمل على مبدأ توفيرالتخصصات المهنية المختلفة التي تحتاجها الضحية في مكان واحد، وهي الخدمات الإجتماعية و الطبيبة الشرعية والطبية النفسية بالإضافة إلى الخدمات الشرطية والقضائية وتوفير الحماية للضحايا بتوفير دور الضيافة لهم في بعض الحالات.
وبالرغم من توفر هذه الخدمات لضحايا العنف ووعي المجتمع بخطورة مثل هذه القضية الا انه لا يزال هناك نساء يعانين من العنف والظلم فسبب خوفهن على اطفالهن وعدم دعم اسرهن لهن يجبرن على السكوت وتحمل ظلم وقسوة الزوج فيما تختار بعضهن تكسير القيود التي تعيش بها ضاربة بعرض الحائط عن اي نتائج قد تلحق بها وهو الخيار الافضل امام حياة عنوانها العذاب الجسدي والنفسي.
المسكوت عنه في سيرة العنف ضد النساء
- التفاصيل